اكتشاف ”عالم خفي“ في لب الأرض
قد يكون اللب الداخلي ”المصمت“ للأرض طرياً بعض الشيء. على مدى أكثر من نصف قرن، اعتقد المجتمع العلمي أن اللب الداخلي للأرض عبارة عن كرة صلبة من سبيكة حديدية مضغوطة محاطة بلب خارجي سائل. لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن صلابة الكرة الكوكبية تتراوح من معدن صلب إلى شبه رخو إلى معدن سائل. قالت جيسيكا إيرفينغ ،Jessica Irving عالمة الزلازل بجامعة بريستول :”كلما نظرنا إليها، أدركنا أنها ليست نقطة جامدة من الحديد. وها نحن نكتشف عالماً خفياً جديداً بالكامل“.
من بعض النواحي لا يزال اللب الداخلي للأرض غامضاً، كما كان عندما نشر جول فيرن Jules Verne كتابه الخيالي ”رحلة إلى مركز الأرض“ في العام .1864 على الرغم من أن العلماء يعرفون منذ خمسينات القرن العشرين أن كوكبنا ليس مجوفاً، كما تنبأ فيرن، فإن باطن الكوكب لا يزال غير مستكشَف؛ الحرارة والضغط الهائلان أكبر من أن يمكنا أي مسبار بشري أو من صنع الإنسان من الوصول إلى هناك .تقول إيرفينغ :”ما لم يحدث شيء فظيع لكوكبنا، فلن نتمكن أبداً من رصد لب الأرض رصدا مباشرا“.
بدلاً من ذلك يعتمد الجيوفيزيائيون على الموجات الزلزالية Seismic waves التي تُحدثها الزلازل. بقياس هذه الاهتزازات الهائلة، يمكن للعلماء إعادة تركيب صورة للأحداث الداخلية لكوكب بطريقة تشبه التصوير المقطعي .CT scanتأتي هذه الموجات في نوعين رئيسين: موجات انضغاطية مستقيمة Traight-line compressional waves وموجات قصّية متموجة .Undulating shear waves يمكن لكل موجة أن تتسارع أو تتباطأ أو أن ترتد عن الأوساط المختلفة في أثناء مرورها عبر الأرض.
بالنسبة إلى ريت بتلر ،Rhett Butler عالم الجيوفيزياء في معهد هاواي للجيوفيزياء وعلم الكواكب، بدأت الدراسة كمسألة تتعلق بأرقام غير متطابقة .كان بتلر يبحث في كيفية انتقال الموجات الزلزالية الناتجة عن الزلازل الكبيرة في 5 مواقع مختلفة عبر لب الأرض إلى الجانب المقابل تماماً من الكرة الأرضية. لكن كان هناك أمر غريب؛ فالموجات القصّية للزلازل، والتي كان من المفترض أن تمر عبر كرة مصمتة من المعدن، كانت تنحرف في مناطق بعينها.
فاجأت الأرقام بتلر. وكان يعلم أن حسابات الموجات الزلزالية كانت صحيحة، مما قد يعني شيئاً واحداً فقط… أن البنية التي يعتمدها العلماء خاطئة .وقال: ”عندما تعمل في هذا المجال، عليك مطابقة البيانات مع بعضها البعض“ .أعاد الباحثون تقييم افتراضهم الأساسي بأن اللب الداخلي للأرض كان مصمتاً بالكامل .اكتشفوا أن الموجات التي رصدوها لا يمكن أن تحدث إلا إذا كان اللب يحتوي على جيوب من الحديد السائل و”الطري“ شبه الصلب بالقرب من سطحه، بدلاً من أن يكون كرة مصمتة.
كان نطاق اتساق الحديد لافتاً للنظر بنحو خاص. قال بتلر: ”لقد رأينا أدلة على أنها ليست لينة في كل مكان فحسب، بل إنها صلبة حقاً في بعض الأماكن؛ فبها أسطح مصمتة وأسطح من الحديد المذاب أو الطري. لاحظنا كثيراً من التفاصيل داخل اللب الداخلي لم نرها من قبل“. يمكن أن يُحدث هذا ثورة في فهمنا للمجال المغناطيسي للأرض .بينما يحرك اللب الخارجي السائل الدوّار المجال المغناطيسي لكوكبنا، يساعد اللب الداخلي على تعديل المجال. هذا وللكواكب الأخرى، مثل المريخ، مركز سائلا لكنها تفتقر إلى لب داخلي ومجال مغناطيسي .لذلك، يعتقد بتلر وإيرفينغ أن التوصل إلى فهم أعمق للب الأرض الداخلي سيساعد العلماء على فهم العلاقة بين باطن الكوكب ونشاطه المغناطيسي.