انتهى العصر الترياسي بانقراض جماعي “مفقود”
بقلم: براندون سبيكتور
قبل فجر عصر الديناصورات هطلت أمطار غزيرة على القارة العظمى بانغيا Pangaea، وظلت تمطر إلى أكثر من مليون سنة. وحدثت موجة الأمطار الملحمية هذه، المعروفة الآن بالحادثة الكارنية المطيرة Carnian Pluvial Episode (CPE)، منذ نحو 233 مليون سنة وكانت بمثابة تحول صارخ عن الظروف القاحلة المعتادة في أواخر العصر الترياسي Triassic Period. ولكن العواصف لم تكن التغير الوحيد الذي شهدته الأرض. وتشير الأدلة الأحفورية الحديثة إلى أن الحادثة الكارنية المطيرة كانت حدثاً رئيسياً للانقراض، مدفوعة بالانفجارات البركانية والتغير المناخي؛ مما قضى على ثلث الأنواع البحرية، إضافة إلى عدد كبير من النباتات والحيوانات.
لا يرتقي حدث الانقراض “المفقود” هذا إلى عدد الوفيات في حالات الانقراض الجماعي الخمس الكبرى التي يناقشها المجتمع العلمي عادة- ربما يكون حدث الانقراض البرمي-الترياسي Permian-Triassic extinction event، الذي حدث أبكر بنحو 20 مليون سنة فقط، قد قضى على %90 من الأنواع الحية، مثلاً. ومع ذلك، فلا تقتصر أهمية الحادثة الكارنية المطيرة على ما فُقد، بل تمتد كذلك إلى ما اكتُسب. وبعيداً عن مجرد كونها فترة للموت، كانت الحادثة الكارنية المطيرة فترة “تبديل”، مما مهد الطريق بشكل فعال لسيادة الديناصورات وتطور العديد من مجموعات الحيوانات الأرضية التي لا تزال تجوب الأرض حتى اليوم.
قال جاكوبو دال كورسو Jacopo Dal Corso، أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الصينية لعلوم الأرض في ووهان، “إن السمة الرئيسية لـلحادثة الكارنية المطيرة هي أن الانقراض أعقبه بسرعة كبيرة انتشار إشعاعي Radiation من الأنواع الجديدة. ظهر عدد من المجموعات التي لها دور محوري في النظم الإيكولوجية الحالية أو التي تنوعت لأول مرة في المرحلة الكارنية Carnian، وهي مرحلة ضمن العصر الترياسي استمرت من 237 إلى 227 مليون سنة مضت”.
وتشمل هذه المجموعات الشعاب المرجانية الحديثة والعوالق في المحيطات، فضلاً عن ظهور الحيوانات البرية مثل الضفادع والسحالي والتماسيح والسلاحف ومجموعة جديدة متنوعة من الديناصورات، والتي ازدهرت على مدى 150 مليون سنة قادمة. وظهرت الصنوبريات Conifers أيضاً لأول مرة خلال الكارني، مما عمّق جذور العديد من النظم الإيكولوجية الحديثة واستهل “فجر العالم الحديث”.
ولكن، ما الذي تسبب في هطول الأمطار التي غيّرت العالم في المقام الأول؟ من الصعب أن نعرف ذلك على وجه اليقين، لكن مؤلفي دراسة جديدة يعتقدون أن الإجابات قد تكمن في حقل الحمم البركانية الممتد على مستوى قارة، والمعروف بتضاريس رانغيليا Wrangellia Terrane، والذي يمتد إلى آلاف الأميال عبر الساحل الغربي لكندا الحديثة. وتشكلت هذه المنطقة البركانية الهائلة بفعل النشاط البركاني العنيف خلال الكارني، وتداخلت، جزئياً على الأقل، مع الحادثة الكارنية المطيرة.
تقدر الدراسات السابقة أن تلك الثورات البركانية الهائلة أطلقت ما لا يقل عن 5,000 غيغا طن من الكربون في الغلاف الجوي- أي أكثر بمئات المرات من الانبعاثات العالمية السنوية الحالية- مما سبب على الأرجح التغير المناخي الشديد الذي أعقب ذلك. وصار العالم أكثر رطوبة بكثير، وصارت الأمطار الغزيرة هي القاعدة، وازدادت حموضة المحيطات وماتت أنواع بكاملها بأعداد كبيرة، مما مهد الطريق لظهور نباتات وحيوانات جديدة غريبة، والتي تولت زمام الأمور ببطء. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم النطاق الكامل لـلحادثة الكارنية المطيرة ومسبباتها المحتملة.