”فقاعات عملاقة“ كونية قد تسبب الفوضى في مجرات بأسرها
بقلم: بول سوتر
لا يتصل عالما المادة المعتمة والمادة العادية إلا من خلال جاذبيتهما، ويأمل علماء الفلك بأن التجاويف الفضائية العملاقة المعروفة بـ”الفقاعات الفائقة“ Superbubbles قد تحمل المفتاح لفهم هذا الارتباط. تمتلئ مجرتنا، مثل معظم المجرات الأخرى، بمادة غير مرئية تعرف بالمادة المعتمة Dark matter. فهناك كثير من الأدلة على وجود المادة المعتمة، لكن الطبيعة الدقيقة لتلك المادة المراوغة تظل لغزاً كونياً. ويرغب علماء الفلك بشدة في التعرف على المادة المعتمة، وإحدى الطرق التي يمكنهم من خلالها فهم المزيد عنها هي مراقبة تأثير جاذبيتها في المادة العادية. ولكن المجرات مناطق معقدة ومزدحمة، والتي تتحدى جميع أنواع التفاعلات والأحداث والانفجارات النشطة طوال الوقت، ومن ثمَّ يصعب فصل تأثير المادة المعتمة عن السلوك الطبيعي للمادة العادية.
الآن، ربما وجد علماء الفلك في جامعة تارتو University of Tartu في إستونيا نقطة اتصال ذكية: الفقاعات الفائقة. كما أوضح بحث نشر مؤخراً، فإن الفقاعات الفائقة هي تجاويف عملاقة تنحتها انفجارات نجمية قوية تسمى السوبرنوفا (المستعرات الأعظمية) Supernovae من الوسط البينجمي – أي الأجزاء السائبة من الجسيمات المشحونة والغبار التي تنجرف بين النجوم. ويتطلب الأمر أكثر من سوبرنوفا واحد لتكوين فقاعة عظمى، لكن النجوم العملاقة كثيراً ما تولد معاً في عناقيد ضخمة. وهي تميل إلى امتلاك فترات حياة مماثلة، كما تنزع أيضاً إلى الانفجار معاً عند نهاية حياتها. وعندما تنفجر سوبرنوفا متعددة، تنشئ موجات انفجارها منطقة عالية الكثافة داخل الوسط البينجمي تمتد إلى آلاف السنين الضوئية: أي فقاعة فائقة.
ونظراً لأن كثافة الفقاعة الفائقة تقل قليلاً عن كثافة محيطها، فإنها تُحدث اختلافات طفيفة في الجاذبية في المناطق المحيطة بها. عن طريق محاكاة الفقاعات العملاقة وبيئاتها، اكتشف الباحثون أن فروق الجاذبية داخل الفقاعات العملاقة تؤثر في كل من النجوم والمادة المعتمة التي تمر عبرها، حيث تعمل كمصدر للاحتكاك الذي يبطئ معدل دوران كلا النوعين من المادة. اكتشف الباحثون أن وجود الفقاعات الفائقة قد يؤثر في معدل الدوران الإجمالي للنجوم والمجرات بنحو %4 لكل بليون سنة. على مدى فترة عمر المجرة، قد يعني ذلك استنزاف نحو نصف إجمالي الطاقة الدورانية للمجرة، مما يؤثر بشكل كبير في مدارات كل من النجوم والمادة المعتمة.
لكن الفقاعات الفائقة تؤثر في المادة المعتمة والنجوم بطرق مختلفة. وتبطئ الفقاعات العملاقة المادة المعتمة، ولكن ليس بقدر النجوم نفسها، مما يُحدث انقطاعاً في تطورها. وكذلك تتغير خصائص المادة المعتمة داخل المجرات – والأهم من ذلك، طاقتها الدورانية – استجابة لاحتكاك الفقاعات الفائقة، والذي يؤثر بدوره في العلاقة التجاذبية بين المادة المعتمة والمادة العادية بطرق يمكن اكتشافها.
يُعد هذا دليلاً مثيراً للاهتمام. فعلى الرغم من أن نتائجهم تعتمد فقط على عمليات المحاكاة، يعتقد الباحثون أن الدراسات المستقبلية ستكشف بشكل أفضل عن كيفية استخدام الفقاعات الفائقة لفصل العلاقة بين المادة المعتمة والمادة العادية. وفي نهاية المطاف، سيمكّن هذا علماء الفلك من رسم خريطة لمواقع وسرعات النجوم بالقرب من الفقاعات الفائقة من أجل البحث عن علامات حول كيفية تصرف المادة المعتمة الأساسية.