الستيرويدات: الطبيعية والطبية وغير المشروعة
تعرف على الرسل الكيميائية الصغيرة التي تحكم مزاجنا، وتحدد نمونا وتحافظ على توازن المغذيات داخل أجسادنا
”ينتج البشر طبيعياً مجموعة كبيرة من الستيرويدات المسؤولة عن مجموعة متنوعة من الوظائف“
مصطلح ”الستيرويد“ Steroid مرادف لفكرة جعل شيء ما أكبر حجماً. تنبع هذه الفكرة من إساءة استخدام الستيرويدات الاصطناعية، والتي اشتهرت بسبب الرياضيين الذين أساءوا استخدام الستيرويدات للركض بسرعة أكبر، ورفع أوزان أثقل، والنمو إلى أبعاد هائلة غير طبيعية. لكن الستيرويدات ليست غير طبيعية ولا غريبة عن جسم الإنسان، بل هي ضرورية لكي يعمل. يُفرز البشر طبيعياً مجموعة واسعة من الستيرويدات المسؤولة عن مجموعة متنوعة من الوظائف. الستيرويدات هي المفتاح لتحديد جنسنا، ولها أهمية حيوية لتحفيز وتوجيه نضجنا، كما إنها ضرورية لحفظ صحتنا. لكن معرفتنا بالستيرويدات وقدرتنا على تصنيعها في المختبرات قد فتحت إمكانات أكبر لهذه المركبات الضئيلة. تستخدم العديد من الستيرويدات الاصطناعية لتعزيز العلاجات الطبية، فتساعد على تخفيف الأعراض ومكافحة الأمراض. يسخّر البعض الآخر لأغراض شنيعة، مثل اكتساب أفضلية غير عادلة في المنافسات الرياضية. عن طريق مساعدة الجسم على بناء أنسجته بما يتجاوز وسائله الطبيعية، قد تمكّن الستيرويدات الرياضيين من تحقيق شبه المستحيل، لكن هذا يأتي على حساب صحتهم.
جميع الستيرويدات هي مركبات كيميائية صغيرة مشتقة من مادة الكوليسترول Cholesterol الدهنية. الكوليسترول مهم ولكن يجب أن تنظمه خلايانا، لأن الإفراط في تناوله قد يسبب الضرر. فالكوليسترول الزائد، مثلاً، يسبب تراكم الترسبات في الشرايين، مما قد يؤدي إلى الذبحة الصدرية والنوبات القلبية. لذلك، ففي حين يُصنع الكوليسترول داخل الكبد، فإن هذا يحدث بكمية أقل عندما نبتلع المزيد منه في طعامنا. عادة ما ينتج نحو %80 من الكوليسترول في الكبد، مما يوفر مواد بناء وافرة للمشتقات الستيرويدية. تُنتج الستيرويدات في مواقع متعددة في الجسم، بما في ذلك الغدد التناسلية Gonads وقشرة الغدة الكظرية Adrenal cortex، التي تنقسم إلى 3 مناطق، كل منها متخصص كمراكز لإنتاج فئة معينة من الستيرويدات. تنتج المنطقة الكبيبية Zona glomerulosa الستيرويدات المعروفة باسم القشرانيات المعدنية ،Mineralocorticoids التي تنظم كمية الملح والماء في الجهاز الدوري. المنطقة الحزمية Zona fasciculata مسؤولة في المقام الأول عن إنتاج الستيرويدات المعروفة باسم القشرانيات السكرية ،Glucocorticoids التي تنظم تأثيرات الجهاز المناعي. وتفرز المنطقة الشبكية Zona reticularis الستيرويدات الأندروجينية Androgenic steroids، المعروفة باسم الهرمونات الجنسية، والتي تتحكم في ظهور الصفات المرتبطة بالجنسين. تنتج الغدد التناسلية الذكرية والأنثوية أيضاً الأندروجينات، لكن كمية ونوع الأندروجين المنتج يختلف باختلاف العضو التناسلي. تنتمي بعض الأندروجينات، مثل التستوستيرون ،Testosterone إلى الستيرويدات. يعني هذا أنها تحفّز إنتاج الأنسجة العضلية الخالية من الدهن. لكن القشرانيات المعدنية والقشرانيات السكرية تنتمي إلى مجموعة مختلفة من الستيرويدات المعروفة باسم الستيرويدات القشرية .Corticosteroids تحافظ هذه الستيرويدات على سلامة الوظائف الجسدية وتستخدم روتينياً في الأدوية التي تُصرف بوصفة طبية.
مثل الدهون، لا تذوب الستيرويدات في الماء ومن ثمَّ لا يمكن نقلها بمفردها بسهولة وثبات إلى الخلايا عبر مجرى الدم. بدلاً من ذلك، تصنع الستيرويدات أولاً في أشكالها الأولية، وبمجرد أن تتلقى الخلية إشارة لإطلاقها، تحوّل إلى شكلها النشط وتنتشر بسهولة إلى خارج الخلية. وبمجرد دخولها إلى بلازما الدم، فإنها تلتصق ببروتينات ناقلة تحافظ على ثباتها أثناء نقلها عبر الجهاز الدوري إلى الخلية المستهدفة. عند الوصول إلى خلية يحتوي سطحها على مستقبلات تتعرف على الستيرويدات، يمكن للمركب الارتباط بها وتحفيز استجابة خلوية.
كثيراً ما تتضمن هذه الاستجابة تغييراً في التعبير الجيني، مما يؤدي إلى إنتاج بروتينات تؤدي وظائف جديدة في الخلية، ومن ثم تغيير سلوكها. لذلك، فالستيرويدات هي الرسل المتنقلة للجسم، والتي يمكنها إحداث تغيرات هائلة على الرغم من كونها مركبات ضئيلة الحجم.
معالجة السرطان
تشارك الستيرويدات القشرية في تنظيم العديد من وظائف الجسم السليم. وتشمل هذه تقليل الالتهاب، وتنظيم الحالة المزاجية، والتحكم في توازن الماء والمغذيات من الطعام. عند الإصابة بالسرطان، قد يؤثر كل من الورم نفسه والعلاج سلباً في هذه العمليات، مما يتسبب في آثار جانبية ضارة مثل الغثيان والتعب. يمكن أن تساعد الستيرويدات الاصطناعية في استعادة التوازن ومكافحة بعض أنواع السرطان، مثل سرطان الغدد اللمفاوية، بعدة طرق. يمكن تناولها قبل العلاج للمساعدة في تحسين شهية المريض. وأثناء العلاج، يمكن استخدامها لمكافحة رد فعل تحسسي تجاه دواء آخر، أو لتقليل الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي ،Chemotherapy أو لزيادة فعالية العلاج الكيماوي.
يمكن تحقيق هذا الجانب الأخير في مرضى سرطان الغدد اللمفاوية عن طريق الجمع بين العلاج بالستيرويدات والعلاج الكيماوي Chemotherapy، حيث يمكن أن تدمر الستيرويدات الخلايا اللمفاوية. في بعض الأحيان، قد تكون استراتيجية العلاج بالستيرويدات فعالة بما يكفي لمعالجة أنواع معينة من السرطانات بمفردها، مما يعني انتفاء الحاجة إلى العلاج الكيماوي.
البنية الكيميائية
الستيرويدات هي فئة من الدهون، مما يعني أنها لا تذوب في الماء ولكنها قابلة للذوبان في المذيبات العضوية. تشترك جميعها في بنية رئيسية مشتركة تتكون من 4حلقات مدمجة من ذرات الكربون المتصلة، والتي تشمل 3 حلقات سيكلو هكسان Cyclohexane تتكون كل منها من 6 ذرات كربون، وحلقة سيكلوبنتان Cyclopentane واحدة تتكون من 5 ذرات كربون، ينتج عنها 17 إجمالاً. ترقّم ذرات الكربون السبعة عشر هذه للمساعدة في وصف الاختلافات في تركيبة الستيرويدات. يمكن أن تؤدي التغيرات الطفيفة على ما يبدو في موقعين فقط للكربون إلى إنتاج ستيرويدات مختلفة تماماً. الكوليسترول، الذي تُشتق منه جميع الستيرويدات الأخرى، مزود بذيل هيدروكربوني من ذرة الكربون السابعة عشر. يزال هذا الذيل عند تحويل الكوليسترول إما إلى التستوستيرون أو الإستروجين Oestrogen. على الرغم من أن هذين المركبين الستيرويديين يتحكمان في سلوكيات خلوية شديدة الاختلاف، إلا أنهما متشابهان جداً من الناحية البنيوية ويختلفان في 4 مواضع كربونية فقط.
كيف تُعطى الستيرويدات
بالحقن
يسمح حقن الستيرويدات مباشرة في الأنسجة العضلية بتقليل الجرعات عن الأقراص الفموية، مما يقلل من مخاطر وشدة الآثار الجانبية.
أقراص فموية
في بعض الأمراض، يكون تناول الستيرويدات عن طريق الفم بفعالية الحقن نفسها. يمكن أيضاً تناول الأقراص ذاتياً، مما يجعلها مفضلة للحالات التي يلزم فيها تناول الستيرويدات لفترات أطول.
أجهزة استنشاق
مثل الحقن، توصل أجهزة الاستنشاق الستيرويدات إلى مناطق موضعية في الجسم، مما يسمح بتقليل الجرعة. ومثل الأقراص الفموية، يمكن أيضاً تناولها ذاتياً. وهي أكثر فعالية في الحالات التي تصيب الشعب الهوائية.
كريمات
الستيرويدات الموضعية مثل الكريمات والمراهم، التي تُطبق مباشرة على الجلد، تقدم للأعضاء الخارجية فوائد مماثلة لما تقدمه أجهزة الاستنشاق.
إساءة استخدام الستيرويدات
بعد تخليق التستوستيرون لأول مرة في عام ،1935 استغرق الأمر أقل من عقدين حتى أسيء استخدام الستيرويدات الابتنائية في المنافسات الرياضية الاحترافية. في السنوات التي انقضت منذ أن استُخدمت في عدد لا يحصى من الألعاب الرياضية وما زالت سائدة في الرياضات غير المنظمة حاليا، مثل كمال الأجسام. التستوستيرون الاصطناعي هو الستيرويد الابتنائي Anabolic steroid الأشهر لإساءة الاستخدام أو ”تعاطي المنشطات“ .Doping تصنع أجسادنا التستوستيرون بشكل طبيعي، حيث ينتج الرجال منه كميات أكبر من النساء، مما يساعدنا على بناء العضلات الخالية من الدهون. لكن زيادة كمية التستوستيرون في خلايانا اصطناعياً قد تؤدي إلى إنتاج عضلات خالية من الدهون أكثر مما يمكن تحقيقه باستخدام حدودنا الطبيعية. في حين أن تعاطي التستوستيرون كمنشط قد يزيد من كتلة العضلات الخالية من الدهون ويحسّن القوة، فإنه يمكن أن يسبب أيضاً آثاراً جانبية وخيمة. في الرجال، تشمل هذه انكماش الخصيتين ونمو الثديين وزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا. وفي النساء، تشمل هذه المشكلات نمو شعر الوجه وحب الشباب الشديد ومشكلات الدورة الشهرية. كلا الجنسين معرضان أيضاً لخطر إضافي للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
