أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

المختبرات البحثية العائمة

صُمِّمت هذه السفن الثورية التي تجوب المحيطات لكشف ألغاز الأعماق

بقلم: مارك سميث

تبدو سفينة سي أوربيتر SeaOrbiter كأنها جاءت من أحد أفلام الخيال العلمي، فقد صُممت لتحلِّق فوق الأمواج وهي تشق طريقها عبر بعض أكثر الأجزاء غير المستكشفة في محيطات العالم. ولأنها تتميز بمنصتها الخاصة تحت الماء وبها مختبرات علمية متطورة و“مرآب” تحت المحيط للغواصين والغواصات، وُصفت السفينة المذهلة بأنها “مركبة ستارشيب إنتربرايز” Starship Enterprise للبحار. كان من المقرر أن يبدأ العمل على متن السفينة في العام 2014، وقد صُممت لاستضافة طاقم يصل إلى 22 فرداً للاضطلاع بمهامَّ علمية طويلة الأجل تستمر أكثر من 6 أشهر. كان القصد منها التجوال عبر المحيطات ونشر سفن غاطسة على أعماق تصل إلى 3.7 ميل.

كان حجمها عندما تُرى في الأفق هائلاً. وبينما تبدو السفن العصرية عادة مسطحةً على السطح، وتتوضع معظم كتلتها أفقياً، فإن سي أوربيتر صُممت لتُشبه برجاً عائماً، فتلقي شكلاً مهيباً في الأفق كنسخة أكبر بكثير من سفن الغليون Galleons القديمة. سيبلغ ارتفاعها الإجمالي 31م- وهو ارتفاع عمود نيلسون Nelson’s Column في لندن- لكن أكثر من نصفه سيكون مغموراً تحت المحيط.

صُممت ستةٌ من الطوابق الـ 12 للسفينة سي أوربيتر، ليس فقط للتجوال في البحار، ولكن أيضاً لاستكشاف أعماقها، تحت مستوى سطح البحر، مما ينعش الأبحاث الجارية عن سطح البحر، وهي مثالية لتوفير المراقبة المستمرة تحت الماء للعلماء والمستكشفين على متنها. كان هدفها بسيطاً- كشف الستار عن أحد أكثر الموائل الطبيعية غير المستكشفة.

على الرغم من أنها تغطي %70 من كوكبنا، ولكن مع استكشاف %5 منها فقط ورسم خرائط لأقل من %20 منها، لا تزال محيطاتنا غامضة إلى حد كبير. والأكثر من ذلك أن البشر لم يستكشفوا سوى أقل من %1 من أعماق المحيطات. في الواقع، نحن نعرف عن قاع المحيط أقل مما نعرفه عن أسطح القمر والمريخ. وإضافةً إلى الدراسة العلمية كان من المفترض أن تعمل السفينة كمنصة عالمية للتعليم والاتصالات، مما يمكن العلماء على متنها من مشاركة نتائج أبحاثهم مع زملائهم الخبراء والجمهور على حد سواء، في معظم أنحاء الكوكب، إضافةً إلى زيادة الوعي بالقضايا البيئية.

السفينة من بنات أفكار المهندس المعماري الفرنسي جاك روجيري Jacques Rougerie، الذي استلهم كتابات جول فيرن Jules Verne وجاك بيكار Jacques Piccard وجاك- إيف كوستو Jacques-Yves Cousteau، لكن العمل في المشروع الذي تبلغ تكلفته 50 دولاراً أمريكياً توقف منذ ذلك الحين. كان من المقرر أن يبدأ بناء السفينة البالغة حمولتها 1,000 طن في العام 2014، ولكن بحلول مايو 2013، لم يكتمل بناء سوى “عين سي أوربيتر” Eye of SeaOrbiter، وهو الجزء الأول من بناء السفينة. وقد أمكن تنفيذ البناء بحملة للتمويل الجماعي Crowdfunding campaign نفذت أيضاً أعمال على نطاق أصغر. أجرى المعهد النرويجي لأبحاث التكنولوجيا البحرية، مارتينيك MARINTEK، اختبارات على المستودعات على نموذج بمقياس 1:15. أجريت دراسات نظرية متقدمة واختبارات هيدروديناميكية لتحسين أداء سي أوربيتر في مواجهة الأمواج والرياح. ولكن على الرغم مما يبدو أول وهلة تقدماً مطرداً، لا يوجد حتى اليوم أي مؤشر على تنفيذ مزيد من العمل. وبينما يكتنف الغموض الافتقارَ الواضح إلى مزيد من التقدم على متن السفينة، استمرت مشروعات اكتشاف أسرار محيطاتنا على قدم وساق.

أحد هذه التطورات هو مشروع بروتيوس Proteus project. وقد صُمم بروتيوس ليكون مختبراً تحت الماء، ويهدف مطوروه إلى أن يصبح نسخة تحت الماء من محطة الفضاء الدولية ISS. سيتألف المختبر الموجود تحت سطح البحر من مبنى تبلغ مساحته 370 م2 وقد يستضيف ما يصل إلى 12 شخصاً في وقت واحد- ولكن هذه قد تكون مجرد البداية. مثل محطة الفضاء الدولية، صُمم بروتيوس ليتألف بطبيعته من وحدات، لذلك يمكن إضافة مزيد من القطع بمرور الوقت، مما يزيد من حجمه.

سيحتوي بروتيوس على هيكل دائري من طابقين مثبتٍ في قاع المحيط على ركائز متينة، مع مقصورات ناتئة تضم المختبرات وأماكن المعيشة وقاعات الطبية و“البرِكة القمرية” Moon pool- وهي فتحة يمكن منها للغواصين الوصول إلى قاع المحيط. عند اكتماله سيتموضع في قاع البحر بعمق نحو 18 م تحت سطح جزيرة كوراساو Curasao في المحيط الكاريبي. وبمجرد تشغيله سيسمح للعلماء بالغوص والعمل فترة أطول من دون الحاجة إلى العودة إلى السطح.

يتوقع أن تزود المحطة بالكهرباء من الطاقة الشمسية وحركة المحيط. قد يحتوي بروتيوس أيضاً على ما يُعتقَد أنه أول بيت زجاجي تحت الماء في العالم، مما يمكِّن طاقم المختبر من زراعة بعض طعامهم.

من بعض النواحي، يمثل العمل تحت المحيط تحدياً كبيراً مثل العمل في الفضاء. يؤثر الغوص في جسم الإنسان لأنه عندما يكون تحت الماء، يسبب الضغط في ذوبان النتروجين في الرئتين. كلما طالت فترة بقاء الغواص تحت الماء، زاد تراكم النتروجين. إذا عاد الغواص إلى السطح بسرعة كبيرة، فقد يشكل النتروجين فقاعات في دمه، مما قد يصيبه بالمرض والارتباك الشديد، وهو ما يُعرَف باسم “داء الغواص” The bends. لمنع حدوث ذلك يتعين على الغواصين العودة ببطء إلى السطح في أثناء تأقلمهم بالتدريج قد تستغرق العملية ساعات، مما يعني ضياع كل وقت البحث المحتمل هذا، وهو ما يجعل مركزاً للأبحاث تحت الماء فكرة ثورية. إذا تمكن الغواصون من البقاء تحت الماء فترات طويلة من الوقت في منشأة مثل بروتيوس، فسيمكنهم الغوص ليلاً ونهاراً. وستكون لهذا فوائد كبيرة من حيث قدرتهم على استكشاف الأعماق.

العقل المدبِّر وراء مشروع بروتيوس هو المحافظ على الطبيعة، ورائد البحار Aquanaut والمخرج السينمائي فابيان كوستو Fabien Cousteau، وهو حفيد مستكشف المحيطات الأسطوري جاك كوستو، أحد “فرسان البحر” المشهورين، والذي كان أيضاً مصدر إلهام لمهندسي سي أوربيتر.

صَمم الهيكلَ نفسه المصممُ الصناعي إيف بغار Yves Bghar. يأمَل الرجلان معاً جمع 135 مليون دولار لتحويل حلمهما إلى حقيقة. في حالة نجاحهما، ستُشغَّل السفينة بحلول العام 2023. يقول كوستو إنه بمجرد تشغيل بروتيوس، إضافةً إلى دراسة المحيط، فإنها ستسمح أيضاً للعلماء بالبحث عن طرق جديدة لزراعة الأطعمة، وتوليد الطاقة وحتى إجراء الأبحاث الطبية.

يقول كوستو إنه إذا حقق النجاح المرجو، فقد توجد في أحد الأيام شبكة كاملة من الموائل Habitats تحت الماء في محيطات مختلفة حول العالم. سيمكن لهذه الموائل تحذيرُنا من موجات المد والأعاصير، وكذلك السماح بإجراء أبحاث رائدة في أمور مثل الروبوتات والاستدامة والطاقة. وبينما قد يكون رائداً من حيث النطاق والطموح، فإن بروتيوس لن يكون أول مختبر تحت الماء، فهناك منشأة أخرى تسمى أكواريوس Aquarius قيد العمل منذ العام 1986.

تمركز كوستو قبالة ساحل فلوريدا، وقد سجل سابقاً رقماً قياسياً للعيش تحت الماء عندما عمل هناك مدة 31 يوماً في العام 2014. يمكن للقاعدة البالغة مساحتها 37م2 أن تستوعب 6 أشخاص فقط، في حين سيكون مختبر بروتيوس أكبر بعشر مرات على مساحة 370م2، ويمكنه أن يستوعب ضعف هذا العدد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى