بقلم: سكوت داتفيلد
يحلق الطير الجارح في السماء، ممتطيًّا بجناحيه الريح برفق، وعيناه مثبتتان على الأرض أدناه. وعندما تُظهر الفرصة نفسها، يتحول هذا الاستعراض الرشيق إلى انقضاض مثير باتجاه الأرض. وبمخالبه ممدودة، يصل الطير الكاسر إلى وجبته، فيوجه إليها ضربة مميتة أثناء هبوطه. ومن بين المفترسات، فهي من أكثرها كفاءة وتكيّفاً في عالمنا. ففي الوقت الحالي، هناك 557 نوعاً تصنّف على أنها طيور جارحة. فمن النسر الذهبي العظيم إلى بومة الحظيرة المتواضعة، هذه الطيور مجهّزة على نحو مثالي لتشكيل مجموعة تصنيفية من الصيادين القتلة.
يغطي الاسم الشائع الاستخدام «طير جارح» Raptor نوعين من الكواسر: الصقريات، والبوميات. ويشمل الأول غالبية الطيور الجارحة التي تصطاد خلال النهار، مثل الصقور والنسور، في حين أن البوميات هي في الغالب مفترسات ليلية، مثل البوم. وما يوحِّدها هو قدرتها على استخدام خصائصها الفسيولوجية المميزة للقنص من السماء. ولكن ما الذي يجعل هذه الطيور بالفعل مفترسات مرعبة؟
مخالب ذكية
من أكثر الخصائص المؤهلة للطيور الجارحة هي امتلاكها لمجموعة من البراثن المخيفة. وباعتبارها كواسر واسعة الحيلة، تأتي الطيور الجارحة مزودة بأربعة مخالب حادة تُنشبها في جسم فريستها، فتمزق لحمها خلال صيدها. ومع ذلك، فهي أكثر من مجرد مجموعة بسيطة من السكاكين؛ فالنسور، مثلاً، لها مخالب مصممة بشكل رائع لتتناسب مع عاداتها الغذائية. عادة ما تمتلك النسور والعديد من الطيور الجارحة الأخرى ثلاثة أصابع تتجه إلى الأمام وواحد يتجه إلى الخلف؛ مما يجعلها مثالية للإمساك بفرائس مثل الفئران أو الأرانب. ومع ذلك، فالنسر الرمادي الرأس يتغذى بالأسماك، ومن ثمَّ تطوّر في قدمه إصبعان يتجه أحدهما إلى الأمام والآخر إلى الخلف. ويمكّنه هذا من التشبّث بقشور الأسماك الزلقة. ولا تحتاج جميع الطيور الجارحة إلى مخالب ذات قبضة خانقة. عندما تكون الفريسة ميتة، لا داعيَ لأن تمتلك قدمين يمكنهما الإمساك بها، وهو أمر اعتاد عليه العُقاب، فقدماه أكثر ملاءمة للوقوف لفترات طويلة من الزمن؛ مما يمكنه من البحث عن الجيف.
عين الصقر
عند التحليق في السماء، تستخدم الطيور الجارحة بصرها الثاقب لتحديد موقع وجبتها التالية. ويعتقد أن بعضها يستطيع تمييز فريسة متوسطة الحجم من مسافة تصل إلى 1.6 كم. وينتج هذا البصر الحاد من الرؤية بالعينين. وتوجد عينا معظم أنواع الطيور الأخرى على جانبي رأسها، لكن الطيور الجارحة لها رؤية أمامية؛ مما يسمح لها بالتركيز على فرائسها مع الاحتفاظ بمجال رؤية بزاوية 340 درجة.
عادة ما يمتلك البشر رؤية 20/20؛ مما يعني أنهم يرون بوضوح على مسافة 20 قدماً (6.1 متر) ما يجب أن يُرى عادة على بُعد 20 قدماً. لكن الطيور الجارحة، مثل الصقور، تتمتع برؤية 20/5؛ مما يسمح لها برؤية شيء على بعد 20 قدماً يراه الإنسان عادة على بعد خمس أقدام (1.5 متر). والقدرة على اكتشاف الفريسة من هذه المسافة تمنح هذه الطيور الجارحة أفضلية كبرى أثناء الصيد. وعلى الرغم من أننا ندرك عادة أن تحليق الطائر الجارح في دوائر يعني انهماكه في الصيد، فإن هذه القدرة البصرية المذهلة تسمح لبعض الطيور باستهداف فرائسها من قمم الأشجار، وهي طريقة تسمى «الصيد الثابت». وقد أتقنت الصقور الحوامة هذه التقنية، وتكمن مترقبة بصمت أدنى حركة لحيوان ثديي صغير في الأسفل.
ومع ذلك، فليست الحركة وحدها هي ما يمكن أن تتعرف عليه الطيور الجارحة. وبفضل قدرتها على رؤية الضوء فوق البنفسجي، يمكن لهذه الطيور أيضاً تتبّع فريستها التالية عن طريق مكونات الأشعة فوق البنفسجية في بولها. وكل هذا يتطلب عينين نظيفتين تتمتعان بصحة جيدة، وللحفاظ على عينين ثاقبتين ورطبتين، تمتلك هذه الطيور غشاء رمّاشا يمسح مقلتي العينين، على غرار مساحات السيارة.
طيارون محترفون
تعمل أجنحة الطير الجارح كمحرك طبيعي، فتحلق به عبر السماء وتسمح له بالتنقل عبر التيارات الهوائية. ويتكون الريش في أجنحته من بروتين ليفي يسمى الكيراتين، وهو المادة نفسها الموجودة في شعر الإنسان وأظافره. وتشبه هذه الطبقات حراشف من الريش، تتباين في الحجم والشكل، وتؤدي أدواراً مختلفة لضمان تحقيق طيران سلس. وريش الطيران الأساسي والثانوي الأكبر حجماً، والموجود عند أطراف الجناحين يدفع الطائر عبر الهواء ويُبقيه مُحلقاً. ومع ذلك، يؤدي ريش ذيل الطائر الجارح دور المكبح والموجّه، بطريقة مماثلة لموجّه دفة القارب. وعلى الرغم من ذلك، فإن السلوكيات المختلفة للطيور الجارحة تتطلب أشكالاً وأحجاماً مختلفة من الأجنحة.
ويقضي العقاب النسري وقتاً طويلاً في التحليق عالياً فوق البحار، ولذلك له جناحان طويلان مستديران، في حين أن الصقور، التي هي أكثر سرعة ونشاطاً، تمتلك أجنحة أقصر وأضيق. ومع ذلك، وعلى الرغم من هندستها المثيرة للإعجاب، فلا هذا الطير ولا ذاك (ولا أي طائر آخر بالمناسبة) يمكنه أن ينافس ملك السرعة: الباز. هذا الصياد المذهل من أسرع الكائنات على الأرض، وأسرع أنواعه هو الشاهين، الذي يمكنه الانقضاض بسرعة تزيد على 321.9 كم/الساعة. وتتيح هذه السرعة وخفة الحركة للباز أن يصطاد الطيور الأخرى في وسط الجو. وعندما ينقض لصيد حمامة، يقبض الشاهين على فريسته الطائرة في مناورة توصف بـ«الالتحام» قبل جلبها إلى عشه الوثير لالتهامها.
طيور قادرة على العضّ
وفي بداية حياتها تولد الطيور الجارحة مزودة «بسن البيضة» في قمة مناقيرها، التي تستخدمها لاختراق قشرة بيضتها. ومع نمو الفراخ يتطور لديها المنقار المعقوف المميّز للطيور الجارحة، الذي سرعان ما تستخدمه في تمزيق اللحم، فتقطعه حوافها الحادة مع كل عضة. وعلى الرغم من أن جميع الطيور الجارحة صيادة شرسة، فلكل منها تفضيلات لأنواع مختلفة من الطعام. ويستمتع بعضها بلحوم الثدييات في حين يفضل البعض الأسماك، وكما هي الحال مع مخالبها، فقد تكيفت مناقيرها لتناسب فرائسها. هناك حتى أنواع منها تلتهم الحيوان بكامله، بما في ذلك العظام وكل شيء.
يتألف نحو %80 من طعام النسر أبو ذقن من العظام، ولذلك يجب أن يكون منقاره قويًّا بشكل خاص لتكسيرها. ربمّا لا يبدو هذا طعاماً مغذيًّا، لكن المغذيات تكمن في النخاع الغني بداخل عظام الحيوانات التي يقتات بجيفها. وعلى الرغم من أن مناقيرها قوية بما يكفي لتأدية المهمة، تستخدم هذه الطيور أيضاً طريقة أخرى لتكسير العظام: فهي تجمع العظام ثم تُلقي بها وهي لا تزال محلقة في الجو لتفتيتها. وبمجرد تكسيرها، يسهل فصل العظام عن بعضها البعض، حيث يبتلع العُقاب أجزاء كاملة من العظم قبل أن يفتتها حمض المعدة الشديد الحموضة.
التحكم في زمام الأمور
الطيور الجارحة هي من بين بعض أكبر الطيور القادرة على الطيران على كوكبنا، ومن ثمَّ تحتاج إلى أعشاش كبيرة لتربية صغارها. وتُعرف هذه البنى الخشبية الشاهقة بـ«الأوكار»، وتبنيها في أعالي الأشجار، وفوق قمم الجروف، وحتى على أعمدة الهاتف. باعتبارها طيراً أحادي الوليف، يقوم زوجا العقاب النسري برعاية ذريتهما السنوية معاً في العش نفسه لمدة 20 سنة. وقد يبلغ عرض بعض هذه الأعشاش المبتكرة ما بين 1.2 و 1.5 متر، وبمرور السنين يُضاف المزيد والمزيد من المواد إلى العش، حتى يصل طوله في بعض الأحيان إلى ما يقارب المترين.
وتميل الأنواع الأصغر من الطيور الجارحة إلى احتضان صغارها لمدة 28 يوماً تقريباً، في حين تجثم الطيور الأكبر حجماً مثل النسر الذهبي على بيضها لمدة 45 يوماً تقريباً. ومثل فترة الحمل، يتباين وقت مغادرة الفراخ للعش باختلاف حجمها. يمكن للطيور الجارحة الصغيرة أن تغادر العش في غضون 28 يوماً تقريباً، في حين قد تستغرق الطيور الكبيرة ما يصل إلى شهرين ونصف الشهر.