أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أبطال العلوم

سيسيليا باين-غابوشكين

المرأة التي غيَّرت فهمنا للشمس

وُلدت سيسيليا باين في إنجلترا لوالدين متفانيين وناجحين. فقد كان والدها زميلاً في جامعة أكسفورد Oxford University، وكانت والدتها فنانة موهوبة من عائلة ألمانية عريقة أكاديمياً.
ومع ذلك، فعلى الرغم من جميع المزايا التي كانت تتمتع بها في الحياة، فقد شكّل جنسها عقبة تعين على المرأة الشابة أن تكافح للتغلب عليها، لا سيما خلال سنوات شبابها.
فقدت سيسيليا والدها عندما كان عمرها أربع سنوات، ولكنه أورثها موهبة وشغفاً بالموسيقى، فواصلت تدريبها حتى صارت عازفة بيانو ماهرة، وطلب إليها أحد معلميها ذات يوم أن تواصل مهنتها بشكل احترافي. ومع ذلك، فإن العلم استولى على شغاف قلبها. وحكت لها والدتها عن زهرة الأوركيد النحلي Bee Orchid، وهو نبات يشبه النحلة، وعند اكتشافها قررت سيسيليا أن تتخذ مهنة في مجال العلوم.
عندما كانت شابة، حصلت على منحة للدراسة في كلية نيونهام Newnham College بجامعة كامبريدج University of Cambridge، حيث بدأت دراسة علم النبات والكيمياء والفيزياء. وهناك، عملت مع كبار علماء الفيزياء- بمن فيهم حائزو جائزة نوبل
جي جي تومسون J. J. Thomson وإرنست رذرفورد Ernest Rutherford ونيلز بور Niels Bohr. وبعد محاضرة ألقاها آرثر إدينغتون Arthur Eddington حول نظرية النسبية العامة، لم تتمكن باين من النوم وهي تفكر في معناها. وقد تحدد مصيرها، وتخصصت حتى نهاية دراستها الجامعية بالفيزياء وصارت تقضي جل وقتها في دراسة علم الفلك، وهو شغفها الحقيقي.
كانت جامعة كامبريدج، مثل غالبية المؤسسات الأكاديمية الإنجليزية في عشرينات القرن العشرين، مؤسسة محافظة وتقليدية. ولذلك عندما أكملت باين دراستها لم تحصل على شهادة رسمية بسبب جنسها. ومع العلم بأن حياتها المهنية في مجال العلوم ستتعثر إذا ظلت في المملكة المتحدة، فقد أبحرت إلى كلية رادكليف Radcliff College بجامعة هارفارد Harvard University للعمل مع هارلو شيبلي Harlow Shapley وهنري نوريس راسل Henry Norris Russell من جامعة برينستون Princeton University، وهما من أبرز الباحثين في مجالها في ذلك الوقت.
في غضون سنتين فقط أكملت سيسيليا أطروحة الدكتوراه في البنية الكيميائية للنجوم. وكانت نتائج أبحاثها مذهلة: فالشمس تتألف في معظمها من الهيدروجين والهيليوم. لكن راسل الذي عارض تأكيداتها عندما ألقت بها في وجه المعتقدات المقبولة وقتئذ، حثها على التشكك في نتائجها، فترددت واتبعت نصيحته. ومع ذلك، فإن راسل، من قبيل المفارقة إلى حد ما، أعلن صحة نتائجها بعد أربع سنوات عندما توصل بنفسه إلى النتيجة نفسها التي توصلت إليها سيسيليا بطرق مختلفة.
وظلت سيسيليا في جامعة هارفارد طوال بقية حياتها الأكاديمية، حيث صارت قصة نجاح مذهلة. ووجد زوجها المستقبلي عملاً في مرصدها وساعدها على تربية أطفالهما الثلاثة، وفي منتصف خمسينات القرن العشرين، صنعت سيسيليا التاريخ من جديد لتصبح أول امرأة في قسمها ترقَّت إلى منصب أستاذ.
توفيت سيسيليا بسرطان الرئة في عام 1979 تاركة زوجها وأطفالهما. وخلّفت وراءها إرثاً بوصفها واحدة من أكثر النساء إلهاماً في علم الفلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى