علم البرودة
كيف قد تؤدي درجات الحرارة المنخفضة إلى تغيير حالة العناصر فتضر الأنسجة الحية وتعالجها
أدنى درجة حرارة لجسم إنسان
بالغ ظل على قيد الحياة هي 13.7°س.
متى يعتبر الشيء بارداً؟ لا توجد قاعدة قاطعة مفادها أنه عندما يصل شيء ما إلى درجة حرارة معينة، يمكن اعتباره بارداً. ومع ذلك، فعند النقطة التي تقترب فيها درجة الحرارة من نقطة تجمد الماء، من الآمن القول إن الجسم بارد بالفعل. يعرف أي شيء تحت درجة الصفر السيليزية بما تحت الصفر ،Sub-zeroوتحت الصفر هو المكان الذي تبدأ فيه الذرات والجزيئات تتجمد فعلياً. فعلى الرغم من أن البلدان في معظم أنحاء العالم تستخدم الدرجات السيليزية أو الفهرنهايت، إلا أن مقياس درجة الحرارة المعترف به عالمياً يُعرف بالكلفن. وسميت هذه الوحدة الأساسية على اسم الفيزيائي البريطاني وليام تومسون William Thomson المعروف أيضاً باللورد كلفن Lord Kelvin، تكريماً لأبحاثه في الديناميكا الحرارية خلال القرن التاسع عشر.
يمتد المقياس من أدنى درجة حرارة نظرية، والمعروفة بالصفر المطلق Absolute zero، إلى أعلى درجات الحرارة المعروفة في الكون. يحدث الصفر المطلق عند صفر كلفن، والذي يساوي -°273.15س. وقد تفقد الجزيئات عند نقطة بداية درجات الحرارة هذه نظرياً أي طاقة حركية –Kinetic energy وهي الطاقة المرتبطة بالحركة. وعندما تكون الذرات والجزيئات ساخنة، فإنها تمتلئ بالطاقة الحركية، مما يجعلها تتحرك بسرعة بل وتتفكك. عندما تحرّك ميزان الحرارة جنوباً، يحدث العكس وتقل الحركة الذرية. مع انخفاض هذه الطاقة، تنتقل العناصر عبر المراحل المختلفة للمادة، من غازات نشطة إلى مواد صلبة تفتقر إلى الطاقة. فمثلاً، عندما يبرد بخار الماء الساخن، يتكثف إلى سائل ويشكّل في النهاية جليداً عند نقطة التجمد.
لكن، لا تحدد الحالة الفيزيائية للجزيء أو العنصر على الفور ما إذا كان أو لم يكن ساخناً أم بارداً. فمثلاً، أحد أبرد المواد المعروفة هو النتروجين السائل. تغيّر العناصر المختلفة في الجدول الدوري حالتها المادية عند درجات الحرارة المختلفة. فالنتروجين عنصر يتحول من مادة صلبة إلى غاز عند درجات الحرارة الشديدة الانخفاض. في أبرد حالاته الصلبة، تبلغ حرارة النتروجين أقل من 63 كلفن س°210-))، لكنه يصبح سائلاً عند درجة 77 كلفن (-°195.15س)، قد يكون تأثير درجات الحرارة الباردة في الجزيئات مفيداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بحفظ طعامنا.
يعتبر التجميد Freezing من أسهل طرق تخزين المواد السريعة التلف وإطالة عمرها الصالح للأكل. توجد بداخل طعامنا إنزيمات تفكك مكوناته بمرور الوقت. وتُزال قدرة هذه الإنزيمات عند تخزين الطعام في درجات الحرارة الباردة التي تنتجها ثلاجتك. وبالمثل، فإن نشاط أي كائنات حية مجهرية كامنة في طعامنا يتوقف عند تجميدها، لكنها لا تُقتل، وقد تعود إلى الحياة عند إذابة الطعام. يمكن للبرد أيضاً أن يضر بجسم الإنسان إذا تعرض لدرجات حرارة منخفضة بما يكفي لفترة كافية. في ظل الظروف العادية، تبلغ درجة حرارة جسم الإنسان الأساسية نحو °37س من أجل الأداء الأمثل لأنسجته وأعضائه. عندما تنخفض درجة حرارة الجسم الأساسية عن °35س، سيعاني جسمك من خفض الحرارة Hypothermia. أثناء خفض الحرارة، يخضع الجسم للعديد من التغيرات، مثل الرعشة وتغيرات اللون والتنفس السطحي في محاولة للحفاظ على الحرارة. في هذه الحالة، تكون هناك حاجة ماسة إلى الرعاية الطبية. ودرجات الحرارة الجو التي قد تسبب مثل هذه التفاعلات ليست منخفضة جداً، بل تتراوح بين 1- و°10س.
ليس البرد ضاراً دائماً بجسم الإنسان، ويشيع استخدامه كأحد أشكال العلاج لعدة حالات، فيما يسمى العلاج بالتبريد الفائق Cryotherapy. يستخدم العلاج بالتبريد الفائق في علاج أنواع مختلفة من السرطان. ويُعرف ذلك أيضاً بالجراحة البردية Cryosurgery وتستخدم على نطاق واسع في علاج بعض أورام العظام الحميدة والخبيثة. في مرضى سرطان العظام، كثيراً ما يتمحور العلاج حول استبدال أجزاء من العظام ببديل اصطناعي، ومن ثمّ إزالة أي ورم سرطاني. لكن تجميد العظام يثبت أيضاً أنه بديل ناجح في بعض الحالات. أما علاج العنيقات بالتبريد Pedicle cryotherapy ، وهو إجراء جديد نسبياً؛ فيفصل ويكشف جزءاً من العظام السرطانية الموجودة في الذراعين أو الساقين ويستخدم النتروجين السائل لإزالة الأورام. يُسكب النتروجين السائل فوق العظم المكشوف حتى يجمّد إلى الحالة الصلبة، مما يؤدي إلى نخر (موت) الأنسجة بتجفيف خلايا الجسم، جنباً إلى جنب مع الخلايا السرطانية، وتشكيل بلورات ثلجية بداخلها. وبمجرد موت الخلايا وإذابة العظم، يُدخل العظم في الجسم مرة أخرى ويُعاد توصيله بالنهاية المكسورة. خلال الأشهر التالية، يلتئم العظم وتعاود الأنسجة السليمة الجديدة نموها من حوله.
في عام 2021 بلغ العلماء في جامعة بريمن University of Bremen بألمانيا أقرب نقطة وصل إليها أي شخص على الإطلاق لتحقيق الصفر المطلق باستخدام سحابة مؤلفة من 100,000 ذرة من الروبيديوم Rubidium، والتي علقت في مجال مغناطيسي وبرّدت إلى نحو جزء من بليون من الدرجة السيليزية. خلقت التجربة ما يُعرف بمتكاثفات بوز-آينشتاين Bose-Einstein condensate، وهي حالة غامضة للمادة حيث تتحرك الذرات بالكاد وتتجمع معاً وتتصرف كذرة واحدة. وضعت هذه السحابة الفائقة البرودة في غرفة مفرَّغة قبل إلقائها من برج ارتفاعه 37م. عند نزولها، فُعل وأوقف المجال المغناطيسي في الغرفة المُفرَّغة لدفع متكاثفات بوز-آينشتاين إلى حالة انعدام الوزن وخفض درجة حرارتها أكثر. لمدة ثانيتين تقريباً، برّد العلماء المتكاثفات إلى نحو 38 جزءاُ من البليون من الكلفن.
بقلم: سكوت داتفيلد