يمكنك شحن هاتفك ما بين
200 و300 مرة قبل أن تبدأ
سعة بطاريته بالانخفاض.
البطاريات مفاعلات بحجم الجيب، والتي تولد الكهرباء باستخدام مركبات كيميائية تطلق تيارات من الإلكترونات. لهذه الجسيمات تحت الذرية Subatomic شحنة سالبة. فعندما تتحرك من مكان إلى آخر، فإنها تأخذ هذه الشحنة معها، مما يوفر الطاقة لتشغيل أجهزتنا. تعمل البطاريات بفضل ثلاثة مبادئ أساسية: أولاً، تستطيع الإلكترونات في الفلزات Metals أن تتحرك. ثانياً، يمكن للجسيمات ذات الشحنات الموجبة أو السالبة أن تتحرك بحرية عندما تذوب في السوائل مثل الماء. ثالثاً، عندما تضع فلزين مختلفين في سائل يحتوي على جسيمات مشحونة، يمكن لأحد الفلزين اكتساب إلكترونات من الآخر.
لقد استغرقت البشرية آلاف السنين لتجميع هذه المبادئ معاً لصنع البطاريات كما نعرفها. لكن أسلافنا تمكنوا من صنع شيء يشبه البطارية قبل زمن طويل من ظهور علم الكهرباء. في الواقع، يسبق المثال الأول لذلك بناء الكولوسيوم Colosseum. عرفت هذه بخلية بارثيا الغلفانية Parthian galvanic cell أو بطارية بغداد ،Baghdad Battery وكانت بحجم كرة القدم. من الخارج، بدت وكأنها وعاء فخاري عادي، لكنها كانت تحتوي بداخلها على قضيب حديدي، وأسطوانة نحاسية وحمض مثل الخل. وتحتوي الأحماض على أيونات مذابة، مما يسمح للحديد والنحاس بتبادل الإلكترونات.
يعتقد مؤرخو العلوم أن هذه البطاريات القديمة لم تكن قادرة سوى على توليد جهد صغير جداً. لكن هذه الخلايا المبكرة أرست الأسس لثورة ستنطلق بعدها بآلاف السنين. في أواخر القرن الثامن عشر، بعد أن طيّر بنجامين فرانكلين طائرة ورقية خلال عاصفة، كان أليساندرو فولتا Alessandro Volta يسافر عبر أرجاء أوروبا. شاهد فولتا عالماً آخر، هو لويغي غالفاني Luigi Galvani، وهو يجري تجاربه على الكهرباء في أرجل الضفادع. وعندما علق غالفاني أرجل الضفادع بخطافات نحاسية ولمسهما بمشرط حديدي، ارتعشت. توصل الرجل إلى استنتاج مفاده أنه يجب أن يكون هناك نوع من ”الكهرباء الحيوانية“ Animal electricity بداخل الضفادع، لكن فولتا خالفه الرأي. لاحظ أن غالفاني كان يستخدم نوعين مختلفين من المعادن، فاعتقد أن هذا قد يكون المفتاح. لإثبات ذلك، شرع فولتا في إعادة إنشاء التجربة من دون الضفادع. كوّم فولتا شرائح من الزنك والنحاس واستبدل أرجل الضفادع بقطعة قماش مبللة بالماء المالح- وهو ما يحاكي السائل الملحي بداخل أنسجة الحيوانات. كما توقّع، فقد ولّد جهازه الغريب هذا تياراً. وعند توصيل معدنين مختلفين بواسطة أحد الإلكتروليتات-Electrolyte وهو سائل يحتوي على أيونات مذابة- سيخضعان لتفاعل الاختزال والأكسدة Redox reaction؛ الذي يتكون من جزأين: الاختزال Red والأكسدة .Ox في بطارية فولتا، تتأكسد أسطح ألواح الزنك، مما يُطلق أيونات الزنك الموجبة الشحنة في الماء ويترك الإلكترونات وراءها. وفي الوقت نفسه، تُختزل أسطح الألواح النحاسية، مما يمرر الإلكترونات إلى الأيونات في الماء. لموازنة كل شيء، يتعين على الإلكترونات أن تنتقل من الزنك إلى النحاس عبر سلك، وهو ما يولّد التيار.
منذ ذلك الحين، واصلت كيمياء البطاريات تطورها. ففي عام 1859 كشف غاستون بلانتي Gaston Planté النقاب عن أول بطارية يمكن إعادة شحنها. وفي ثمانينات القرن العشرين اخترع ثلاثة فائزين بجائزة نوبل بطارية أيونات الليثيوم. كانت البطارية ثورية لدرجة أن الإصدارات المشتقة منها صارت تشغِّل الآن كل شيء تقريباً، من هاتفك النقال إلى محطة الفضاء الدولية .ISS
البطاريات الحديثة
هناك العشرات من أنواع البطاريات المختلفة. ربما كانت البطاريات القلوية التي تُستخدم لمرة واحدة والموجودة في الألعاب والبطاريات وأجهزة التحكم عن بُعد هي الأكثر شيوعاً. فقد حصلت على اسمها من الإلكتروليت الموجود بداخلها، وهو هيدروكسيد البوتاسيوم. إنها صغيرة الحجم وفعالة وتتسم بعمر تشغيل طويل، لكنها لا تحتوي على الكثير من الطاقة. وعلى الجانب الآخر، توجد البطاريات الصناعية في مزارع الطاقة الشمسية. تُعرف تلك بالبطاريات ذات النطاق الشبكي Grid-scale batteries، فبوسعها تخزين وإطلاق طاقة كافية لتشغيل آلاف المنازل. أما أكبرها، وهي قيد الإنشاء حالياً في أستراليا، فمن المقرر أن توفر تخزيناً بسعة 1,200 ميغاوات.
”قد تُحدث البطاريات الهوائية ثورة في مجال الطاقة النقالة“
على غرار البطاريات الموجودة في هاتفك أو حاسوبك النقال، تعمل البطاريات ذات النطاق الشبكي عن طريق نقل أيونات الليثيوم الموجبة الشحنة. يمكن إعادة شحنها مئات المرات، وتحتوي على كمية كبيرة من الطاقة بالنسبة لحجمها ولا تنفد طاقتها عند تركها في وضعية الخمول- على عكس بطارية الرصاص- الحمض Lead acid batteryفي سيارتك. ولكنها ليست أفضل البطاريات في السوق، فالبطاريات الهوائية Air batteriesهي الأفضل. البطاريات الهوائية باهظة الثمن ولا تزال تجريبية إلى حد ما، لكنها قد تُحدث ثورة في الطاقة النقالة مرة أخرى. وتستخدم هذه البطاريات الأكسجين لإطلاق الإلكترونات، مما يجعلها أخف بكثير من نظيراتها التقليدية.
قابلة للشحن أم وحيدة الاستعمال
تنفد طاقة البطاريات عندما تتوقف التفاعلات الكيميائية بداخلها. يتوقف الأنود عن إطلاق الأيونات، ولا يعود الكاثود راغباً في اكتسابها. لكن هذه ليست النهاية دائماً. تتيح لك بعض أنواع البطاريات تنفيذ التفاعلات في الاتجاه المعاكس. وإذا أوصلتها بمصدر للطاقة، فبإمكانك إعادة الأيونات بالقوة. يُعيد الإلكتروليت الأيونات الموجبة إلى الأنود، ويتخلى الكاثود عن الأيونات السالبة التي اكتسبها. ويمكّن هذا من استخدام البطارية مرة أخرى. لكن هذا الانعكاس ليس مثالياً. تبدأ الأقطاب الكهربائية في شكل أكوام نظيفة من البلورات، لكن عند تفريغها وإعادة شحنها تصير غير مرتبة. يؤثر هذا في قدرتها على تخزين الطاقة في المستقبل.
اختبار القوة
تحتوي شرائط الاختبار الموجودة على البطاريات على ثلاث طبقات من الحبر. في الأعلى يوجد حبر متفاعل للحرارة يتحول من الأسود إلى لون شفاف عندما يصير دافئاً. يوجد في المنتصف حبر ملون وفي الأسفل يوجد حبر موصّل يسخن عند مرور التيار. هذه الطبقة السفلية أرق من الطرف الآخر، مما يعني أنها لا تسخن إلا عندما يكون التيار مرتفعاً. وعندما تكون البطارية ممتلئة، تولد كهرباء كافية لكشف شريط الاختبار بالكامل. عندما تبدأ بالنفاد، تظهر نسبة أقل من الشريط.
السلامة أولا
هل سبق لك أن رأيت مسحوقاً أبيض قشرياً على بطارية؟ لا تلمسه فهو تسرب كيميائي. تولّد التفاعلات داخل البطاريات المعيارية الهيدروجين، وهو غاز. بمرور الوقت قد يتراكم هذا الغاز، مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل البطارية. وبعد ذلك، قد ينفجر الغلاف الخارجي. يتسرب هيدروكسيد البوتاسيوم من البطارية ويتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء لتكوين كربونات البوتاسيوم. هذه هي المادة القشرية البيضاء، والتي تشبه الملح إلى حد ما. لا يشكل لمس كربونات البوتاسيوم خطورة، لكن هيدروكسيد البوتاسيوم قد يحرق جلدك. احترس دائماً عند التخلص من البطاريات المسربة.
بقلم: لورا ميرز
