صانعو المطر من الكائنات الحية الدقيقة
قد تعقب العلماء الجناة وراء بعض أمطارنا، ويمكن أن يصبحوا قوة من أجل الخير
بقلم: إيان إيفيندن
”تظهر الأبحاث الحديثة أن كائنات حية ضئيلة قد تعمل في الغلاف الجوي كنواة لتكثّف السحب“
كنا نعتقد أن ننفهم بالكامل كيفية تشكل السحب واحدة من العمليات الطبيعية. يبدو الأمر بسيطاً جداً. أولاً، يلتصق بخار الماء بجزيئات صغيرة مثل الملح والغبار، المعروفة بالهباء الجوي (أيروسول Aerosols)، على ارتفاعات شاهقة في الغلاف الجوي. بعد ذلك تتشكل قطرات أكبر، وعندما تلتصق ببعضها البعض، تتكوّن السحب. فالمشكلة هي أن الأبحاث الحديثة تظهر أن الكائنات الحية الضئيلة التي تطفو في الغلاف الجوي- البكتيريا على وجه التحديد- قد تعمل، كما يشير إليه علماء الأرصاد الجوية ”كأنوية لتكثّف السحب“ Cloud condensation nuclei، وهي الجسيمات التي تتشكل حولها قطيرات الماء وبلورات الجليد، وهي مكون آخر من مكونات السحب. ومن ثمَّ قد يكون لهذه البكتيريا تأثير عميق في طقسنا.
في عام 1802، صنّف الكيميائي
البريطاني لوك هوارد أنواع السحب
عندما سَلْسَل علماء الميكروبيولوجيا في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا جينات هذه البكتيريا المنقولة بالهواء، كشفت النتائج عن 17 نوعاً مختلفاً. فبعض هذه البكتيريا تُشكِّل ”أنوية ثلجية“ Ice nucleators، أي تعزز تكوين بلورات الجليد عند درجات حرارة أعلى من تلك التي تتشكل حول الجزيئات الأخرى. ويعني هذا تشكّل المزيد من السحب وهطول كميات أكبر من الأمطار. عندما تصل إلى الأرض، تُكون بعض البكتيريا التي تملأ سماءنا مسببات لأمراض النبات Plant pathogens، كما أن قدرتها على تكوين الجليد تسبب للنباتات تلف الصقيع في المناخات الباردة. مع تلف النبات، تحصل البكتيريا على المغذيات التي تحتاج إليها، مما يمكنها من التكاثر. يقول الدكتور ديفيد ساندز David Sands، أستاذ باثولوجيا النبات في جامعة ولاية مونتانا، الذي صاغ مصطلح ”الترسيب الحيوي“ Bioprecipitation: ”تسقط هذه البكتيريا من النباتات مثل قشرة الرأس Dandruff. فوزنها ضئيل جداً وتجرفها الرياح فيما يشبه البساط الطائر الصغير، بواقع 100 أو 1,000 خلية في المرة الواحدة“.
بعد وصولها إلى الغلاف الجوي، تحتاج البكتيريا إلى النزول مرة أخرى للحصول على المغذيات من النباتات الأخرى. يقول ساندز: ”يحتوي سطح البكتيريا على بروتين زنبركي يحتوي على العديد من التكرارات للأحماض الأمينية نفسها. فهذا البروتين الهيكلي يربط الجليد، ومن ثم تبدأ الإثارة. يرتد الجليد- فيما يعرف بالتصقّع Riming -ويمكن لحدث واحد للتنوّي Nucleation event تنفذه واحدة من البكتيريا أن ينتج عدداً كبيراً من بلورات الجليد، حيث إن الجليد هو أفضل مُشكِّل للنوى الضرورية لتشكّل المزيد من الجليد. البكتيريا هي البادئات Initiators فحسب“. يمكن لهذه البلورات الجليدية الجديدة أن تسبب المطر، فتمتطيه البكتيريا عائدة إلى الأرض. يقول ساندز: ”إذا أمكنك صنع نواة جليدية، فستحصل على وسيلة للتنقل. من بين 100 بكتيريا تعيش على نبات في منطقة بعينها، ستجد أن 10 أو 15 منها لا تسبب أي مشكلة للنبات، وربما كان نصفها أنوية للجليد“.
ربما ظلت هذه البكتيريا المنتجة للمطر تؤثر في طقسنا منذ آلاف السنين. يقول ساندز: ”إذا حفرت في أعماق نهر جليدي، فيمكنك النظر إلى التاريخ لآلاف السنين عن طريق فحص عينات الجليد الجوفية“. قد يجيب هذا البحث عن بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام، مثل ما إن كانت دورات هطول الأمطار المرتفعة قد تزامنت مع فترات وجدت فيها أعداد أكبر من البكتيريا في الغلاف الجوي.
صارت فكرة أن هذه البكتيريا قد تسبب تشكّل الأمطار والثلوج مقبولة الآن على نطاق واسع. وتستخدم بعض منتجعات التزلج مستحضراً مجففاً بالتجميد من البكتيريا المُشكِّلة للأنوية للجليد لتشكيل الثلوج. لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. أثارت أبحاث الترسيب الحيوي عدداً من الأفكار المشوقة، مثل ما إن كانت زراعة السلالات المناسبة من المحاصيل قد تشجع نمو البكتيريا النباتية غير الضارة المعروف أنها تؤدي إلى تشكّل السحب، ومن ثمَّ زيادة هطول الأمطار.
ينبغي تشجيع المزارعين على استخدام البكتيريا، لكن ماذا لو كانت الميكروبات غير ضارة وتنتج مبيداً للفطريات يحمي النبات أيضاً؟ وفقاً لساندز، فإن هذا قد يجعل البكتيريا مفيدة للمزارعين، وكذلك للحكومات. من المؤكد أن حماية النباتات وزيادة معدلات هطول الأمطار ستمثل صفقة رابحة بالنسبة إلى المناطق الجافة، وهناك دراسات جارية في إفريقيا لإيجاد أفضل طريقة لتوفير ذلك باستخدام البكتيريا النباتية. يبدو أن هذه الميكروبات التي تحوم على ارتفاع آلاف الأمتار فوق رؤوسنا قد تصبح قريباً قوة من أجل الخير.
كيف يستخدم خبراء الأرصاد الجوية الرادار لسبر أغوار السحب
”إذا كان هناك برد، فيرجّح أن يحدث البرق أيضاً. يمكننا تحذير الناس من ذلك“
■ ما الذي تبحث عنه عند فحص السحب بالرادار؟ أحاول معرفة ما إن كان البرد سيهطل إضافة إلى المطر. إذا كان هناك برد، فيرجّح أن يحدث البرق أيضاً. يمكننا تحذير الناس من ذلك، وخاصة من يهتمون به، مثل مطار هيثرو.
■ كيف يمكنك معرفة ما يحدث بالأعلى؟ نحن نرسل موجات رادارية إلى السحب باستقطابات Polarisations مختلفة، إما أفقية أو رأسية. إذا كانت قطرات المطر كروية، فستحصل على الإشارة نفسها تماماً بغض النظر عن نوع الموجة المستقطبة التي ترسلها. ولكن قطرات المطر الكبيرة التي تتشكّل أثناء هطول الأمطار الغزيرة تبدو مسطحة، لذلك تتشكل أمطار أقل بكثير في المستوى الرأسي. يمكننا استخدام هذه المعلومات لتمييز المطر الغزير عن البَرَد، لأن البَرَد يميل إلى أن يكون كروياً، وله إشارات متشابهة في المستويين الرأسي والأفقي.
■ ما مدى ارتفاع السحب التي تدرسها؟ نحن نفكر في السحب من حيث نطاقات درجات الحرارة Temperature bands وليس الارتفاعات. إذا كان هناك تيار صاعد قوي، فقد تهطل أمطار سائلة في الجزء الأقل من درجة التجمد من السحابة، ولا يذوب البَرَد فوراً بعد تجاوز درجة الحرارة أكثر من درجة الصفر سيليزية. وفي الصيف، تتم هذه العمليات التي ندرسها على ارتفاع 1.2 إلى 1.8 ميل.