أبطال الفضاء: نيل دي غراس تايسون
نيل دي غراس تايسون
كيف أعاد رجل واحد كتابة قواعد جعل العلوم ممتعة.
في هذا اليوم والعصر، بات توصيل العلوم أكثر أهمية من أي وقت مضى. نحن نعيش على حافة العظمة، لكن العديد من المواضيع المعقدة لا تزال غير مفسّرة أو يُساء فهمها من قبل الجمهور العام.
ولكن، فهنا يظهر دور نيل دي غراس تايسون Neil deGrasse Tyson. ليس هناك كثير من علماء الفيزياء الفلكية الذين لديهم الوقت لاستضافة برنامج شهير عن الفضاء، ويتفاعلون في الوقت نفسه مع أناس يعتقدون أن الأرض مسطحة. ولكن هذا هو بالتحديد ما يفعله تايسون – وهو يفعله بكل ثقة بالنفس.
إذا كنت أنت تعرف تايسون، فهذا ليس أمرا مفاجئا. فهو عالم الفيزياء الفلكية المفوَّه وشهير، قدّم في عام 2014 برنامج الكون Cosmos على شبكة NBC – والذي كان خلفا لبرنامج الراحل كارل ساغان Sagan في عام 1980 والذي كان يحمل الاسم نفسه– كما يظهر في الوقت نفسه في العديد من البرامج التلفازية الشهيرة الأخرى. وقد قام بتأليف الكتب، وظهر في بعض الأفلام، وقدم نشرات البودكاست podcasts- وكل ما يمكنك التفكير به. يعد تايسون واحدا من أهم مبسطي العلوم في عصرنا الحالي.
منذ سن مبكرة، افتُتن تايسون بعلم الفلك. وقد ولد في مانهاتن في 5 أكتوبر 1958، بعد عام كامل تقريبا من إطلاق القمر الصناعي السوفييتي سبوتنيك 1 (Sputnik 1)، أول قمر صناعي من صنع الإنسان يدور حول الأرض، كما أينع حب تايسون لعلم الفلك عندما زار قبة هايدن السماوية في نيويورك في سن التاسعة. وبعد أن التحق بكلية هارفارد وجامعة تكساس لدراسة الفيزياء وعلم الفلك على التوالي، انقلبت حياة تايسون في علم الفلك رأسا على عقب عندما انضم إلى قبة هايدن السماوية في عام 1994 كعالم معيّن، قبل أن يصبح مديرها في عام 1996.
وقد أشرف على تجديد المنشأة بالكامل بعد أن أصبح مديرها، حيث اكتمل المشروع الذي تكلف 210 مليون دولار في عام 2000. ولكن، لم تكن فترة قيادته للمكان خالية من الجدل؛ فقد تحمل غضب الجمهور بعد إعلانه أن بلوتو Pluto ليس كوكبا في أحد برامجه. وبحلول عام 2006، حذا الاتحاد الفلكي الدولي حذوه، فقام بتخفيض منزلة بلوتو إلى وضع “كوكب قزم”.
مقابلة مع …
نيل دي غراس تايسون
تحدثت مجلتنا الشقيقة كل شيء عن الفضاء All About Space إلى نيل في وقت سابق من هذا العام لمناقشة البودكاست الذي يبثه بعنوان حديث النجوم StarTalk ، والذي هو محاكاة للكون، وأكثر…
على مر السنين، اكتسبت شهرة بسبب مساعدتك على تبسيط العلم والفضاء لعموم الجمهور. كيف يمكنك معرفة الوصول إلى ما يهم الناس – أي كيف تجتذب انتباههم ؟
لقد فكرت كثيرا فيما قد يُهم شخصا غير مكترث ، وفكرت أكثر في تأثير ما أقوله لدرجة قد لا يمكنك أن تتصورها. إذا قلت شيئا بصورة ارتجالية، فسيكون ردك، “ هذا رائع حقا، هذا عظيم، لكن كيف توصلت إلى تلك المعلومات؟” لكنني سأفكر حينها، “كلا، لقد فكرت في هذا ولقد شاهدت رد فعلك تجاه ما قلته – فأنا أعلم ما ستجده مثيرا للاهتمام.” عندما أتحدث إلى الناس، فأنا أنظر إليهم لمعرفة ما إذا كانوا قد اندهشوا أم أنه يبدو عليهم الشعور بالملل أو الحماس. لدي مخزون عقلي من الأشياء التي تسحر الناس وتصيبهم بالملل، وكذلك بالأشياء التي يرغب الناس في سماع المزيد عنها. وأحمل هذا إلى محاضراتي أو كتبي، أو إلى “حديث النجوم”.
دعنا نتكلم عن “حديث النجوم”: يُبث هذا البودكاست منذ عام 2009، ولكن من أين أتت فكرته، وماذا كان هدفك منه؟
بدأ المفهوم من قبل ثلاثة أشخاص: لقد التقيت أنا، ومنتجتي التنفيذية المشاركة هيلين ماتسوس، وهي متخصصة بالبيولوجيا الفلكية في وكالة “ناسا”، وديفيد غامبل، فلاحظنا وجود جمهور لا تصله الخدمات، والذين- في رأينا- سيستمتعون بالعلوم لكنهم لم يكونوا يعرفون ذلك. لقد اكتشفنا أن هناك جمهور لا يشتري الكتب العلمية أو يكتبون على الروزنامة مواعيد إذاعة البرامج العلمية على شاشة التلفاز – وهم أناس يبدون على غير علم بتلك البرامج. لقد فكرنا في أننا قد نتمكن من إعداد مُنتج إعلامي يمكنه اجتذابهم. ولكن إضافة إلى ذلك، فقد أدركنا أن هناك شريحة ديموغرافية من الأشخاص الذين هم على يقين من أنهم لا يحبون العلم. ربما لأنهم لم يكونوا طلابا متفوقين في حصص العلوم، وبالتالي قضوا بقية حياتهم في تجنّبها. فظننا أننا قد نتمكن من الوصول إليهم كذلك. وعليه فقد أصبح “حديث النجوم” توليفة من الثقافة الشعبية والعلوم والكوميديا.
لماذا اخترت تقديم هذا المزيج؟
حسنا، لقد أدركنا أننا إذا ربطنا بين العلم وبين الثقافة الشعبية، فلم يكون عليك شرح مكونات تلك الثقافة الشعبية؛ فالناس يعرفون ذلك الممثل الشهير، أو المغني الشهير، أو السياسي الشهير. ومن ثم إذا استضفت هؤلاء، وإذا قمت في محادثتي معهم باستكشاف بعض جوانب العلم، فسيتبعهم معجبوهم إلى البرنامج ومن ثم نستطيع توصيل العلم للناس وأن نبين لهم كيف يتواجد العلم في كافة جوانب حياتهم. وسنريهم أنه حتى يمس الأشخاص المفضلين لديهم. وحتى في الاستوديو، لديّ مذيع مشارك، هو ممثل كوميدي محترف، كما أقوم عادة باستضافة خبير أكاديمي في الموضوع المحدد الذي نقوم بتغطيته في المقابلة مع الشخص الذي ينتمي إلى الثقافة الشعبية. ويؤدي الممثل الكوميدي دور صمام الفكاهة، في حين أن الخبير هو صمام الرزانة، أما أنا فأتحكم في هذين الصمامين بطريقة تمكّن المستمع من الحصول، من وجهة نظري، على الجرعة الملائمة من العلم، كما يظهر في الحياة اليومية. وينتهي بك الأمر إلى الابتسام على طول الطريق. ولذلك كانت هذه تجربة اقترحناها على المؤسسة الوطنية للعلوم National Science Foundation، والتي وافقت على أنها ستكون أمرا مثيرا للاهتمام.
أنت لا تخاف من مواجهة بعض الأفكار الكبيرة حول الفضاء. لاحظنا في الآونة الأخيرة أنك قلت أن الكون ربما لا يعدو أن يكون محاكاة. لماذا تعتقد أن الأمر كذلك؟
لقد تم تحريف ما ذكرته قليلا بهذا الخصوص، وكما تعلم تُصاغ عناوين الأخبار بتصرف، ومن ثم تصبح بمثابة طُعم للآخرين إذا قمت بتصفح الإنترنت. ما قلته هو أنه سيكون أمرا طريفا حقا إذا كنا مجرد محاكاة لبعض مخلوقات الفضاء الخارجي، ربما تجربة متضمنة في أطروحة الدكتوراه لشخص ما. ويُشبه الأمر القول: “إنني أتساءل عما سيحدث لو وضعنا قوانين الفيزياء هذه وقوانين الكيمياء والبيولوجيا تلك، وجلسنا لنتفرج.” وبعد ذلك، فإنني أتساءل عما إذا كان مخلوقات الفضاء الخارجي سيبدؤون يشعرون بالملل ويشرعون في رمي الأشياء لتعكير صفو ما قد يمثل عالما سلميا وهادئا. لكن هناك مسائل فلسفية ومحادثات جادة حول الفيزياء التي تُجرى في هذا المجال.
إذا كنا ضمن محاكاة، فهل تعتقد أننا سنتمكن من معرفة ذلك؟
من بين المراجع المفضلة لديّ حول هذا الموضوع، هناك زميل لي، هو ماكس تيغمارك Max Tegmark وهو أستاذ الفيزياء الفلكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. قال تيغمارك: تخيل أنك تمارس لعبة ماريو – أي لعبة من ألعاب الفيديو المعروفة باسم ماريو – ودعنا نقول إنك بداخل اللعبة. ستشرع في أخذ القياسات وتقول: “حسنا، إذا قمت بالقفز، فسأقفز إلى هذا الارتفاع، ولن تتمكن الشخصيات الأخرى من القفز إلى الارتفاع نفسه.” ومن ثم ستبدأ في وضع قوانين الحركة التي تنطبق داخل اللعبة، وفي نهاية المطاف قد تدرك جميع قوانين الحركة في اللعبة، وتلك الخاصة بالعالم الذي تعيش فيه. لكن هل يختلف هذا عما نقوم به في فروعنا العلمية؟ نحن نحاول معرفة قوانين الطبيعة.