شرح المقاييس الحيوية
تعرف على التكنولوجيا التي يمكنها التعرف على بصمات أصابعك ووجهك وغير ذلك الكثير
يبدو مصطلح ”المقاييس الحيوية“ Biometrics وكأنه تقنية مستقبلية يستخدمها الجواسيس والمخربون على الشاشة الكبيرة. لكنه بعيد كل البعد عن الخيال العلمي، فهو أكثر شيوعاً مما تعتقد. يتعلق اصطلاح المقاييس الحيوية ببساطة بقياس الصفات البيولوجية أو الجسدية التي ينفرد بها الشخص. يمكن بعد ذلك استخدام هذه المقاييس لمقارنة عينتين، مثل صورة وجه، وتحديد ما إن كانت الاثنتان متطابقتين أم لا.
لطالما استخدم البشر الخصائص الجسدية الفردية كطريقة لتحديد الهوية. في نحو عام 29,000 قبل الميلاد، استخدم رجال الكهوف بصمات الأصابع لادعاء ملكية رسومهم الكهفية، واستخدم رجال الأعمال البابليون بصمات الأصابع كأختام على العقود في عام 1913 قبل الميلاد، على الرغم من أن السمات المميزة الفريدة لبصمات الأصابع لم تُكتشف حتى القرن الثامن عشر في ألمانيا. بمرور الزمن، تطورت المقاييس الحيوية المبكرة إلى طرق تحليلية أشد تعقيداً، مثل أخذ بصمات الأصابع رقمياً والتعرف على الوجوه والبصمة الصوتية Voice authentication.
للصوت لدى البنك دون سرقة 249 مليون جنيه إسترليني (308.5 مليون دولار) في عام 2021.
مسح بصمات الأصابع
منذ التوقف عن استخدام الحبر في سبعينات القرن العشرين، أصبحت المقاييس الحيوية لبصمات الأصابع شائعة لتحديد الهوية، خاصة في تأمين الهواتف الذكية. اخترع مكتب التحقيقات الفيدرالي Federal Bureau of Investigation (اختصاراً: المكتب FBI) واستخدم أول ماسحات ضوئية حديثة واستخدم الضوء لالتقاط صورة رقمية لبصمات الأصابع وتحويل منحنياتها وتلالها إلى رمز ثنائي يتكون من الآحاد والأصفار. يمكن بعد ذلك أن يُنسب هذا الرمز الثنائي الفريد إلى فرد بعينه. بمرور الزمن، تطورت هذه التقنية إلى ماسحات ضوئية سعوية لبصمات الأصابع تستخدم تقنية الشاشات اللمسية لإنشاء بصمة رقمية باستخدام مجسات كهربائية. أسفل شاشة هاتفك الذكي أو جهازك اللوحي، توجد مكثفات Capacitors صغيرة مخزّنة للكهرباء، والتي تنشئ خريطة مؤلفة من نقاط الاتصال الصغيرة. عند وضع إصبع على الخريطة، تفعّل حواف بصمات الأصابع المجسات لإنشاء نمط يمكن تحديد هوية صاحبه.
بصمات الأصابع ليست الخاصية الوحيدة على يديك التي يمكنها تحديد هويتك. فيما يعرف بمطابقة الأوردة Vein matching أو التعرف على نمط الأوردة، ابتكر العلماء طريقة لتحديد هوية الأشخاص بناءً على الترتيب الفريد للأوردة في أصابعهم. بطريقة مشابهة لكيفية عمل أخذ البصمات بصرياً، تُسقط مطابقة الأوردة ضوء الأشعة تحت الحمراء على أحد الأصابع للكشف عن شبكة الأوردة المترابطة قبل أن يلتقطها مجس التصوير لإجراء المقارنة.
التعرف على الوجوه
سرعان ما صار من المعتاد أن يفتح الناس هواتفهم الذكية بمجرد النظر باتجاهها. يعود مفهوم التعرف على الوجوه Facial recognition إلى خمسينات القرن التاسع عشر، عندما صوّر المجرمون المشتبه بهم والمحكوم عليهم لحفظ السجلات المستخدمة لتحديد هوية الهاربين. بعد 170 عاماً أو نحوها، صار التعرف الرقمي على الوجوه وسيلة بارزة لتحديد هوية الشخص بدقة. يعمل التعرف على الوجوه بالطريقة نفسها التي يتعرف بها دماغنا على الأشخاص بناءً على المعلومات الواردة من العينين. داخل العينين، تحسب خوارزميات الملامح المختلفة للوجه، مثل المسافة بين العينين، وعرض الأنف وطول الفك لبناء ”بصمة للوجه“ Faceprint، والتي تعمل كقالب يستخدم لمقارنة الصور أو اللقطات وإتمام التطابق.
ليست المقاييس الحيوية للوجه دقيقة بنسبة %100 طوال الوقت. فمثلاً، يعتمد التعرف على الوجوه على مقارنة صورتين للوجه لإجراء تطابق. ولكن من الطبيعي أن تتقدم وجوهنا في العمر وتتغير ملامحها جسدياً بمرور الوقت. وأظهرت بعض الدراسات أن بعض برمجيات التعرف لا يمكنها العمل عند محاولة مطابقة الوجوه التي ربما ظهرت عليها التجاعيد. في بعض الحالات، كانت خمس سنوات من التقدم في العمر كافية لتعطيل بعض تلك البرمجيات. يبدو أن عِرق الشخص أو مجموعته الإثنية له دور أيضاً في قدرة بعض الخوارزميات على التعرف على وجهه. في عام 2018، اكتشف الباحثون أن إحدى برمجيات التعرف على الوجوه أخطأت في تصنيف النساء السود في نحو %35 من الحالات.
التعرف على الشبكية
اختُرع التعرف على شبكية
العين في عام 1994.
لا ينبغي الخلط بين التعرف على شبكية العين والتعرف على قزحية العين ،Iris recognition والذي يستخدم ضوء الأشعة تحت الحمراء لإضاءة الأنماط والتفاصيل الفريدة في قزحية العين، أي النسيج الملون، قبل أن تلتقط كاميرا صوراً لهذه الأنماط الفريدة. وبعد ذلك، تُقارن الصور بصور مرجعية لتحديد التطابق.
مصادقة الصوت
بالطريقة نفسها التي يمكن بها استخدام بصمات الأصابع والملامح الوجهية لتحديد هوية الشخص، يمتلئ حديثنا بعلامات فريدة لتحديد الهوية. يحول برنامج التعرف على الصوت نغمة الصوت إلى بيانات رقمية. فيما يُعرف أيضاً بالبصمة الصوتية ،Voiceprintيسجّل الصوت البشري ويحوّل عبر محرك حسابي بيولوجي إلى ما يُعرف بـ”القالب“ Template. ويتكون هذا القالب من العلامات المميزة في صوت الشخص، مثل حدة وإيقاع Cadence ونبرة الصوت. أثناء عملية مصادقة الصوت، يقارن القالب بصوت المتحدث لتأكيد التطابق أو نفيه.
ولكن صوتك ليس هو الطريقة الوحيدة لتحديد هويتك باستخدام فمك. طوّر باحثون من جامعة كيوشو Kyushu University اليابانية مجسات يمكنها تحليل المركبات الكيميائية في أنفاسنا وتحديد مصدرها. تعمل مصفوفة المجسات الشمّية، باعتبارها أنفاً اصطناعياً، على اكتشاف وقياس 28 مركباً تُطلق في النَفَس الواحد. باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، أنشئ ملف تعريف للتنفس بواسطة 6 مشاركين في الدراسة. بمرور الوقت، يمكن لبرنامج الذكاء الاصطناعي تحديد هوية كل مشارك بدقة بنسبة %97.8 في اختبارات النَّفَس اللاحقة.
البصمة الوراثية
باعتباره مخططاً لجسم الإنسان، يقدم الحمض النووي DNA أدق طريقة لتحديد هوية شخص ما. نتشارك نحن البشر %99.9 من بنيتنا الجينية، في حين تكشف نسبة %0.1 المتبقية عن خصائصنا الموروثة الفريدة. تُعرف الاختلافات الفريدة في حمضنا النووي DNA بتعددات الأشكال Polymorphisms، والتي تتكون من تسلسلات متكررة بسيطة للمعلومات الجينية، تُعرف باسم التكرارات الترادفية القصيرة Short tandem repeats (اختصاراً: الترادفات STRs). لا ترمز هذه إلى أي سمات معينة يمكن التعرف عليها، لكنها تختلف من شخص إلى آخر. وعن طريق قياس أطوال وتواترات التكرارات الترادفية القصيرة يمكن للعلماء أن يكتشفوا بدقة مدى تطابق عينتين جينيتين.
استكشفت بعض الدراسات إمكانية الجمع بين تقنية التعرف على الحمض النووي DNA وطرق المقاييس الحيوية الأخرى. في السيناريوهات التي تكون فيها أصول عينة الحمض النووي DNA موضع تساؤل، أظهر الباحثون إمكانية أخذ معلومات وراثية وإعادة بناء صورة الشخص بناءً عليها. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يطوّر باحثون في معهد الرياضيات والمعلوماتية الهولندي Centrum Wiskunde & Informatica برمجيات تستخدم ترميز الحمض النووي DNA لإعادة بناء وجه الشخص. يسعى الذكاء الاصطناعي إلى تكرار مظهر أو خصائص الوجه، والمعروفة أيضاً بالسمات المظهرية (الظاهرية) Phenotypic traits، والتي يُتوقع أن تتشكل عن طريق التطور الجنيني الطبيعي بناءً على البنية الجينية لهذا الشخص. فيما يشبه إلى حد كبير الطريقة التي يستخدم بها فنان الرسومات التخطيطية Sketch artist المعلومات التي يقدمها الشاهد لرسم مشتبه به، يستخدم الذكاء الاصطناعي الحمض النووي DNA لرسم صورة رقمية للمشتبه به لتحديد هويته.
حقيقي أم مزيف؟
كيف تعرف أن بصمة الإصبع أو الصوت حقيقية؟ مع تقدم تقنيات المقاييس الحيوية، تزداد كذلك الأساليب الاحتيالية المصممة لخداعها. في عملية التعرف على الوجوه، مثلاً، كيف تعرف برمجيات المقاييس الحيوية أن الشخص الجاري التعرف عليه حقيقي وليس صورة منسوخة أو مقطع فيديو لذلك الشخص. لمنع مثل هذا النشاط الاحتيالي، زودت المقاييس الحيوية بأنظمة تسمى اكتشاف المباشرة Liveness detection. ويُشار إلى هذه الأنظمة باعتبارها أنظمة نشطة أو سلبية. تتطلب الأنظمة النشطة من شخص ما إكمال مهام معينة، مثل الرَّمش أو إمالة رأسه لإثبات ”مباشرته“، في حين أن الأنظمة السلبية لا تتطلب من الشخص فعلاً، وكثيراً ما تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور لتقييم ”المباشرة“.
بصمات أصابع فريدة، مثل الغوريلا والشمبانزي والكوالا.
استخدامات المقاييس الحيوية
إنفاذ القانون LAW ENFORCEMENT
كثيراً ما تُستخدم عمليات مسح بصمات الأصابع والتعرف على الوجوه وتحليل الحمض النوويDNA من قبل سلطات إنفاذ القانون خلال التحقيق في الجرائم، سواء في البحث عن المشتبه بهم من خلال التعرف على الوجوه أم لتأكيد مكان وجود المشتبه به عن طريق أدلة الحمض النووي .DNA
أمن المطارات AIRPORT SECURITY
صارت تكنولوجيا المقاييس الحيوية شائعة ضمن الإجراءات الأمنية المتبعة في أماكن مثل المطارات. يستخدم التعرف على الوجوه في معظم أنحاء العالم للتحقق من هويتك مقارنة بجواز سفرك عند دخول أي بلد.
الخدمات المصرفية BANKING
تتسم برمجيات التعرف على الصوت بتطورها في القطاع المالي. كطريقة موثوق بها لتحديد الهوية يمكن استخدامها عبر الهاتف، يمكن لبصمات الصوت المصادقة على هوية العملاء بسرعة عند اتصالهم هاتفياً.
الرعاية الصحية HEALTHCARE
يمكن للمقاييس الحيوية أن تفتح الأبواب في صناعة الرعاية الصحية. قد يسمح استخدام الوجه أو بصمة الإصبع أو الصوت، إما كوسيلة للوصول إلى بيانات الرعاية الصحية عن بُعد أو عبر الهاتف أو في حالات الطوارئ، بالوصول الآمن والسريع إلى السجلات الطبية.
الاستخدامات التجارية COMMERCIAL
يتخلى الناس بسرعة عن حافظات نقودهم لصالح الهواتف الذكية كوسيلة لدفع ثمن البضائع. سواء بإلقاء نظرة سريعة على كاميرا هواتفهم أو بمسح سريع لبصمات الأصابع، فإن المحافظ الرقمية مثل غوغل باي Google Pay أو أبل باي Apple Pay تجعل الوصول إلى أموالنا أسهل بكثير.
بقلم: سكوت داتفيلد