داخل آلة اندماجية عملاقة
سيمهد المفاعل Jt-60sa الطريق لجعل الاندماج النووي مصدراً عملياً للطاقة في المستقبل
في كل ثانية، تحوّل الشمس نحو 550 مليون طن
من الهيدروجين إلى 515 مليون طن من الهيليوم.
قطع العلماء الخطوة الكبيرة التالية في تكنولوجيا الاندماج النووي Nuclear Fusion Technology بتشغيل المفاعل الياباني توروس60- الفائق التطور Torus-60 Super Advanced (اختصاراً: المفاعل Jt-60sa)، وهو حامل الرقم القياسي الحالي لأكبر توكاماك Tokamak في العالم. يقع التوكاماك في المعاهد الوطنية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا الكمّية National Institutes For Quantum Science And Technology (اختصاراً: المعاهد Qst)، وقد أنتج كميات من البلازما Plasma تصل إلى 135م3، وأنشئ بالتعاون بين برنامج الاندماج لتوليد الطاقة Fusion For Energy التابع للاتحاد الأوروبي والمعاهد الوطنية للعلوم والتكنولوجيا الكمية. تأتي كلمة ”توكاماك“ من اختصار روسي يعني ”الغرف الحلقية ذات الملفات المغناطيسية“، ومثل المفاعلات من نوعه، يولد المفاعل Jt-60sa الطاقة بتسخير قوة تفاعلات الاندماج النووي. ولتحقيق ذلك، يُحقن وقود من الديوتيريوم والهيدروجين الفائق السخونة في حجرة مُفرَّغةVacuum Chamber على شكل كعكة الدونات في قلب الآلة، والتي يُتحكم فيها بواسطة ملفات من مغناطيسات فائقة التوصيل. يتسبب المجال المغناطيسي القوي في دوران الوقود في حلقة ساخنة، تُعرف بالبلازما Plasma، حول القلب. يجبر العنصران على الاتحاد معاً حتى تتفكك مجالاتهما المغناطيسية الذرِّية، وتندمج الذرات لتكوين ذرة هيليوم جديدة. وهذه أيضاً هي الطريقة التي تحول بها الشمس الهيدروجين إلى هيليوم.
إلى جانب ذرات الهيليوم الجديدة، يولد إنتاج البلازما أيضاً كمية هائلة من الطاقة كمنتج ثانوي، على شكل ضوء وحرارة. يستطيع المفاعل Jt-60sa حصر حلقة من البلازما في درجات حرارة تصل إلى 200 مليون°س. عندما تتجاوز الحرارة التي تنتجها البلازما تكلفة الطاقة اللازمة لإحداث تفاعل الاندماج، عندها يكون الاندماج النووي مصدراً عملياً للطاقة. لم يتمكن التوكاماك بعد من تحقيق هذا الإنجاز، لكن العلماء يعتقدون أنه من الممكن إنتاج ما يقدّر بالتيراجول Terajoules (تريليونات الجول) من الطاقة من بضعة غرامات فقط من الوقود. وعلى سبيل المقارنة، يمكن أن يوفر 60 كغم من الوقود الاندماجي كمية الطاقة نفسها التي يوفرها 250,000 طن من النفط.
بدأ بناء المفاعل Jt-60sa في عام 2007 واكتمل في عام 2020. وفي 23 أكتوبر 2023، أعلن العلماء أن التوكاماك قد ولّد أول تيار ناجح من البلازما. وفي وجود المزيد من تيارات البلازما التي ستولّد والطاقة التي ستُنتج، فإن عمل المفاعل Jt-60sa يعد بمثابة اكتشاف، مما يمهد الطريق أمام توكاماك أكبر – وهو المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي International Thermonuclear Experimental Reactor (اختصاراً: المفاعل Iter). وعلى عكس المفاعل Jt-60sa، سيستخدم المفاعل Iter مزيجاً بديلاً من وقود الديوتيريوم Deuterium والتريتيوم Tritium. يُستخلص الديوتيريوم من المياه المالحة، وفي يمكن الحصول على التريتيوم من الغلاف الجوي، إلا أنه متوفر بكميات محدودة. ولكن يمكن أيضاً استخلاصه من الليثيوم عندما يتعرض لنيوترون مارق، والذي ينبعث من الاندماج النووي. ولهذا السبب، سيبني مهندسو المفاعل Iter ”بطانية“ من الليثيوم داخل التوكاماك ”لتوليد“ المزيد من وقود التريتيوم أثناء تدفق البلازما. سيكون حجم المفاعل Iter، وهو قيد الإنشاء حالياً 850 م3، ليعبأ بالبلازما. سيتأثر تصميمه وتشغيله بشكل كبير بمخرجات المفاعل Jt-60sa.
كيف تُصنع البلازما الفائقة السخونة للاندماج النووي
1 مكونات الذرة Atom Ingredients
يتعرض الديوتيريوم والتريتيوم للحرارة والضغط الشديدين.
2 البلازما Plasma
تتحد الذرتان وتندمجان معاً لتكوين بلازما فائقة السخونة ومشحونة كهربائياً.
3 الهيليوم Helium
عندما يندمج الديوتيريوم والتريتيوم، يكونان ذرة من الهيليوم.
4 نيوترون Neutron
يُطلق نيوترون عالي الطاقة كمنتج ثانوي للتفاعل الاندماجي.
5 الطاقة Energy
تقل كتلة ذرة الهيليوم عن الذرتين اللتين تندمجان معاً لتكوينها، فيتحول الفرق في الكتلة إلى طاقة.
الطريق إلى ديمو
صمّم المفاعلان Jt-60sa وiter لمساعدة العلماء على فهم المزيد عن الطاقة النووية وكيف يمكننا جعلها طريقة عملية لإنتاج الطاقة. وإذا جاء ذلك حالياً، ستدعو الحاجة إلى محطة للطاقة النووية لجمع الطاقة الاندماجية وتوزيعها. ستأتي محطة الطاقة هذه في شكل ”ديمو“ Demo، والذي سيعتمد على الدروس المستفادة في جني الطاقة من الاندماج النووي. ولتوليد إمدادات الكهرباء، سيستخدم ”ديمو“ الطاقة الحرارية الناتجة من الاندماج النووي لغلي الماء. سيدير البخار الناتج توربينات ويولد الكهرباء. يمكن بناء وتشغيل المفاعل ”ديمو“ بحلول عام 2050.
الاختراق النووي
نفّذ الاندماج النووي لأول مرة في تجارب أجراها الفيزيائي الأسترالي مارك أوليفانت Mark Oliphant. في عام 1932. ولكن حتى عام 2022، لم تظهر الإشارات الأولى على أن الاندماج النووي قد يكون يوماً ما مصدراً مُجدياً للطاقة. في 5 ديسمبر 2022، أجرى مرفق الإشعال الوطني الأمريكي National Ignition Facility تجربة للاندماج النووي استهلكت 2.05 ميغاجول من الطاقة ولكنها ولدت 3.15 ميغاجول، مما يعني اكتساب 1.5ميغاجول. على الرغم من أن هذا ليس بالكثير، إلا أنه أظهر أنه من الممكن من حيث المبدأ استخلاص طاقة من الاندماج النووي أكثر مما يستهلكه.
إنتاج البلازما
تتيح هذه المكونات عالية التقنية التحكم في الطاقة وحصدها من تفاعلات الاندماج النووي
1 حقن شعاع محايد Neutral-Beam Injection
على الرغم من أن البلازما تولّد الحرارة بالاندماج النووي، إلا أن التسخين الإضافي عبر شعاع عالي الطاقة لازم للحفاظ على درجات حرارة تصل إلى 200 مليون°س.
2 وعاء مُفرَّغ Vacuum Vessel
تولّد البلازما في وعاء التوكاماك المُفرَّغ (الخوائي) بشكل كعكة الدونات، والبالغ قطره 12م.
3 نظام الضخ المُفرَّغ Vacuum Pumping System
قبل توليد أي بلازما، تضخ محتويات الغرفة للخارج، مما يترك خواء ليحدث التفاعل الاندماجي فيه.
4 البلازما Plasma
تستخلص المجالات المغناطيسية الإلكترونات من وقود الديوتيريوم والتريتيوم لإنتاج جزيئات البلازما النشطة، والتي تتصادم وتندمج معاً.
5 مغناطيسات Magnets
يُستخدم 28 ملفاً مغناطيسياً فائق التوصيل لحصر البلازما لمدة تصل إلى 100 ثانية.
6 فائق التبريد Supercooled
تبرّد الملفات المغناطيسية إلى نحو 268-°س، مما يحولها إلى مغناطيس فائق التوصيل يولد مجالاً مغناطيسياً قوياً بما يكفي لإنتاج البلازما واحتوائها.
7 ناظم البرد Cryostat
يصنع ناظم البرد من الفولاذ المقاوم للصدأ وله جدار واحد يبلغ طوله 3 سم، ويولّد خواء حول المغناطيسات لتقليل فرصة تعرضها للحرارة الشديدة الناتجة.
8 درع حرارية Thermal Shield
تساعد الدرع الحرارية، المغطاة بطبقة رقيقة من الفضة، على منع انتقال الحرارة من الحجرة المُفرَّغة إلى الملفات المغناطيسية.
fusionforenergy.europa.eu
يخبرنا رئيس وحدة الاندماج لتوليد الطاقة للمفاعل Jt-60sa بالمزيد عن تحديات الاندماج النووي ومستقبله
■ كيف كان شعورك عند رؤية أول بلازما ينتجها المفاعل Jt-60sa؟ كانت هذه لحظة مذهلة بالنسبة لنا. وبعد 15 عاماً من العمل على هذه الآلة، وقعنا اتفاقية مع اليابانيين في عام 2007، وفي عام 2023 بدأنا فعلياً في تشغيل الآلة لأول مرة. إنه إنجاز كبير ونحن فخورون وسعداء حقاً بوصولنا إلى هذه النقطة.
■ ما أكبر التحديات التي واجهتكم في بناء المفاعل Jt-60sa وفي تطوير طاقة الاندماج النووي؟ ربما يكون التحدي الأكبر هو مواد البناء. ليس من المفهوم جيداً كيف تتفاعل المواد المختلفة تحت أحمال النيوترونات Neutron Loads الموجودة في آلة ستُصنع لتوليد الطاقة. ضمن برنامج الاندماج لتوليد الطاقة، لدينا مجموعة تهتم بالمسرّع الخطي Linear Accelerator، والذي صمّم لنتمكن من دراسة سلوك المواد بحيث نفهم بشكل أفضل كيف تتصرف المواد دون وجود جهاز اندماج فعلي لدراسة المواد. في الوقت الحالي، نحن في مراحل النماذج الأولية Prototyping Stages، لذلك هناك الكثير من العمل الذي يتوجب القيام به في هذا الشأن قبل أن نصل إلى نقطة فهم المزيد عن المواد، ولكنها خطوة حاسمة.
■ إلى متى سيستمر المفاعل Jt-60sa بإجراء التجارب ومساعدة مفاعلات التوكاماك الأخرى مثل Iter؟ أود أن أقول أنه لا يوجد في الحقيقة مدى زمني لذلك، فهو أمر نعتزم تطويره على مر السنين. في الوقت الحالي، لدينا خطط تشغيلية تستمر حتى ثلاثينات القرن الحالي وفي المستقبل. والقصد من ذلك هو أن يظل المفاعل Jt-60sa بمثابة آلة دعم للتوكاماك Iter، لذلك عندما تطرأ تغيرات على Iter، يجب أن نكون هناك ومستعدين لنكون قادرين على الاستجابة وتعديل الأمور حسب الحاجة، والتجربة وفقاً للظروف. ليست هناك نية لإغلاق الجهاز وإيقاف كل شيء، لذا فالأمر غير محدد في الوقت الحالي.