علم الموسيقى
كيف نصنع الموسيقى، وماذا يحدث عندما تلامس آذاننا؟
تمثل الموسيقى جزءا قديما من ثقافتنا، ولها تأثير قوي في عقولنا. ويمكن للأغاني أن تجعل الناس يضحكون أو يبكون أو يرقصون أو يغطون آذانهم باشمئزاز، ولكل فرد أغانيه المفضلة.
يتولّد الصوت من الاهتزازات. وعندما تهتز أوتار آلة موسيقية، فهي تدفع الهواء الموجود أمامها) الانضغاط) وتوسّع الهواء الموجود وراءها ) الخلخلة (. ويخلق الانضغاط والخلخلة موجات تتحرك عبر الهواء. وعندما تصل الموجات الصوتية إلى أذنيك، فإنها تدفع الهواء في قنوات أذنيك وتعمل على تحريك طبلتي أذنيك. وبعد ذلك، تؤدي هذه الاهتزازات إلى تحرّك ثلاث عظام ضئيلة ترسل الذبذبات إلى بنية مملوءة بالسائل تسمى القوقعة Cochlea. وتستخدم حركة السوائل في هذا الملف لتوليد إشارات كهربائية تنتقل إلى الدماغ. لكن هذا ليس سوى جزء صغير من القصة.
وقد تسبب هذه الاهتزازات البسيطة استجابات عاطفية قوية، وهناك طبقات من التعقيد في النوتات Notes نفسها، وفي الطريقة التي تدركها بها أدمغتنا. وتحمل الموجات الصوتية التي تصل إلى أذنيك كمية كبيرة من المعلومات. وتكمن أساسيات النوتات الموسيقية في جهارة الصوت Volume، وحدّته Pitch، والجرس الموسيقي ) Timbre أو النغمة) فكلما زاد حجم الاهتزازات، زادت جهارة الصوت، وكلما ازداد تواتر حدوث الاهتزازات، زادت حدة الصوت. وبالنسبة إلى الجرس الموسيقي، فهو يتحدد بفعل نعومة موجة الصوت نفسها.
وتتسم الموجات النمطية المرسومة في كتب الفيزياء المدرسية بنعومتها الفائقة، لكن الأصوات التي ينتجها الصوت البشري أو الآلات الموسيقية ليست بهذا التناغم. فهناك عيوب صغيرة تتراكم لإنتاج الجرس الموسيقي، أو النغمة، للنوتات النهائية. وهناك الصدى Echo، والانعكاس Reverberation، والرنين Resonance، والطبقات المتراكبة من الآلات الموسيقية، والأصوات وكلمات الأغاني.
يتعين على دماغك حينئذ أن يتعامل مع هذه الأصوات الواردة، وهو لا يقوم بمجرد ترجمة النوتات إلى كهرباء. وترتبط معالجة الموسيقى بأجزاء الدماغ التي تتحكم في المتعة والخوف والحركة والذاكرة والعاطفة، كما يمكن للأغاني أن تتعثر في دوائر غير متوقعة. والآن، سنشرح لك بالتحديد ما يدور في دماغك عند سماع أغنيتك المفضلة.
الرنين الصوتي
لا تُصدر الأشرطةُ المرنة المشدودة بين علبتين الصوتَ نفسه الصادر عن الأوتار الفولاذية الممدودة بطول الغيتار. فالاهتزازات الناتجة بالنقر على الشريط المرن أو الوتر تنتقل إلى جسم الآلة الموسيقية، والتي يكون لشكلها والمواد المصنوعة منها تأثير كبير في النوتات الناتجة. وتميل الأجسام المختلفة إلى الاهتزاز بترددات معينة، فتتضخم بعض الترددات على نحو أكثر بكثير من غيرها؛ وهذا ما يُعرف بالرنين.
وتكون الترددات الرنانة للآلة الموسيقية ثابتةً، ما لم يمكن تغيير شكلها – وهو ما يجعل الصوت البشري فريدا من نوعه. ويعمل الحلق والفم والأنف كأنابيب آلة موسيقية، فتعمل لتضخيم الذبذبات التي تنتجها الأحبال الصوتية. ويُنتج تغيير شكل الفم أصواتاً متحركة Vowel sounds مختلفة، ويُنتج فتح الحلق أو الغناء عن طريق الأنف نغمات مختلفة تماما – وذلك لأننا نغيّر خصائص الرنين لجهازنا الصوتي. ومغنو الأوبرا خبراء في الرنين، إذ يستخدمونه لملء قاعة الحفلات الموسيقية بأصواتهم دون الحاجة إلى ميكروفون.
سمعيات قاعات الحفلات
عزف النوتات الصحيحة ليس سوى جزء واحد من المعركة.
لقاعات الحفلات مهمة كبيرة يتعين عليها إنجازها. عليها أن تغمر الجمهور بصوت أكثر فرق الأوركسترا صخباً من دون أن تسبب أصداء، كما تحتاج إلى تضخيم أصوات أرق الآلات المنفردة حتى يمكن للمستمعين الموجودين في الجزء الخلفي سماعها بوضوح. هناك ثلاثة عوامل ينبغي النظر فيها للتأكد من استمتاع الجمهور بالتجربة: جهارة الصوت والمعادلة والانعكاس.
تتحدد جهارة الصوت بفعل الصوت المباشر للأوركسترا، لكنها تتأثر أيضا بارتداد الصوت من الجدران والسقف. وبالنسبة إلى قاعات الحفلات الموسيقية، من المهم ألا تعكس أكثر مما يلزم من الصوت.
تتوقع أذناك أن يأتي الصوت من الأوركسترا، وليس من الجدران الواقعة خلفك. تضمن المعادلة equalisation أنه يمكن سماع جميع الترددات؛ فالغرف المختلفة تضخّم بعض الترددات أكثر من غيرها. والهدف من ذلك هو موازنة الصوت عند مكان ما في المنتصف، وتخفيف أعلى النوتات قليلا لتجنب سماع أي صرير من الأوتار.
وينتج الانعكاس reverberation من ارتداد الصوت بداخل القاعة. ولا تعكس الأسطح جميع الأصوات بالتساوي، ولذلك فقد يسبب هذا بعض التحريف إذا لم يُصحّح.
تعمل قاعات الحفلات الموسيقية على موازنة كل هذه العوامل باستخدام أشكال ومواد مختلفة لموازنة الصوت وتوجيهه إلى الجمهور. ويرتد الصوت عن الأسطح المسطحة الصلبة، في حين تمتصه الأسطح الناعمة، أما الأسطح الخشنة فتبعثر الموجات الواردة. وعن طريق تبطين الجدران والسقف بألواح مصمَّمة خصيصا، يمكن تعديل الموسيقى وتجويدها قبل أن تصل إلى أذنيك.
تأثير الموسيقى في دماغك
ماذا يحدث داخل رأسك عندما تستمع إلى أغانيك المفضلة؟
أدمغتنا معقدة، وكذلك الموسيقى، ولذلك فإن استثارة الاستجابة العصبية للألحان تمثل نوعا من التحدي، لكن الباحثين في جميع أنحاء العالم حاولوا إزالة الغموض عن العلوم المحيرة وراء ذلك.
إن أول مكونات الموسيقى التي يعالجها الدماغ هي الأصوات الأساسية – حدّة الصوت، وطوله وجهارته. ومن هذا المنطلق، يستخرج الدماغ اللحن، ويميز بين الآلات الموسيقية المختلفة. وبعد ذلك تُقارن هذه المعلومات بالذكريات، وتحديد ما إذا كان الصوت الوارد مألوفاً، واكتشاف أي عاطفة مرتبطة به. وإجمالا، فإن المعالجة تؤدي إلى استجابة ما، سواء كانت إيقاف الأغنية، أو الشروع في الرقص. وإذا تحركت، فهي تعود إلى دماغك مرة أخرى، مع مزيد من التأثير في التجربة.
ويمكن اكتشاف بعض التعقيدات المتعلقة باستجابة الدماغ للموسيقى من خلال ملاحظة المصابين بتلف أو إصابات في أدمغتهم. ومن خلال معرفة ما يحدث لقدرتهم على معالجة الموسيقى بعد إصابة منطقة معينة في الدماغ، ومشاهدة كيفية تحسنها مع تعافي الدماغ، يمكن للعلماء أن يتعرفوا على أجزاء الدماغ المتضمنة في العملية. وتساعد ذلك تقنيات التصوير الطبي المتقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، والذي يمكنه رصد النشاط في أجزاء مختلفة من الدماغ كاستجابة لسماع الموسيقى.
ومن بين أهم نتائج هذه الأبحاث معرفة أن معالجة الموسيقى منفصلة عن اللغة. فالحبسة Aphasia هي المصطلح الطبي للاضطراب العصبي المؤدي إلى صعوبة الكلام. ويمكن أن تحدث نتيجة لإصابة دماغية، مثل السكتة الدماغية، مما يجعل من الصعب على المصابين العثور على الكلمات التي يحتاجون إليها للتعبير عن أنفسهم، لكن الغريب أنه لا يعوق دائما قدرتهم على الغناء. وبالمثل، فإن الأشخاص المصابين بالتأتأة قد يواجهون صعوبات في النطق، ولكنهم يستطيعون في بعض الأحيان غناء أغنية من دون تردد.
يصاب نحو واحد من كل ٠٢ شخصا بصمم النغمات، أو اللاموسيقى Amusical، ويجدون صعوبة في التعرف على نوتات لحن ما. أظهر التصوير الدماغي أن المادة البيضاء في المنطقة المعنية بمعالجة الصوت تكون أرق في هؤلاء الأفراد، مما يدل على أنها قد تكون أقل ارتباطا بالمسارات نفسها لدى نظرائهم الذين يتذوقون الموسيقى.