الأرض- التي تبدو من الفضاء ككرة زجاجية زرقاء- هي موطننا شِبهُ الكروي. علمت البشرية بهذا منذ أكثر من 2,000 سنة، منذ أن اقترح العالم الإغريقي فيثاغورس Pythagoras أنها كروية في العام 500 قبل الميلاد. وبعد ذلك، حسب إراتوستينس Eratosthenes محيطَها في العام 240 قبل الميلاد تقريباً. لكن دعونا نتخيلْ أن الأرض مسطحة.
في الواقع، هناك كثير ممن يعتقدون حقاً أن هذه هي الحال. فكيف ستسير حياتنا اليومية؟ وهل ستسير على الإطلاق؟ سنستكشف في هذا المقال مدى الغرابة الكُروية- أو ”الشذوذ“- التي ستكون الأرض عليها إذا كانت مسطحة، وما إذا كانت هناك أي مزايا للعيش على قرص غريب مع دوران الشمس والقمر فوق رؤوسنا كحروف على حلقة دوارة كونية.
1 سيختفي الشفق القطبي، وسنتحمص جميعاً
على الأرض الكروية، يولِّد الفلزُ المنصهر المحيط باللب الحديدي تيارات كهربائية، والتي تُنشئ بدورها مجالَنا المغناطيسي الواقي، فتنحني حول الكوكب من قطب إلى الآخر. لكن على الأرض المسطحة، من دون نواة صلبة تولِّد مجالاً مغناطيسياً، سنفقد طبقتنا الواقية، التي تسمى الغلافَ المغناطيسي .Magnetosphere ستتوقف الجسيمات المشحونة من الشمس عن التفاعل مع غلافنا المغناطيسي فتُنشئ العروض الضوئية المذهلة المعروفة بالشفق القطبي .Aurora على الرغم من أن غياب الشفق القطبي سيكون أقل ما يزعجنا، حيث ستفقد الأرض حمايتها من الرياح الشمسية. سنواجه إشعاعات شمسية ضارة قد تجرِّد الأرض من غلافها الجوي الواقي، تاركةً عالماً قاحلاً شبيهاً بجارنا، المريخ.
2 سيتشارك الجميع مناظرَ سماء الليل نفسها
على الأرض المسطحة، لن يكون هناك نصف شمالي أو جنوبي للكرة الأرضية، وستبدو سماء الليل واحدة أينما كنتَ في العالم. من المؤكد أن ذلك سيجعل مراقبة النجوم أسهل، حيث لن تضطر إلى السفر نحو نصف مختلف من الكرة الأرضية لرصد جميع أهدافك الفلكية. لكن أليس هذا كله جزءاً من المرح؟ إذا تشاركنا جميعاً منظراً واحداً لجزء واحد فقط من سماء الليل، فسنفقد عديداً من الاكتشافات التي تحققت عن طريق استمتاعنا برؤية كاملة قدرها 360 درجة للكون المرئي.
3 ستصبح الأعاصير شيئاً من الماضي
في كل عام، تتشكل الأعاصير المدارية Hurricanes فوق شمال المحيط الأطلسي وشمال شرق المحيط الهادي؛ تسبب التيفونات ،Typhoons التي تتشكل فوق شمال غرب المحيط الهادي، والأعاصير الحلزونية Cyclones التي تتشكل فوق جنوب المحيط الهادي والمحيط الهندي، أضراراً غير مسبوقة. في العام ،2017 تسبب إعصار هارفي المداري Hurricane Harvey وحده في خسائر بقيمة 125 بليون دولار في الولايات المتحدة.
تنبع الطبيعة الدوارة المدمرة لهذه العواصف الاستوائية من قوة كوريوليس Coriolis force الأرضية، والتي تجعل تلك الموجودة في نصف الكرة الأرضية الشمالي تدور في اتجاه عقارب الساعة وتلك الموجودة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي تدور عكس اتجاه عقارب الساعة. لكن على أرض مسطحة وثابتة، لن تتولد قوة كوريوليس. ويعني غياب قوة كوريوليس عدم وجود أعاصير مدارية أو تيفونات أو أعاصير حلزونية. ولهذا السبب أيضاً لا نرى هذه العواصف بين خمس درجات شمال وجنوب خط الاستواء، حيث إن مقدار قوة كوريوليس يساوي صفراً عند خط الاستواء.
بالنسبة إلى شخص يبلغ طوله 183 سم، يكون الأفق على بعد أكثر من 3 أميال بقليل.
رؤية الأرض المسطحة
كيف سيبدو العالم المسطح؟
4 سنضل جميعاً طريقنا
من المحتمل جداً ألا تكون هناك أقمار اصطناعية إذا كانت الأرض مسطحة، حيث ستجد صعوبة شديدة في الدوران حول مستوى مسطح. يقول جيمس ديفيس ،James Davis الجيوفيزيائي في مرصد لامونت-دوهيرتي الأرضي Lamont-Doherty Earth Observatory بجامعة كولومبيا: ”هناك عدد من بعثات الأقمار الاصطناعية التي يعتمد عليها المجتمع والتي ستفشل حينئذ، لا يمكنني التفكير في كيفية عمل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على أرض مسطحة“.
نحن نعتمد على أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الاصطناعية Global Navigation Satellite Systems (اختصاراً: الأنظمة GNSS) في كل شيء بدءاً من خدمات نظام تحديد المواقع العالمي على هاتفك، وحتى معلومات السفر وإدارة مخزون متاجر السوبر ماركت للتأكد من وصول المنتجات طازجة وبأسرع وقت ممكن. والأهم من ذلك، تستخدم خدمات الطوارئ نظام تحديد المواقع العالمي لتحديد مكان المتصلين من إشارة هواتفهم- لذلك يمكن للاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية أن تنقذ حياتك.
من الصعب تخيُّل العالم من دون نظام تحديد المواقع العالمي. يكفي أن نقول إننا سنضل طريقنا من دونه. من الناحية الإيجابية، على الأقل على الأرض المسطحة، سيوجهنا المطر الأفقي إلى الاتجاه الصحيح- أو الشمال، على الأقل.
5 ستستغرق بعض الرحلات وقتاً طويلاً جداً
يُتوقَّع أن تطول أزمنة السفر، ليس فقط لأننا سنضل طريقنا بسبب غياب نظام تحديد المواقع العالمي، لكن أيضاً بسبب المسافات التي سنحتاج إلى قطعها. وفقاً لفكرة الأرض المسطحة، يقع القطب الشمالي في مركز الكوكب، وتشكل القارة القطبية الجنوبية ”جداراً جليدياً“ عملاقاً حول الحافة، مما يمنع البشر بسهولة من السقوط. لكن إذا لم تكن قادراً على الطيران حول العالم، وأجبرت بدلاً من ذلك على الطيران ”عبره“، فستزيد أوقات السفر بقدر كبير. فمثلاً للطيران من أستراليا، الموجودة على أحد جانبي خريطة الأرض المسطحة، إلى جزء من القارة القطبية الجنوبية يقع على الجانب الآخر، ستحتاج إلى الطيران عبر القطب الشمالي بكامله، وكذلك أمريكا الشمالية والجنوبية. عليك أيضاً أن تنسى الرحلات عبر القارة القطبية الجنوبية – والتي تحققت – التي ستكون مستحيلة بسبب هذا الجدار الجليدي المزعج.
6 لن يكون لدينا غلاف جوي
مع انعدام الجاذبية، لن تتمكن الأرض المسطحة من الاحتفاظ بغلافها الجوي. من دون الغطاء الواقي لكوكبنا، ستتحول سماؤنا إلى اللون الأسود، وستتوقف الحياة السطحية عن الوجود.
سيغلي الماء في الفراغ الفضائي، وستنخفض درجات حرارة السطح. لكنها ليست كلها أخباراً سيئة. فالكائنات الحية التي تعيش في أعماق المحيطات والتي لا تحتاج إلى الأكسجين (البكتيريا اللاهوائية) وتلك التي لا تحتاج إلى ضوء الشمس لإنتاج الغذاء والطاقة (البكتيريا الذاتية التغذية الكيميائية Chemosynthetic bacteria قد تظل على قيد الحياة. فبعد كل شيء، لقد تحملت هذه البكتيريا رحلات طويلة في الفضاء وعاشت لتروي الحكاية.
7 أمطار جانبية
إذا انجذبت الجاذبية نحو مركز القرص الكوكبي، فسينجذب المطر والثلج والأشكال الأخرى لهطل الأمطار نحو القطب الشمالي. لن يتصرف هذا الطقس كما نعرفه على أرضنا الكروية إلا في مركز القرص الكوكبي – سيسقط مباشرة إلى أسفل. كلما ابتعدت عن القطب الذي انتقلت إليه، كان هطل الأمطار أشد وأفقياً أكثر. ستتدفق المياه أيضاً نحو القطب الشمالي، وستتجمع المحيطات الشاسعة المنتفخة في وسط الكوكب، ولن تترك أي ماء مطلقاً عند الحواف.
8 قل وداعاً للجاذبية… على الأقل كما نعرفها
تسحب الجاذبيةُ الأرضَ الكروية بالتساوي من جميع الجوانب بغض النظر عن مكان وجودك في العالم. لكي تتخذ الأرض شكل القرص في المقام الأول، يجب ألا يكون للجاذبية أي تأثير. إذا حدث ذلك فستغير الكوكب مرة أخرى إلى شكل كروي. ربما لن تكون للأرض المسطحة جاذبية على الإطلاق، أو ربما تسبب الأرض المسطحة سحب الجاذبية إلى مركز القرص: القطب الشمالي. كلما ابتعدنا عن القطب الشمالي، كان شد الجاذبية أفقياً أكثر. سيؤدي هذا إلى إحداث فوضى في معظم أنحاء العالم، لكن على الأقل سيكون من السهل تحطيم الرقم القياسي العالمي في الوثب الطويل – ما دمتَ وجهتَ نفسك شمالاً قبل الانطلاق.