البروفيسور فيدور سيمكوفيتش
بسبب أبحاثه المتقدمة في مجال الفيزياء، إذ يدرس بعضاً من أصغر الجسيمات في الكون، فإن عمل البروفيسور سيمكوفيتش اليومي أغرب مما تتخيل
يعمل عالم الفيزياء النووية وشبه النووية سيمكوفيتش من قسم الفيزياء النووية والفيزياء الحيوية بجامعة كومينيوس Comenius University في براتيسلافا. ويقود فريقاً من العلماء الشبان وطلاب الدكتوراه لدراسة الخصائص الأساسية للنيوترينوات-Neutrinos وهي الجسيمات الأولية الأوسع انتشاراً في الكون. تغطي أبحاثه مختلف المجالات العلمية للفيزياء الذرية والفيزياء النووية وفيزياء الجسيمات والفيزياء الفلكية. فاز سيمكوفيتش بجائزة إيسيت للعلوم ESET Science، كما فاز بجائزة المساهم الفردي المتميز في العلوم السلوفاكية لعام 2020.
ما النيوترينوات؟
النيوترينوات واحدة من أكثر الجسيمات الأساسية وفرة في الكون. ويوجد منها ثلاثة أنواع أو نكهات: النيوترينوات الإلكترونية Electron neutrinos والنيوترينوات الميونية Muon neutrinos ونيوترينوات تاو Tau neutrinos. يشبه النيوترينو الإلكترون لكنه لا يحتوي على شحنة كهربائية وله كتلة ضئيلة. ليست النيوترينوات جزءاً من ذرة، على عكس البروتونات والنيوترونات والإلكترونات.
مثل المكونات الأخرى للنموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، يُفترض أنها أجسام شبيهة بالنقاط- فهي ليست مصنوعة من أي مكونات أصغر معروفة لدينا. وفقاً للنموذج المعياري، يوجد 12 جسيماً أساسياً، وهي ثلاث فئات من اللبتونات-Leptons الإلكترون والميون والتاو، والنيوترينوات المناظرة– أي الكواركات الفوقية والسفلية، والنسخ المقابلة لها من ضديد المادة.
النيوترينوات هي أوفرها، والتي تولدت في الثانية الأولى للكون بعد الانفجار الكبير. تتنبأ النظرية بوجود 340 من نيوترينوات الانفجار الكبير Big bang في كل سنتيمتر مكعب في الكون. بسبب طاقتها المنخفضة جداً، لم يتأكد وجودها بعد. وهي تشكل خلفية نيوترينوية كونية تتسم بدرجة حرارة منخفضة جداً تبلغ نحو -°271س. في الوقت الحاضر، ما زالت النيوترينوات تمثل لغزاً يحيّر علماء الفيزياء.
”في كل ثانية، تمر بليونات منها عبر أجسادنا – يأتي معظمها من الشمس- على الرغم من أننا لا نشعر بها“
لماذا يصعب اكتشاف النيوترينوات؟
تتدفق النيوترينوات عبر معظم المواد، حيث تمر أشعة الضوء عبر نافذة شفافة. في كل ثانية، تمر بليونات منها عبر أجسادنا- يأتي معظمها من الشمس- على الرغم من أننا لا نشعر بها. لا يمكننا اكتشافها إلا بشكل غير مباشر عبر أنماط مختلفة من التفاعلات الضعيفة مع المادة، حيث تُكتشف بسهولة. لكن مرة أخرى، تكمن المشكلة الرئيسية في أن هذه الفاعلات نادراً ما تحدث. توجد معظم كاشفات النيوترينوات في أعماق الأرض أو تحت الماء لتثبيط عمليات الخلفية، غالباً تلك التي ترجع أصولها إلى الأشعة الكونية .Cosmic rays
بماذا قد تخبرنا دراسة النيوترينوات عن الكون؟
لقد درس البشر الكون لآلاف السنين عن طريق التحديق في سماء الليل الرائعة المرصعة بالنجوم والكواكب. بدءاً من القرن الماضي، استغل الفلكيون الإشعاع الكهرومغناطيسي بأطواله الموجية المختلفة، مثل الموجات الراديوية والأشعة تحت الحمراء والأشعة السينية وأشعة غاما، لفتح نوافذ إضافية على الكون. بدأ العلماء حاليا يفتحون نافذة جديدة تماماً على الكون عن طريق النيوترينوات التي تزودهم بمعلومات عن بنيته وعن تاريخ النجوم والمجرات. ونأمل بأن يكشف هذا المجال الجديد، المسمى علم فلك النيوترينوات Neutrino astronomy، عن ظواهر جديدة غير معروفة وأن يساعدنا على الإجابة عن العديد من الأسئلة التي لدينا حاليا.
نحن لا نعرف سبب هيمنة المادة على ضديد المادة في كوننا، وهو أمر لا نلاحظه عملياً. إذا كانت الكمية نفسها من المادة وضديد المادة قد تشكلت في بداية الانفجار الكبير، كان من المفترض أن يكون كل منهما قد أباد الآخر منذ فترة طويلة وتحول إلى طاقة، لكننا لا نشاهد عمليات إبادة المادة والمادة المضادة في الكون. إذا أردنا صنع عجة، فعلينا كسر بيضة. إذا أردنا إنشاء عالم، فعلينا كسر التناظر. بسبب النيوترينوات الثقيلة الافتراضية، قد يكون اختلال الشحنة والتناظر المكاني مسؤولين عن التوازن الحالي بين المادة وضديد المادة.
ما الذي تتمنى تحقيقه بأبحاثك؟
فيزياء النيوترينوات مشوقة ومليئة بالاكتشافات المثيرة. تظل النيوترينوات أكثر الجسيمات الأساسية غموضاً، وما زلنا لا نعرف إجابات العديد من الأسئلة البالغة الأساسة. أنا باحث نظري مهتم بجميع العمليات التي يكتنف فيها النيوترينو. بالنسبة لي، تمثل النواة الذرية مختبراً لدراسة تفاعلات وخصائص النيوترينوات. من المدهش أن تؤكد القياسات التجريبية الافتراضات النظرية.
مهمتي في الحياة تتمثل بتنظيم فيزياء النيوترينوات وتطويرها في سلوفاكيا. لقد جمعت فريقاً من الفيزيائيين الشباب في جامعة كومينيوس في براتيسلافا، الذين يعملون على حل مشكلات ثلاث تجارب بارزة في فيزياء النيوترينوات. نحن نحاول توحيد مجتمع النيوترينو وجذب المزيد من الشباب إلى فيزياء النيوترينوات.
ما شعورك عند الفوز بجائزة إيسيت العلمية للمساهم الفردي المتميز في العلوم السلوفاكية؟
إنها تجربة لا تتكرر، ولا تُنسى. لم أحس بمثل هذا الشعور من قبل، وأظل أتذكره باستمرار. في اللحظة التي نطق فيها اسمي كيب ثورن Kip Thorne ، رئيس لجنة التحكيم الدولية لجائزة إيسيت للعلوم والفائز بجائزة نوبل، لا تزال أمام عيني. جاءت الجائزة رمزياً في الذكرى التسعين لصدور التقرير الأول عن النيوترينوات في رسالة فولفغانغ باولي Wolfgang Pauli إلى توبنغن. سأشعر بسعادة بالغة إذا فاز زملائي أو طلابي الشبان جائزة إيسيت للعلوم في المستقبل.
هل تغيرت نظرتك إلى البحث العلمي منذ الفوز؟
لم يتغير شيء في خططي العلمية. أعتقد أن الجائزة ستساعد على بناء فريقنا العلمي الذي يركز على فيزياء النيوترينوات، وجذب المزيد من الشباب الحاذقين لحل المهام النظرية والتجريبية الحالية في أبحاث فيزياء النيوترينوات. لقد غيرت جائزة إيسيت للعلوم وجهة نظري حول دور العلم في المجتمع والحاجة إلى المساهمة في تحسينه. ويشبه العلم سباقاّ في ركض المسافات الطويلة، كما أن أهميته غير مفهومة جيداً. كثيراً ما يتمخض عن نتائج غير واضحة بما فيه الكفاية، لكن اتضح أن المعرفة والمخرجات المرغوبة ستأتي بمرور الوقت. لكي تكون دولة للمعرفة، من الضروري إعداد المجتمع للتغيرات المهمة التي ستتحقق بالتأكيد. سيتغير هيكل سوق العمل مع إدخال الروبوتات والتقنيات الحديثة والهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي، كما أن تأثيرات التغير المناخي تحيق بنا. في حل المهام والتحديات ذات الصلة، تتمتع العلوم بإمكانات هائلة. إضافة إلى ذلك، علينا أن نفهم الكون نفسه والعمليات التي تدور بداخله. قد تساعدنا فيزياء النيوترينوات على تلقي الإشارات من الحضارات الأخرى والتعرف عليها. كما قال إنريكو فيرمي :Enrico Fermi”أين الأرض الأخرى؟“ نحن في بداية الطريق، ومن الصعب التكهن بوجهته النهائية.
