قصر حفلات الملك هنري الثامن

في عام 1529 كانت إنجلترا على شفا أزمة كاملة. فقد وقع عاهلها، الملك هنري الثامن Henry VIII، في حب الجميلة آن بولين Anne Boleyn، وصمم على الزواج منها. وكانت هناك عقبة واحدة بسيطة: كان هنري متزوجاً بالفعل. كانت كاثرين الأراغونية Catherine of Aragon زوجته منذ 20 سنة، لكن الزواج لم يُثمر إنجاب وريث ذكر، وكانت كاثرين، في منتصف الأربعينات من عمرها، قد تجاوزت سن الإنجاب. وكانت آن أصغر منها بنحو عشرين سنة، ومن ثمَّ تمثل صورة للشباب، وبإمكانها أن تمنح الملك الابن الذي يرغب فيه- فقط لو أمكنه التخلص من كاثرين.
فقد خطط هنري للتملص من زواجه، ولجأ إلى مستشاريه لإيجاد حل. ولكن لم يدعم كل حلفائه مخططه هذا. وتَمَّ تكليف الكاردينال توماس وولسي Thomas Wolsey، كبير أساقفة يورك، بالحصول على موافقة البابا على فسخ الزواج، لكن عندما فشل وولسي، اتُهم بالتباطؤ المتعمد وسرعان ما قُبض عليه بتهمة الخيانة. وعندما فقد وولسي حظوته، استولى الملك هنري على قصر يورك York Place، وهو مقر الإقامة الفخم لكبير الأساقفة- وهو من الروعة بحيث ينافس حتى قصور الملك.
انتقل هنري إلى قصر يورك واستمر بتوسيعه وتحسينه، وأعاد تسميته إلى قصر وايت هول Palace of Whitehall وتحويله إلى ذروة أمجاد مجموعته من المساكن الملكية. وهناك، في قصر وايت هول؛ حيث استضاف هنري حفلاته الفخمة، وتزوج باثنتين من زوجاته الست، وهناك أيضاً مات في عام 1547. وطوال القرن ونصف القرن التاليين، بقي قصر وايت هول مقر إقامة ملكي، حيث أقام فيه العديد من الملوك والملكات. غير أن التاريخ الرائع لهذا القصر الاستثنائي قد اختصر، في عام 1698، عندما دمر حريق هائل المجمع بكامله تقريباً. ولم يتبقَ من هذا الجحيم سوى دار المآدب Banqueting House وقبو الشراب القديم للملك هنري الثامن.
كانت إعادة بناء القصر مكلفة للغاية، ولذلك طوال القرنين التاليين بنيت بيوت ملتصقة (تاون هاوس) فوق الموقع. وفي أوائل القرن العشرين، تقرر بناء مبنى حكومي فوق المساحة التي كان فوقها قصر وايت هول، لكن قبو الشراب خلق مشكلة خاصة جدّاً…