المنطقة المعتمة
انطلق في رحلة إلى المنطقة الصالحة للسكنى لأحد النجوم، حيث تسمح درجات حرارة الكوكب بوجود المياه السائلة.
في الحكاية الخيالية، غولديلوكس Goldilocks هي فتاة صغيرة مترفة بحيث يجب أن تُطهى العصيدة التي تتناولها بصورة مثالية، بحيث لا تكون ساخنة جداً ولا باردة جداً. يحدث الشيء ذاته مع الحياة نفسها- أو على الأقل نوع الحياة التي نعرفها على الأرض، والقائمة على الماء. يجب أن يكون طقس الكوكب مثالياً: لا بارد جداً لدرجة ألا يوجد الماء إلا كجليد متجمد، ولا ساخناً جداً لدرجة أن يسبب غليان كل شيء. فلا ينطبق هذا على جميع الكواكب التي تدور حول أحد النجوم، فقط تلك الموجودة في نطاق معين من المدارات التي يطلق عليها اسم ”المنطقة المعتدلة“ [منطقة غولديلوكس] Goldilocks zoneأو بشكل رسمي أكثر ”المنطقة الصالحة للسكنى“Habitable zone . إذا كان مدار الكوكب قريباً جداً من نجمه الأم، سيكون الطقس أكثر حرارة من أن يسمح بوجود مياه سائلة، وإذا كان بعيداً جداً فسيكون بارداً جداً. هذا واضح بما فيه الكفاية، لكن المسافات الفعلية المعنية، والتي تحدد حدود المنطقة الصالحة للسكنى، تتباين من نجم إلى الآخر. شمسنا هي قزم أصفر من النوع G، وليس هناك شك في احتوائها على منطقة صالحة للسكنى، لأن الأرض- التي تدور على بُعد 93 مليون ميل تقريباً- تقع بداخلها. ولكن بالنسبة إلى الأقزام الحمراء من النوع M، وهي نجوم أصغر حجماً وأبرد من الشمس، تقع المنطقة الصالحة للسكنى قريباً من النجم. أما بالنسبة إلى نجم أكبر حجماً وأكثر سخونة من النوع A مثل الشعرى اليمانية Sirius، تكون المنطقة المعتدلة أبعد للخارج.
بالنسبة إلى علماء البيولوجيا الفلكية Astrobiologists، وهم الأشخاص الذين يبحثون عن الحياة على الكواكب الأخرى، يُعد التواجد في المنطقة الصالحة للسكنى واحداً فقط من العوامل التي يجب عليهم أخذها بالاعتبار. خذ قمرنا، مثلاً. من الواضح أنه يقع في المنطقة المعتدلة لأنه قريب جداً من الأرض، ومع ذلك فلا توجد مياه سائلة على سطحه. يرجع ذلك إلى أنه يجب أن يؤخذ بالاعتبار أيضاً الضغط الجوي على القمر وبنيته. يجعل هذا من القمر، الذي ليس له غلاف جوي يُذكر، مرشحاً غير ذي جدوى. من المهم أيضاً ألا نركز كثيراً في كلمة ”صالح للسكنى“. وحتى لو كانت الظروف على كوكب ما ملائمة تماماً لوجود مياه سائلة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنه مأهول. ولم يتوصل العلماء بعد إلى كيفية نشأة الحياة على الأرض بالضبط، ومن ثمّ فنحن لا نعرف ما المكونات الدقيقة الأخرى الضرورية، إضافة إلى الماء والغلاف الجوي. مجموعتنا الشمسية هي الأفضل دراسة من بين جميع أنظمة الكواكب. فقد توصل المنظرون إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه منطقتها المعتدلة عن طريق تقدير درجة حرارة سطح كوكب بعينه بناءً على كمية الحرارة الشمسية التي يتلقاها. مما يبعث على الاطمئنان أن النتائج تتفق مع ما نعرفه من المشاهدات. تقع الأرض- وهي كوكب مائي للغاية يعج بالحياة- في مكان مريح داخل المنطقة الصالحة للسكنى. أما المريخ، الذي يبدو أنه كان يحتوي على الكثير من المياه في الماضي لكنه صحراء قاحلة حاليا؛ فيقع مباشرة على الحافة النجمية للمجموعة الشمسية. وعلى الحافة الداخلية يوجد كوكب الزهرة- وهو كوكب شديد السخونة بسبب قربه من الشمس وغلافه الجوي الشديد السماكة.
بناء مجموعات شمسية نظرية
نتحدث إلى شون ريموند، مبتكر ”المجموعة الشمسية المهندَسة المطلقة“، حول أبحاثه
كيف توصلت إلى وضع مثل هذا الترتيب الغريب للكواكب؟
يتمثل عملي اليومي بفهم كيفية تشكل أنظمة الكواكب، وما الذي يجعل المجموعة الشمسية مختلفة عن أنظمة الكواكب النجمية التي اكتشفناها، وأنواع الترتيبات المدارية المستقرة وغير المستقرة. أردت معرفة البنية المعمارية المدارية التي يمكنه زيادة عدد الكواكب في المنطقة الصالحة للسكنى- بحيث تظل مستقرة لكن دون الحاجة إلى القلق بشأن كيفية تشكّل النظام. لحسن الحظ، يمكنني استلهام العديد من الأوراق البحثية التي نشرها العلماء مؤخراً. اختبرت أيضاً أكثر الأنظمة جنوناً باستخدام المحاكاة الحاسوبية للتأكد من اتساق جميع المعطيات معاً.
لماذا تسميها المجموعة الشمسية القصوى ”المُهندسة“؟
في الأصل، وضعت نظامين اثنين، يحتوي كل منهما على نحو 30 كوكباً في المنطقة الصالحة للسكنى. من المعقول أن تتشكل هذه الأنظمة في الطبيعة إذا وقعت السلسلة الصحيحة من الأحداث- مثل رمي نردين واستقرار كل منهما على ستة ثقوب 10 مرات متتالية. لكن لا يمكنني تخيل كيف قد تتشكل المجموعة الشمسية المهندسة طبيعياً. إن نظاماً يحتوي على كواكب متساوية التباعد وموزعة بطول حلقات تدور في اتجاهين متعاكسين هو أمر مستحيل على حد علمي. وإذا كان مثل هذا النظام موجوداً، فسأجادل بأنه يجب أن يكون قد بُني عن عمد، على الأرجح من قبل مهندسي حضارة فائقة التطور.
إذا كان مثل هذا النظام موجوداً بالفعل، فكيف يمكننا اكتشافه من الأرض؟
سيكون من الصعب جداً اكتشافه لأن الإشارات التي نقيسها لاستنتاج وجود الكواكب النجمية- عادة السرعة الشعاعية Radial velocity أو إشارات العبور- قد تكون مبهمة لدرجة أن يُخلط بينها وبين الضوضاء في حالة المجموعة الشمسية المهندسة القصوى.
وهو أعمق كواكب المجموعة الشمسية.
الكواكب النجمية في المنطقة المعتدلة
صار اكتشاف الكواكب النجمية Exoplanets الجديدة التي تدور حول نجوم بعيدة أمراً شائعاً تقريباً. لكن من المثير دائماً العثور على أحدها بداخل المنطقة المعتدلة لنجمه الأصلي. حدث ذلك في عام 2016 في حالة قنطور (الأقرب بي) Proxima b، التي تدور حول أقرب جيران الشمس في الفضاء، قنطور الأقرب Proxima Centauri- وهو قزم أحمر- الواقع على بُعد يزيد قليلاً على 4 سنوات ضوئية. هذا النجم صغير وباهت لدرجة أن منطقته الصالحة للسكنى تقع على مسافة قريبة جداً، لكن قنطور الأقرب b، الذي يدور حول النجم مرة كل 11 يوماً، يوجد بداخله بأمان. خضع قزم أحمر آخر لدراسة مستفيضة، وهو ترابيست-1 (TRAPPIST-1). وبالنظر إلى وجوده على بعد نحو 40 سنة ضوئية، فهو أبعد من قنطور الأقرب، لكنه يظل قريباً بالمعايير الكونية. يتميز ترابيست-1 بوجود 7 كواكب صخرية معروفة، تقع 3 منها بداخل المنطقة المعتدلة للنجم. يحتمل وجود المياه على جميع الكواكب السبعة، حتى وإن كان في حالة سائلة فقط في الكواكب الثلاثة الموجودة بداخل المنطقة الصالحة للسكنى. تتخذ المياه شكل بخار الماء في الغلاف الجوي للكواكب الأقرب إلى النجم أو الجليد على أبعدها. ويحرص علماء الفلك، لأسباب مفهومة، على معرفة المزيد عن منظومة ترابيست-1، وهي واحدة من الأهداف المخطط لها لتلسكوب جيمس ويب الفضائي.
نظامان صالحان للسكنى
يوجد الكثير من القواسم المشتركة بين منظومة ترابيست-1 والمجموعة الشمسية،
لكنهما لا يزالان نظامين مختلفين تماماً
1 ترابيست-TRAPPIST-1C
بسبب قربه الشديد من النجم، قد لا يكون هذا الكوكب صالحاً للسكنى، وبما كان له غلاف جوي سميك وحار مثل كوكب الزهرة.
2 ترابيست-TRAPPIST-1D
لكونه أبعد بنحو %40 من منظومة ترابيست-1، ربما لا يحتوي هذا الكوكب على منطقة صالحة للسكنى.
3 ترابيست-TRAPPIST-1E
هذا هو الكوكب الأعمق في المنطقة الصالحة للسكنى من منظومة ترابيست-1 والأقرب احتمالاً لوجود ظروف شبيهة بالأرض.
4 ترابيست-TRAPPIST-1F
بسبب وجوده في قلب المنطقة الصالحة للسكنى، وفقاً لغلافه الجوي، قد يحتوي هذا الكوكب على كميات وفيرة من المياه.
5 ترابيست-TRAPPIST-1H
لكونه أبعد كواكب منظومة ترابيست-1 المعروفة، يقع هذا الكوكب خارج المنطقة الصالحة للسكنى، وقد يشبه قمر زحل الجليدي- تيتان .Titan
6 عطارد MERCURY
تختلف التقديرات بالنسبة إلى الحافة الداخلية للمنطقة الصالحة للسكنى، لكنها تقع جميعها خارج مدار كوكب عطارد.
7 الزهرة VENUS
يقع كوكب الزهرة على بعد %72 من مسافة الأرض من الشمس، قريباً من الحد الداخلي للمنطقة المعتدلة.
8 المريخ MARS
تختلف تقديرات الحافة الخارجية أيضاً؛ اعتماداً على ما تستخدمه، يوجد المريخ داخل أو خارج المنطقة الصالحة للسكنى مباشرة.
”اختبرت أكثر الأنظمة جنوناً باستخدام المحاكاة الحاسوبية“
المجموعة الشمسية المهندَسة القصوى
عندما تتشكل مجموعة شمسية، لا يوجد سبب لوجود الكواكب بشكل تفضيلي في المنطقة الصالحة للسكنى، لكن منظومة ترابيست-1 تمثل استثناء، حيث يوجد ما يصل إلى ثلاثة كواكب في تلك المنطقة. لكن من منظور نظري، هل هناك حد أعلى لعدد الكواكب التي يمكن أن توجد في المنطقة المعتدلة؟ هذا سؤال طرحه عالم الفيزياء الفلكية شون ريموند Sean Raymond على مدونته قبل بضع سنوات.
اتضح أن هناك بالفعل حداً نظرياً، يصبح النظام بعده غير مستقر بسبب كون الكواكب قريبة جداً من بعضها البعض. وتوصل ريموند إلى ما يسميه ”المجموعة الشمسية المهندَسة القصوى“ Ultimate Engineered Solar System، بسعة إجمالية قدرها 412 كوكباً في المنطقة الصالحة للسكنى مرتبة حول 8 مدارات متحدة المركز تدور بالتناوب في اتجاهين تقدمي وتراجعي.
بقلم: أندرو ماي
