كانت خرائط العالم الأوروبية
في العصور الوسطى تسمى
”مابا موندي“ (خرائط العالَم).
يمكنك حالياً زيارة أي شارع أو معلم في العالم تقريباً، مع عرض مخطط دقيق لموضعه على الكوكب. عند التنقل عبر طرق جديدة، يمكن أن تبقينا التحديثات في الزمن الحقيقي على اطلاع دائم على أحوال الطقس وحركة المرور. تجمع هذه بين صور الأقمار الاصطناعية والصور الملتقطة على مستوى الشارع، وتدمج كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة. لكن قبل أن تتمكن الحواسيب والأقمار الاصطناعية من مساعدتنا، كان عمل رسامي الخرائط Cartographers والمساحين Surveyors أكثر مشقة وأقل دقة.
ظلت الخرائط منذ زمن بعيد أداة أساسية للحضارة الإنسانية، حيث ساعدت أسلافنا على رسم العالم من حولهم وتوثيق حدود بلدانهم والتنقل عبر بقاع جديدة. نُقشت الخرائط الأولى في عام 600 قبل الميلاد على ألواح طينية سميكة. ومع تنامي الفهم البشري للعالم إلى ما هو أبعد من الأقاليم المحلية، تصاعدت أهمية الخرائط من تمثيلات محلية إلى محاولات لتصوّر الكوكب بأسره. لكي تكون للخريطة أي فائدة ملاحية حقيقية، توجب رسم سلاسل الجبال والطرق بحجمها النسبي الصحيح.
قبل مساعدة التقنيات المتقدمة مثل نظام تحديد المواقع العالمي (Gps)، استغرق رسامو الخرائط وقتاً طويلاً لحساب ورسم كل مسافة ملحوظة يدوياً. أدى اختراع البوصلة Compass إلى جعل رسم الخرائط أكثر دقة، فقد ساعدت المساحين على معرفة الاتجاهات الصحيحة. وفي الوقت نفسه، يمكن رسم خرائط لمساحات كبيرة بسرعة باستخدام التثليث Triangulation. تشمل هذه التقنية تقسيم المشاهد الطبيعية إلى أجزاء مثلثة لتعيين مواقعها، مما يعني إمكانية حساب مسافات كبيرة دون الحاجة إلى قياس جميع جوانب كل مثلث يدوياً. استُخدم حساب المثلثات Trigonometry وثلاث نقاط مرجعية متميزة لتحقيق ذلك. أثبتت مهام جمع البيانات التي تستغرق وقتاً طويلاً نجاحها في إنتاج أول خرائط دقيقة وواسعة النطاق في التاريخ.
أقدم خريطة لروما
يتكون مخطط سيفيروس الرخامي Severan Marble Plan من 150 لوحاً رخامياً، وهو خريطة منحوتة عملاقة لروما معروضة على جدار معبد السلام Temple Of Peace بالمدينة. تبلغ أبعاد النقش التفصيلي 18 × 13م وكان اتجاهه معاكساً للممارسة الشائعة حالياً، حيث وضعت أقصى النقاط شمالاً في الأسفل. لا يزال نحو 10 إلى 15% فقط من الخريطة الأصلية محفوظاً حتى اليوم، مقسمة إلى 1,186 جزءاً. نُحت على هذه الألواح الكبيرة مخطط لجميع النُصًب التذكارية وجميع غرف الطوابق الأرضية للمباني في وسط روما. وكذلك رُسمت بعض المباني بتفاصيل داخلية مثل السلالم والأعمدة. فلا يزال الغرض الدقيق للخريطة موضع نقاش. نظراً لوجودها بجوار المكاتب الحكومية، يعتقد بعض المؤرخين أنها استُخدمت لأغراض إدارية. لكن حجم الخريطة وتعليقها غير العملي جعل آخرين يتشككون في هذه النظرية. رُسمت الخريطة بأمر من الإمبراطور سيبتيموس سيفيروس Septimius Severus ما بين عامي 203 و211 م. على عكس الخرائط حالياً، التي تُرسم فيها المناطق وفقاً للحدود الجغرافية والسياسية وعلى ورق متاح بسهولة، عيّنت حدود هذه الخريطة بأقصى حدود الرخام الذي يمكن الحصول عليه. للأسف، دمرت الخريطة جزئياً في العصور الوسطى، لاستخدام موادها في البناء. مثّل تجميع قطع هذه الأحجية الحجرية الضخمة تحديات كبيرة. ولكن في عام 1999، أطلق مشروع الشكل الرقمي لمدينة رما Digital Forma Urbis Romae، الذي رقمن المنحوتات المتناثرة والقطع المحفوظة عليها كرسومات فقط. يمكّننا المشروع من رؤية نسخة كاملة من هذه الخريطة.
من الألواح إلى الورق
كان الإغريق القدماء أول من أنتج الخرائط الورقية، فكان العلامة أناكسيماندر Anaximander أول من نشر خريطة للعالم ويعتبر على نطاق واسع أول رسام للخرائط في العالم. وضعت خريطته اليونان في مركز العالم وكانت دائرية، حيث افترض أناكسيماندر أن لكوكبنا شكل أسطواني وأن الأرض محاطة بحلقة من المحيط. لم تُظهر خريطته جميع مناطق العالم الذي نعرفه حالياً، لكنها صورت جميع المناطق التي عرفها الإغريق القدماء في ذلك الحين: أوروبا وآسيا وإفريقيا.
تقنية التثليث
كيف استخدم المساحون الأوائل زوايا مثلث مرسوم لتخطيط النقاط والمسافات بدقة
1 فوائد التلال Hilly Benefits
يتضمن المسح بالتثليث تتبع المثلثات على منطقة ما. تفيد المناطق الجبلية بصورة أفضل في رسم خرائط للمناطق الكبيرة، حيث يمكن رؤية النقاط المرجعية عبر مسافات أكبر.
2 خط الأساس Baseline
لحساب المسافات الأخرى، يستخدم طول أحد أضلاع المثلث كمسافة معروف قياسها.
3 ضلعان مجهولان Unknown Lengths
المسافة بين القلعة والنقطتين الأخريين غير معروفة. عند تحديدها، ستصبح هذه الخطوط خطوط أساس جديدة للمناطق المثلثة المجاورة التي سترسم خرائطها.
4 الزوايا المُثلى Optimal Angles
يمكن استخدام المثلثات لمسح الأرض إذا كانت جميع زوايا الأركان أكبر من 30 درجة وأقل من 120 درجة.
5 قياسات المزواة Theodolite Measurements
تُقاس الزاويتان بين النقطة البعيدة وطرفي خط الأساس باستخدام أداة تسمى المزواة Theodolite وهي تلسكوب متحرك يدور بطول محاور محددة بدرجات الزوايا.
6 الزاوية المجهولة Unknown Angle
يمكن حساب الزاوية عند الموقع البعيد أو الذي لا يمكن الوصول إليه باستخدام الزاويتين المعروفتين. يساوي مجموع الزوايا الثلاث في مثلث 180 درجة.
7 قانون الجيب Law Of Sines
لحساب المسافة بين الموقعين والقلعة، يُستخدم قانون الجيب. ينص هذا القانون على أن نسبة طول أحد أضلاع المثلث إلى جيب الزاوية المقابلة له تظل ثابتة بالنسبة لجميع الأضلاع والزوايا في المثلث. الجيب Sine هو الاسم الذي يُطلق على هذه الدالة المثلثية.
خريطة الانحراف المغناطيسي
منذ عام 1698، أكمل إدموند هالي Edmond Halley رحلاته عبر المحيط الأطلسي لقياس التباين المغناطيسي للأرض. كان هذا أول مسح مغناطيسي للمحيطات، وكانت خرائطه من أوائل الخرائط التي تضمنت مثل هذه البيانات
1 المضلعات المتساوية الزوايا Isogons
رسم هالي خطوطاً تسمى المضلعات المتساوية الزوايا Isogons التي تربط النقاط على الأرض التي يتساوى فيها الانحراف المغناطيسي Magnetic Declination – أي الزاوية بين الشمال المغناطيسي والشمال الحقيقي.
2 خط انعدام التباين Line Of No Variation
يوضح هذا الخط المكان الذي أثبتت فيه قراءة البوصلة صحتها، دون أي تباين مغناطيسي. ويُعتقد أنه أول سطر أضافه هالي إلى الخريطة.
3 التباين الشرقي East Variation
توضح الخطوط الموجودة في هذه المنطقة أن الشمال المغناطيسي يقع شرقي الشمال الجغرافي.
4 التباين الغربي West Variation
يوصف التباين المغناطيسي الغربي بأنه تباين سلبي.
5 رحلات هالي Halley’s Voyages
تلك هي الطرق التي سلكها هالي لجمع بياناته باستخدام البوصلة.
إنتاج واسع النطاق
كانت التقنية المعروفة بالطباعة بالقوالب الخشبية Woodblock أو الطباعة بالكليشيهات الخشبية Woodcut Printing هي ما مكّن من توزيع الخرائط على نطاق أوسع. في السابق، كانت كل خريطة بمثابة عمل فني يُنتج مرة واحدة. كانت هذه القطع ضخمة نسبياً كما خصّصت لموقع واحد أو لاستخدام مجموعة بعينها من الأشخاص. تضمنت الطباعة بالقوالب الخشبية نحت تصميم الخريطة على الخشب بحيث تُنقش التفاصيل بالنقش النافر من الخشب. وبعد ذلك يُطلى سطح الخشب بالحبر وينقل إلى أي مادة لصنع الخرائط. يعني هذا أنه صار بالإمكان إعادة طباعة تصميم الخريطة عدة مرات حسب الحاجة. على الرغم من أن الطباعة بالقوالب الخشبية جعلت الخرائط أكثر انتشاراً، إلا أن المناطق المحددة في الخريطة بدت أقل تفصيلاً من الرسومات الخطية القياسية، حيث كان نقش الخطوط الرفيعة والدقيقة على الخشب أكثر صعوبة.
كيف صنعت الألواح الطينية البابلية
بداية من العثور على المواد المثالية وحتى النقوش الدقيقة، كان رسم الخرائط الأولى عبارة عن مشروعات معقدة
1 جلب الطين Clay Sourcing
كان الطين وفيراً عبر السهول الفيضية الشاسعة وعلى ضفاف الأنهار. تقع هذه السهول، المعروفة بسهول عدن Eden، شمال مدينة بابل Babylon مباشرة، واحتوت على ما يكفي من الطين لبناء المعابد ومعظم البنى المعمارية لتلك الحضارة.
2 الصقل Refining
عندما يمتزج الطين بالماء يصبح سائلاً. يُترك المزيج ليستقر بحيث تغوص أي شوائب رملية إلى القاع وتنفصل عن الطين، في حين يظل الطين رطباً وقابلاً للتشكيل.
3 تشكيل اللوح Tablet Shaping
يُعجن الطين أولاً لجعل الاتساق ثابتاً. عندما يجف الطين بما يكفي لكنه لا يزال قابلاً للتشكيل، يمكن معالجته لصنع الخرائط بأي شكل أو سماكة.
4 اختيار القصبة Reed Selection
استُخدم العديد من أنواع القصب Reed في صنع الأقلام المستخدمة لنقش الخرائط القديمة. لكن القصب العملاق كان مثالياً، بساقه القوية وطبقته الخارجية المقاومة للماء.
5 اختراع الكتابة المسمارية Cuneiform Creation
حفرت الأقلام الإسفينية الشكل في الطين حروفاً فريدة وممتلئة، تسمى الكتابة المسمارية Cuneiform. شاع استخدام الأدوات المصنوعة من القصب والعظام، كما إن النقاط المثلثة الشكل جعلت الرسم على الطين سهلاً وفعالاً.
6 وسم الخرائط Map Marking
رُسم العديد من النقاط في هذه الخرائط القديمة كمثلثات بسبب تصميمات الأقلام. كان يجب عمل النقش بمجرد تصلّب الطين بحيث يحافظ على شكله، مع كونه رخواً بما يكفي للنقش عليه.
