قد يكون الاصطدام المكتشَف حديثاً هو الأكبر في تاريخ درب التبانة
بقلم: براندون سبيكتور
تحتوي مجرة درب التبانة Milky Way على أكثر من 100 بليون نجم، لكنها لم تنشأ فعليا في المجرة نفسها. ففيما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة على مدى الـ 12 بليون سنة الماضية، اصطدمت مجرة درب التبانة بمجرة مجاورة والتهمتها، وابتلعت نجوم تلك الجارة وخلطتها بحساءٍ متنامٍ باستمرار من الشموس المسروقة.
مع كل اندماج مجري جديد، تغير شكل وحجم وحركة مجرتنا إلى الأبد، وصارت في النهاية الحلزون الأيقوني الذي نعرفه اليوم. وقد حاولت دراسة حديثة فهم هذا الدوامة. وباستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) لمطابقة مجموعات متميزة من النجوم حسب أعمارها وحركاتها وبنيتها الكيميائية، وجد الفريق دليلاً على خمسة اندماجات مجرية واسعة النطاق، ضم كل منها 100 مليون نجم أو أكثر، والتي يرجع تاريخها إلى أكثر من عشرة بلايين سنة، بما في ذلك اصطدام قديم لم يوصف من قبل.
هذا الانهيار المكتشف حديثاً مع ما يسمى مجرة كراكن Kraken galaxy لا يساعد فقط على ملء بيانات شجرة العائلة الغامضة لمجرة درب التبانة، بل يمكن أيضاً أن يساعد علماء الفلك على تصوّر شكل مجرتنا في أيامها الأولى. وقال ديدريك كرويسن Diederik Kruijssen، عالم الفلك من جامعة هايدلبرغ في ألمانيا: “لا بد أن الاصطدام بمجرة كراكن كان أهم اندماج شهدته مجرة درب التبانة على الإطلاق. وقع الاندماج مع مجرة كراكن منذ 11 بليون سنة، عندما كانت مجرة درب التبانة أقل حجماً بمقدار الربع مما هي عليه الآن. ونتيجة لذلك، لابد أن الاصطدام قد غيّر الشكل الذي كانت عليه مجرة درب التبانة في ذلك الوقت”.
استخدم كرويسن وزملاؤه المحاكاة الحاسوبية لتحليل جميع العناقيد الكروية المعروفة- وهي الكرات القديمة والكثيفة المحتوية على ما يصل إلى مليون نجم، والتي تشكلت جميعاً في الوقت نفسه تقريباً- داخل مجرة درب التبانة. وتستضيف مجرتنا ما لا يقل عن 150 من هذه العناقيد، والتي يعتقد علماء الفلك أنها “أحافير” لمجرات قديمة التهمتها مجرة درب التبانة على مدار تاريخها الطويل والجائع.
درب الباحثون خوارزمية ذكاء اصطناعي للتعرف على العناقيد الكروية بناءً على الخصائص المشتركة للنجوم، فأجروها في البداية على آلاف المجرات المحاكاة. بمجرد أن تمكنت الخوارزمية من التنبؤ بدقة بتشكّل وتطوّر وتدمير العناقيد الكروية في تلك المجرات المتخيّلة، جرّب الفريق خوارزمية الذكاء الاصطناعي على مجرتنا.
باستخدام البيانات التي جمعها مسبار غايا الفضائي Gaia space probe- الذي زودنا بالخريطة الأكثر اكتمالا لمجرة درب التبانة- حللت الخوارزمية الأعمار والحركات والبنى الكيميائية للعناقيد الكروية المعروفة في مجرتنا لإعادة تكوين الاندماجات الكونية. وتنبأ تحليل الفريق بدقة بأربعة اندماجات معروفة في ماضي مجرة درب التبانة. ربما كان الارتطام بمجرة كراكن أكبر وأقدم ارتطام مجرّي في تاريخ درب التبانة. وحدث الاندماج عندما كانت درب التبانة مجرد جزء صغير من حجمها الحالي، وربما أضافت إلى مجرتنا 13 عنقوداً كروياً لا يزال بالإمكان التعرف عليها حتى اليوم.
لا يمثل هذا الاندماج المكتشف حديثاً سوى قطعة صغيرة واحدة من الأحجية. ونظراً لأن الطريق إلى تشكل المجرات ممتلئ باصطدامات مثل هذه، فمن المرجح أن العديد من الاندماجات الصغيرة قد ساهمت أيضاً في تشكّل مجرة درب التبانة التي نعرفها اليوم. ويعتقد علماء الفلك أن ماضي مجرتنا يحتوي على ما لا يقل عن 15 عملية اندماج أخرى، والتي أضاف كل منها عشرة ملايين نجم أو أكثر، والتي لا تزال بقاياها في انتظار العثور عليها في الأحشاء الكروية لمجرتنا.
لدى علماء الفلك نحو 3 أو 4 بلايين سنة لاستكشاف ذلك. وبعدها سيحدث اندماج آخر مغيّر لشكل المجرة، عندما تصطدم مجرة المرأة المسلسلة Andromeda- التي تبعد حالياً 2.5 مليون سنة ضوئية- بمجرتنا درب التبانة في نهاية المطاف. أليس هذا ما يحدث دائماً: بمجرد أن تظن أنك تعرف مجرة ما، فإذا بها تتغيّر أمام ناظريك مرة أخرى.