الهبوط بطائرة
اكتشف كيف يهبط الطيارون بأطنان من المعدن بأمان على أرضية المدرج
الهبوط بالطائرة هو الجزء الأدق في أي رحلة طيران، فهو ينطوي على تحويل مركبة طائرة إلى عربة أرضية، تعود بمئات الأطنان من الكتلة إلى الأرض دون وقوع حوادث أثناء تخفيف السرعة طوال الطريق. فالطائرات تحلق طبيعياً: ما دام كان لديها وقود كاف، فخصائصها الأيروديناميكية مصممة لإبقائها متحركة. ولتغيير هذا، فلا يتعين على الطيارين خفض قوة المحركات فحسب، بل يتعين عليهم أيضاً اعتماد “وضعية الهبوط ببطء” Dirty configuration، باستخدام السَّحْب الأيروديناميكي لتقليل السرعة.
تبدأ إجراءات الهبوط على بُعد أميال من المطار. فخلال هذا الوقت يجب إجراء تغييرات عديدة في الارتفاع والسرعة والاتجاه والإعدادات العامة للطائرة. ويتم ذلك في معظمه في “المجال الجوي المخصص للهبوط”، والذي تحدده مراقبة الحركة الجوية. ويُبلغ الركاب بأن إجراءات الهبوط ستبدأ، ويُطلب إليهم العودة إلى مقاعدهم وربط الأحزمة، وهو متطلب قانوني.
ففي الليل تعتّم أضواء المقصورة قبل بدء إجراءات الهبوط، وترفع ستائر النوافذ. وذلك لتقليل ارتباك الركاب أقل في حال وقوع حادث. ويقلل تعتيم الأضواء من الوهج ويعني أن تتكيف العينان بالفعل على ظروف التعتيم، كما يسمح بدخول بعض الضوء إلى المقصورة ويمكّن الركاب من اكتشاف المخاطر.
الهبوط هو عملية تتألف من مرحلتين: طريقة الهبوط، والهبوط نفسه- والذي لن يكون ناجحاً إلا إذا كان الاقتراب Approach جيداً. فخلال مرحلة الاقتراب، يُبطئ الطيارون الطائرة من سرعة الطيران إلى سرعة الاقتراب، والتي يمكنهم من خلالها النزول برفق إلى سرعة الهبوط. ويسمح الطيارون للطائرة بملامسة الأرض بأقل سرعة رأسية وأفقية ممكنة.
نظراً لأن تشغيل الصمام الخانق الخلفي غير كافٍ لإبطاء الطائرة تماماً، تنتظم تغيرات الضبط الإضافية في سلسة من نقاط اقتراب محددة، والتي تشمل رفع القلابات Flaps تدريجياً، وفي مرحلة لاحقة من الإجراء، نشر مجموعة أجهزة الهبوط Landing gear. ويعود الطيار إلى زيادة قوة المحركات للتعويض عن السحب الناتج من ذلك.
يتمثل الهدف الرئيسي للطيار أثناء الهبوط بالوصول إلى مدرج الهبوط عند نقطة محددة، ويُمنح المدرج رقم من 01 إلى 36. وهذا الرقم هو بمثابة عناوين المدرج، حيث 36 تساوي 360 درجة، أو اتجاه الشمال، وهي تمكّن الطيارين من رؤية اتجاه الهبوط بسرعة، والحكم على تأثير ظروف الرياح فيه. ويمكن أن تحتوي المدارج على رقمين، 34 و16 مثلاً. ويفصل بينهما العدد 18؛ لأن المدرج نفسه يستخدم في كلا الاتجاهين.
يبدأ إجراء الاقتراب النهائي في مسار على شكل دائرة نصف قطرها 30 إلى 50 ميلاً. ويتلقى موظفو مراقبة الحركة الجوية على الأرض بيانات الطائرات المقتربة “التي سيراقبون هبوطها” من زملائهم مراقبي مسارات الطيران. وتتمثل مهمة مراقب الحركة الجوية بإيجاد مساحة للطائرة القادمة مع فصلها بصورة آمنة عن الطائرات الأخرى التي تدخل المجال الجوي المركزي؛ فهي تقترب من المنطقة نفسها، ومن الضروري توفير الفصل المطلوب بينها، وصولاً إلى مسار منفصل للدنو النهائي من المدرج.
يتطلب الدنو النهائي تصريحاً محدداً من مراقب الحركة الجوية. ففي بعض الأحيان، يتعين إلغاء الهبوط في اللحظة الأخيرة، إما بسبب إنذار طارئ من مراقبة الحركة الجوية أو بسبب تقدير الطيار. ويعرف هذا بـ“الالتفاف”- ترتفع الطائرة بزاوية حادة، مع تشغيل المحركات بكامل طاقتها، ورفع معدات الهبوط والقلابات، فيُستشعر بتسلق شديد الانحدار.
قد يكون هذا مزعجاً للركاب، لكنه في الواقع إجراء محدّد يدرّب الطيارون عليه. ويحدث هذا عادة إما لأن هناك طائرة أخرى لا تزال تشغل المدرج، أو لا تتوفر للطيارين إشارات مرئية تكفي للهبوط بأمان. ويُبلغ الركاب بالتأخيرات لئلا يظلوا في حالة ترقب وانتظار. ويُنفذ هذا من أجل سلامتهم ويوفر للطيار الوقت والمساحة اللازمين لإتمام إجراءات الهبوط، وتجنب حالات الطوارئ “الالتفافية” خلال هذه العملية. وتتحدد أنماط الانتظار مسبقاً ويمليها مراقبو الحركة الجوية في برج المراقبة.
عندما تكون المدرجات مشغولة، يشترط مراقب الحركة الجوية التزام الطيارين بسرعة جوية محددة، عادة ضمن حدود للدقة تبلغ 10 عقدات. وذلك، للحفاظ على الترتيب المتسلسل للطائرات – وهكذا يُتحكم في معدل الاقتراب من المطارات المزدحمة.
يوجه مراقب الحركة الجوية نوعين من التعليمات إلى الطيارين، والتي تُذكر قبل بدء الإجراء. فقد يُنفذ الهبوط نفسه بموجب تعليمات ارتفاع محددة يجب على الطيار اتباعها- وذلك للمساعدة على تقسيم حركة المرور. وبدلاً من ذلك، يُسمح للطائرة بالنزول وفقاً لتقدير الطيار. ويعني هذا أن الطيار هو من يقرر سرعة ومعدل الهبوط- الشرط الوحيد هو أنه بمجرد مغادرته ارتفاعاً بعينه، فلا يمكنه العودة إليه.
من الناحية التقنية، تُدار إجراءات الهبوط بواسطة نظام الهبوط الآلي Instrument landing system (اختصارا: النظام (ILS، والتي تستخدم المنارات الراديوية الموجودة على الأرض لتوجيه الطائرة إلى أسفل بدقة هائلة. ويتبع نظام الهبوط الآلي مسار انزلاق Glide path معين يساعد الطائرة على اتباع زاوية “مثالية” بدقة ثلاث درجات نسبة إلى المدرج.
كثيراً ما يدعم رادار نظام الهبوط الآلي نظامٌ للإنارة الأرضية Approach lighting system (اختصارا: النظام (ALS – أي الأشرطة ضوئية، والمصابيح الضوئية، وما إليها، التي توجد عند بداية المدرج. ويقدم النظام مساعدة ضرورية للطيارين، فيساعدهم على التحول من الطيران بمساعدة الأجهزة إلى الطيران البصري- ويسمح أيضا بزيادة نطاق تشغيل المطار لأنه يعتبر جزءاً من “الدنو البصري” Visual approach. ويجب أن يتمكن الطيارون من رؤية ثلاثة أرباع ميل من المدرج: في وجود نظام إنارة أرضية عالي الكثافة، يمكن تقليل هذا إلى نصف ميل أو أكثر إذا امتدت الأضواء إلى أجزاء من المدرج.
يحبس العديد من الركاب أنفاسهم خلال الثواني الأخيرة قبل الهبوط. قبل أن تلمس الطائرة الأرض مباشرة، وترتفع مقدمتها. وهذا ما يسمى “ارتفاع الهبوط النهائي” Flare، ويعني أن عجلات الهبوط الرئيسية تلامس الأرض أولاً. ففي الهبوط المثالي تلامس العجلات الأرض في نفس توقيت انخفاض الأجنحة تماماً و“تتوقف” الطائرة. فالشعور بالتحكم في مئات الأطنان من الكتلة بهذه الطريقة الدقيقة هو شعور يبعث على الرضا.
وعندما تلامس العجلات الخلفية الأرض، لا يخفض الطيار مقدمة الطائرة- فهي تسقط من تلقاء نفسها. وهي تفعل ذلك لأنه مع فقدان الطائرة لسرعتها، تستمر آليات توجيه الطائرة بفقدان فعاليتها حتى تتمكن الجاذبية من السيطرة. وبمجرد أن تصير جميع العجلات على الأرض، تكون الطائرة في وضع السير بالقصور الذاتي Rollout mode.
هنا تتحوّل الطائرة إلى آلة أرضية- ويجب إيقافها قبل نهاية المدرج. ففي الطائرات الضخمة، الطريقة الأولى لأداء ذلك تتمثل برفع المزيد من القلابات لزيادة السحب أثناء انخراط المحركات النفاثة في الدفع العكسي. ومع تزايد القوى، يزداد الضغط على معدات الهبوط.
بمجرد وجود كتلة كافية تضغط على العجلات، يمكن للطيار تشغيل المكابح. ويشعر الركاب بهذا التباطؤ على مرحلتين في الهبوط- أولاً تزأر المحركات، وبعد ذلك تحدث هزة خفيفة مع بدء تشغيل المكابح. ويعتمد طول عملية السير بالقصور الذاتي هذه على وزن الطائرة، وميلان وحالة وارتفاع مدرج الهبوط، ودرجة الحرارة المحيطة، وفعالية المكابح، وأسلوب الطيار.
وفي الواقع يمكن للطيار الآلي تنفيذ الإجراء الكامل حتى الهبوط والسير بالقصور الذاتي. وما لا يستطيع الطيار الآلي فعله هو التحكم في السير بالطائرة على الأرض Ground taxi؛ يُنفذ الطيار ذلك دائماً، باستخدام توجيهات طاقم التحكم الأرضي. فعلى الأرض تُدرِّج الطائرة إلى موقعها النهائي، حيث يمكن للركاب النزول.