إلكتروني في عام 1945
”يتكون ”محرك الفرق“ المنفذ بكامل إمكانياته من 25,000 جزء“
أطلق على النسخة الأولى للحل الميكانيكي الذي طوره باباج اسم محرك الفرق رقم 1 ،(Difference Engine No.1)والذي استدعى تصميمه صنع آلة عملاقة تدار يدوياً وتستخدم تروساً متشابكة وأعمدة عددية Numerical columns ضخمة لإجراء العمليات الحسابية. بالنظر إلى حاجته إلى مستثمر لتمويل مشروعه، لجأ باباج إلى الحكومة البريطانية طلباً للدعم. وقد وافقت الحكومة على طلب باباج المالي، فاستعان باباج بالمهندس جوزيف كليمنت Joseph Clement لتنفيذ صنع الآلة. في تصميمات باباج، يتكون ”محرك الفرق“ Difference Engine المنفذ بكامل إمكانياته من 25,000 جزء من أجل إجراء حساباته. صُممت الآلة من جزأين: الأول هو الآلة الحاسبة والثاني عبارة عن مطبعة لتوثيق العملية الحسابية.
لتوليد جداول اللوغاريتمات أوتوماتيكياً، استخدم محرك الفرق الذي صنعه باباج إحدى أقدم الطرق الرياضياتية لحل المعادلات، وهي طريقة التفاضلات المحدودة Finite difference method. تُستخدم هذه الطريقة لحساب قيمة متعدد الحدود Polynomial - وهي معادلة جبرية – باستخدام الجمع المتكرر بدلاً من الضرب والقسمة. تتكون آلية حساب المحرك من 8 أعمدة من التروس المتراصة، والمكتوب عليها الأرقام من 0 إلى 9 بالترتيب. وسميت هذه الأعمدة بالسجلات Registers، ويعرض كل منها رأسياً رقماً مكوناً من 31 عدداً. لإجراء عملية حسابية، كانت قيم متعدد الحدود الأولية تُدخل يدوياً في أول السجلات الثمانية. عند تدوير المقبض، تدور جميع التروس في الآلة، وتحسب حل المعادلة عن طريق إضافة جميع الأرقام في كل سجل، ثم تعرض القيمة النهائية وحل المعادلة في السجل الأخير.
في عام ،1842بعد قضاء 20 سنة من التطوير وإنفاق آلاف الجنيهات على صنع جزء تجريبي صغير فقط من الآلة، والذي عُرف بـ”الشدفة الجميلة“ Beautiful fragment، سُحب تمويل باباج بعد تصويت برلماني. لم يعُد باباج إلى مشروع محرك الفرق حتى عام ،1847 عندما شرع في تصميم نسخة مبسطة من الآلة، والتي استخدمت أقل من نصف عدد الأجزاء الأصلية في النسخة الأولى. بعد سنتين من إعادة التصميم، كشف باباج عن مخططات ”محرك الفرق“ رقم 2. وعرض الخطط الجديدة والمحسّنة على الحكومة البريطانية، لكنه لم يجد منها استجابة، فظل محرك الفرق رقم 2 غير مكتمل. يتكهن الكثيرون أنه لو تمكن باباج من إكمال عمله وحصل على التمويل اللازم لبناء محرك الفرق، لحقق النجاح، ومن يدري كيف كان تطور الحاسوب سيتغير نتيجة لذلك.
عند وفاة باباج في عام ،1871 أهدي 20 رسم تفصيلي لمحرك الفرق رقم 2 إلى متحف العلوم في لندن. على الرغم من أنه كان من المفترض أن تظل هذه الخطط كمرجع تاريخي لعمله، فقد ساعدت المخططات العلماء والمهندسين المستقبليين على إكمال الآلة بعد أكثر من قرنين من ولادة باباج. بدأ العمل في بناء محرك الفرق رقم 2 في عام 1979 عندما تمكن عالم الحاسوب الأسترالي آلان جي. بروملي Allan G. Bromley من شرح عمل باباج. ومع بعض المساعدة التمويلية من شركة مايكروسوفت ،Microsoftصُنع جزء من الجهاز بحلول عام .1991
وأخيراً، في عام ،2002صُنع أول محرك كامل في متحف العلوم في لندن تحت إشراف دورون سويد ،Doron Swadeالذي كان حينها أميناً أول للحوسبة وتكنولوجيا المعلومات. بلغ وزن المحرك النهائي نحو 5 أطنان وارتفاعه 3.4 متر.
على الرغم من أن عمل باباج على أتمتة العمليات الحسابية أمر يستحق الثناء، إلا أن العالم تجاهل عمله، ولم ينقّح أثناء تطور الحاسوب الحديث. لكن، لا يزال باباج يُذكر باعتباره أحد العقول العظيمة في مجالات الرياضيات والهندسة، على الرغم من فشله في إكمال بناء آلة كان من الممكن اعتبارها أول حاسوب ميكانيكي في العالم.
مشروع باباج الجديد الكبير
في عام 1834، حوّل باباج انتباهه إلى مشروع جديد وأكثر طموحاً، وهو صنع أول آلة حاسبة أوتوماتيكية بالكامل وتعمل بالبخار. على عكس ”محرك الفرق“، صمّم المحرك التحليلي Analytical Engine كجهاز أكثر عمومية، فضم مجموعة من البطاقات المثقبة تحتوي على إرشادات حول العمليات الحسابية، الإضافة إلى تخزين النتائج. صمّمت مساحة تخزين الجهاز بحيث تحتوي على 1,000 رقم مكون من 50 عدداً. وأرسى المحرك التحليلي بعض الخصائص الأساسية التي أدت إلى صنع الحاسوب الحديث. مع الأسف، ومثل محرك الفرق، لم يرَ باباج سوى جزء من الآلة قبل وفاته.
أول مبرمجة حاسوب
مستلهمة عمل باباج على ”محرك الفرق“، انضمت أدا لافليس Ada Lovelace، وهي واحدة من أعظم علماء الرياضيات في القرن التاسع عشر، إلى جهوده لإنشاء المحرك التحليلي. وترجمت لافليس كتابات عالم الرياضيات والمهندس الإيطالي لويجي فيديريكو مينابريا Luigi Federico Menabrea، الذي كتب ورقة بحثية عن محرك باباج التحليلي. خلال هذه الفترة، ما بين عامي 1842 و1843، أضافت لافليس ملاحظاتها التوضيحية الشخصية إلى ورقة مينابريا، الإضافة إلى حلها الرياضياتي الخاص لهذه المسألة. باعتبارها منظّرة حقيقية، رأت لافليس إمكانات المحرك التحليلي فيما وراء الحسابات الرياضياتية البسيطة. عن طريق استبدال الأرقام بالحروف وحتى النوتات الموسيقية، شرحت لافليس أسس صنع حاسوب يمكن برمجته بوظائف لا حدود لها.