أدت درونات التجسس الفائقة
التخفي دوراً رئيسياً في تحديد
مكان أسامة بن لادن في عام 2011.
“تتواصل المراقبة السرية من الأعلى طوال الوقت، كما كانت كذلك لسنوات”
احتل موضوع المراقبة من ارتفاعات شاهقة عناوين الصحف في فبراير 2023، حيث أسقطت طائرة مقاتلة أمريكية ما بدا أنه منطاد تجسس صيني. كان المنطاد كبيراً بما يكفي لرؤيته بسهولة من الأرض، لكن بطرق خفية - باستخدام الأقمار الاصطناعية والطائرات الشبحية والدرونات – تتواصل المراقبة السرية من الأعلى طوال الوقت، كما كانت كذلك لسنوات.
عُرفت القيمة العسكرية للمناطيد الكبيرة المزودة بطاقم بمجرد اختراعها. لقد استُخدمت خلال الحروب الثورية الفرنسية في تسعينات القرن التاسع عشر، ومرة أخرى في الحرب الأهلية الأمريكية في ستينات القرن التاسع عشر، لجمع معلومات قيّمة عن نشاط العدو لا يمكن رصدها من مستوى الأرض. وبالمثل، عندما استُخدمت الطائرات ذات المحركات لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى، تمثّل أحد أدوارها الرئيسية في استطلاع خطوط العدو – في البداية باستخدام مراقب يستخدم منظاراً، ثم استُخدمت الكاميرات التي التقطت الصور الجوية الأولى. بحلول الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة معدات معالجة الأفلام على متن الطائرات، أمكن تحليل الصور عالية الدقة للأرض أسفلها في الزمن الحقيقي تقريباً.
بعد ذلك، خلال الحرب الباردة التي أعقبتها، أدى التهديد الذي يلوح في الأفق بنشوب صراع نووي بين الشرق والغرب إلى قيام المراقبة من ارتفاعات شاهقة لدور جديد حاسم. لم يعد الأمر يتعلق بمراقبة تحركات القوات أثناء الحرب، بل بمراقبة تطوير الأسلحة أثناء فترة سلام غير مستقر. أدت الحاجة إلى تنفيذ ذلك بشكل خفي بقدر الإمكان إلى تطوير تقنيتين جديدتين: الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض وطائرات التجسس التي تحلق على ارتفاعات فائقة. كانت الطائرة الأمريكية لوكهيد U-2 رائدة في الفئة الأخيرة، والتي أظهرت نقاط قوة وضعف تنفيذ عمليات الاستطلاع السرية فوق الأراضي المعادية. خلال عام ،1962صورت طائرة U-2 سراً مواقع الصواريخ النووية التي شرع الاتحاد السوفييتي في بنائها في جزيرة كوبا، القريبة بشكل خطير من البر الرئيسي للولايات المتحدة. باكتشاف قواعد الصواريخ قبل الانتهاء من بنائها، ربما نجحت صور الطائرة U-2 في تجنب هجوم نووي مخطط له. لكن التحليق فوق أراضي العدو كانت له عيوب أيضاً – كما شوهد في عام 1960 عند إسقاط طائرة U-2 بقيادة طيار وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) فرانسيس غاري باورز Francis Gary Powers فوق الاتحاد السوفييتي، مما تسبب للولايات المتحدة في إحراج دبلوماسي هائل.
كانت رحلة باورز الاستطلاعية فوق الاتحاد السوفييتي غير قانونية بموجب القانون الدولي، لكن الأمر نفسه لا ينطبق على الأقمار الاصطناعية التي تدور في مدار حول الأرض. تجعل الفيزياء الأساسية التي تحكم الحركة المدارية من المستحيل تقريباً منع مرور قمر اصطناعي فوق أي دولة بعينها، لذلك فمنذ بداية عصر الفضاء، تقبّل المجتمع الدولي مبدأ ”حرية الفضاء“. يعني هذا أنه على عكس طائرات التجسس، فإن أقمار التجسس الاصطناعية قانونية تماماً بغض النظر عن الدولة التي تحلق فوقها. للأقمار الاصطناعية مزايا أخرى، بما في ذلك صعوبة إسقاطها. نظراً لأنها غير مزودة بطاقم، فهي لا تعرّض الأفراد لخطر الإصابة أو الأسر. ونتيجة لذلك، فمنذ أوائل ستينات القرن العشرين فصاعداً، أصبحت الأقمار الاصطناعية هي التكنولوجيا المفضلة على نحو متزايد لدى الجيش للمراقبة الجوية.
لكن هناك أوجه قصور لأقمار التجسس. كثيراً ما صوّرت في الأفلام على أنها كلية المعرفة تقريباً، حيث توفر صوراً في الزمن الفعلي من أعلى مباشرة بغض النظر عن الموقع الذي يثير الاهتمام حالياً. لكنها في الواقع تدور حول الأرض بسرعات عالية ولفترة وجيزة فوق أي منطقة بعينها، وكثيراً ما ترصدها في اتجاه مائل. لهذا السبب، تظل البلدان بحاجة إلى استكمال بيانات الأقمار الاصطناعية بتقنيات أخرى مثل الدرونات – التي يمكن أن تتسكع بشكل خفي فوق منطقة مهمة لعدة ساعات – وحتى المناطيد.
الأقمار الاصطناعية العسكرية
ينقسم جمع المعلومات الاستخبارية العسكرية إلى فئتين من المراقبة Surveillance، وهما الرصد المستمر للموقع المعني والاستطلاع Reconnaissance، أو جمع البيانات لدعم عملية معينة. يمكن أن تساعد الأقمار الاصطناعية في كلا الأمرين. هناك 4 أنواع من الأقمار الاصطناعية للتجسس: الأول لمراقبة عمليات إطلاق الصواريخ المعادية، والثاني لرصد التفجيرات النووية، والثالث لجمع الصور الفوتوغرافية أو صور الرادار، والرابع لاعتراض الاتصالات الإلكترونية وغيرها من عمليات الإرسال.
تعتمد تغطية وأداء قمر اصطناعي لرصد الأرض على مداره المحدد. بعبارات عامة جداً، توجد معظم الأقمار الاصطناعية إما في مدار أرضي منخفض على ارتفاع بضع مئات من الأميال، أو في مدار متزامن مع الأرض على ارتفاع أعلى بكثير، نحو 22,000 ميل فوق سطح الأرض. تتسم الأقمار الاصطناعية في الفئة الأخيرة بميزة خاصة وهي أنها تدور بمعدل دوران الأرض نفسها – مرة كل 24 ساعة – ومن ثم تظل ثابتة فوق البقعة نفسها من سطح الأرض. يجعل هذا المدار الثابت بالنسبة للأرض مفيداً لأنواع معينة من أقمار التجسس الاصطناعية، مثل الأقمار الاصطناعية لاستخبارات الإشارات Signals Intelligence (اختصاراً: أقمار SIGINT) التابعة لمكتب الاستطلاع الوطني الأمريكي National Reconnaissance Office، والمصممة للتنصت على الاتصالات الإلكترونية. من ناحية أخرى، فإن المدار الثابت بالنسبة للأرض بعيد جداً عن الأرض لدرجة لا تسمح له بالتقاط صور عالية الدقة، سواء باستخدام التقنيات البصرية أو الرادار. بالنسبة لهذه التطبيقات، يجب أن تكون المدارات منخفضة بقدر الإمكان، ربما أقل من 120 ميل فوق سطح الأرض.
منطاد التجسس
في يناير وفبراير 2023، شوهد منطاد أبيض كبير يطير شرقاً على ارتفاع شاهق عبر أمريكا الشمالية. حلق المنطاد في وقت ما بالقرب من قاعدة مالمستروم الجوية في ولاية مونتانا، حيث توجد العديد من صوامع الصواريخ النووية الشديدة الحساسية. أكدت الحكومة الصينية أن المنطاد صيني المنشأ، لكنها ادعت أنه منطاد مدني للأرصاد الجوية انحرف عن مساره. بسبب المعدات المتطورة التي شوهد المنطاد وهو يحملها، استنتجت الولايات المتحدة أن المنطاد كانت في مهمة تجسسية، فأسقطته. كانت السمة غير العادية على وجه الخصوص هي الوجود الواضح لمراوح للتحكم في اتجاه طيران المنطاد، والتي لا تحتاج إليها مناطيد الطقس العادية.
غوغل إيرث
للأقمار الاصطناعية لرصد الأرض استخدامات أخرى إلى جانب التجسس، بما في ذلك استخدامات مهمة مثل تتبع التغير المناخي، والتعرف على الخصائص البيئية غير المعروفة سابقاً وتسجيل التاريخ المتطور لكوكبنا. يعد غوغل إيرث Google Earth واحداً من أكثر الأدوات استخداماً في هذا المجال، فيستخدم صوراً مركبة من مجموعة متنوعة من المصادر لتشكيل خريطة تفاعلية شاملة للأرض. أطلق غوغل إيرث في عام 2005، ويضم الآن نحو 24 مليون صورة للأقمار الاصطناعية جُمعت على مدى العقود الأربعة الماضية، فيما يمثل تعاوناً بين شركة غوغل ووكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. تأتي الصور من مجموعة من المصادر، بما في ذلك أقمار سنتينل Sentinel الأوروبية، إضافة إلى الأقمار الاصطناعية الأمريكية لاندسات Landsat وتيرا Terra وأكوا Aqua. وأقوى المصادر حتى الآن هو القمر الاصطناعي وورلدفيو 3 WorldView-3، الذي أطلقته شركة ديجيتال غلوب DigitalGlobe الخاصة في عام 2014، والذي يوفر صوراً تبلغ ضعف دقة سابقاتها.
التقنيات المضادة للأقمار الاصطناعية
قمر اصطناعي مداري مشترك CO-ORBITAL SATELLITE
أسلحة توضع في مدار مشابه لمشار الهدف، ثم تناور بالقرب منه قبل مهاجمته، إما بالاصطدام به أو باستخدام أذرع روبوتية.
سلاح مانع للارتقاء المباشر DIRECT ASCENT WEAPON
صواريخ تقليدية تُطلق إما من سطح الأرض أو من طائرة لتدمير قمر اصطناعي مستهدف أثناء مروره فوقها.
سلاح ليزري LASER WEAPON
على عكس نظرائها في روايات الخيال العلمي، فإن الأسلحة الليزرية في العالم الحقيقي ليست مصممة لتفجير الأقمار الاصطناعية المعادية، بل لتعطيل أجهزتها الإلكترونية بتسخينها إلى درجة حرارة عالية.
الهجوم السيبراني CYBER ATTACK
أسهل طريقة لتحييد قمر اصطناعي هي منعه من الاتصال بالمحطات الأرضية على الأرض، بالتشويش على إشارة الراديو الخاصة التي يبثها، مثلاً.
1 منطاد الطقس WEATHER BALLOON
عادة ما تعمل هذه المناطيد لبضع ساعات تقطع فيها مئات الأميال على الأكثر، وتنفجر عندما تصل إلى ارتفاع 11.3 ميل.
2 منطاد تجسس SPY BALLOON
يظل محمولاً في الجو لعدة أيام، ويقطع آلاف الأميال ويمكن رصده على ارتفاعات تصل إلى 12.3 ميل.
3 الطائرات العادية ORDINARY AIRCRAFT
عادة ما تحلق الطائرات التجارية على ارتفاع 7.6 أميال أو أقل، على الرغم من أن الطائرات العسكرية يمكنها أن تصل إلى ارتفاع 12.3 ميل.
4 منطاد عملاق الحجم GIANT-SIZE BALLOON
يبلغ إجمالي ارتفاع المنطاد المملوء بالهيليوم والحمولة المعلقة تحته نحو 36 م.
5 ألواح شمسية SOLAR PANELS
تحصل حمولة المنطاد على الطاقة من مجموعة ضخمة من الألواح الشمسية، مما جعله يبدو كقمر اصطناعي.
6 حمولة المراقبة SURVEILLANCE PAYLOAD
يرجّح أن تتألف حمولة المنطاد من عدد من الكاميرات الموجّهة نحو الأسفل، إضافة إلى الرادارات والمجسات الأخرى.
7 المراوح PROPELLERS
على عكس معظم المناطيد، التي تنجرف أينما تأخذها الرياح، يمكن لهذه المناطيد التحكم في مسارها باستخدام المراوح.
8 طبق الاتصالات COMMUNICATION DISH
مثل قمر اصطناعي، زوّد المنطاد بجهاز إرسال لاسلكي لإعادة بث البيانات إلى مشغليه.
بقلم: أندرو ماي