أمراض الديناصورات المميتة
من طفيليات ما قبل التاريخ إلى العداوى القديمة المنقولة بالهواء، اكتشف الأمراض التي ابتليت بها هذه الكائنات العملاقة
بقلم: جاك بارسونز
نعلم جميعاً أن التيرانوصورس ريكس Tyrannosaurus rex قد أرعب الترايسيراتوبس Triceratops على الأرض. يمكن للكثير منا أن يتخيل التيروصورات Pterosaurs وهي تنقض من السماء لخفط فريسة أصغر حجماً. قد يعرف البعض حتى الموساصورس Mosasaurus، الطاغوت الذي ساد المحيطات القديمة. ولكن على الرغم من أن هذه الحيوانات اللاحمة الجبارة تشكّل تخيلاتنا لكيفية تصورنا لعصر الديناصورات، كان هناك تهديد أكبر بكثير، والذي نميل إلى نسيانه – فهو عدو غير مرئي كان بوسعه أن يضرب دون سابق إنذار ويقتل ملايين الكائنات في عصر الدهر الوسيط Mesozoic era أكثر من أي كائن آخر: أي المرض.
عانت الديناصورات بدورها من السرطان
تشير دراسة حديثة إلى أن الديناصورات ربما أصيبت بالسرطان. استُخرجت الأدلة في عام 1989، لكن لم يُتعرف عليها حتى وقت قريب. اكتُشفت عينة من السنتروصورس أبيرتوس Centrosaurus apertus في مقاطعة ألبرتا الكندية، وبها عظم ساق مشوه. اعتقد الخبراء حينها أنها إصابة لم تلتئم جيداً. ولكن فريقاً آخر من العلماء – يضم عدداً من علماء الباثولوجيا وجراحاً واختصاصي أشعة إضافة إلى علماء باثولوجيا الأحياء القديمة – أعاد فحص الحفرية في عام 2020 باستخدام الأشعة السينية المقطعية العالية الدقة. فقد شخّص الفريق التشوه باعتباره ساركومة عظمية Osteosarcoma، وهو سرطان عظمي عدواني يصيب البشر أيضاً.
ليس هذا هو المثال الوحيد على السرطان في السجل الأحفوري. عُثر أيضاً على أورام في التيرانوصورس ريكس والبونابارتصورس Bonapartesaurus ذي منقار البطة. لكن يبدو أنها كانت أوراماً حميدة في الحالتين، مما يعني أنها لم تؤثر في حياة الديناصورات اليومية بشكل خطير. لكن هذا هو المثال الأول على ورم خبيث في الديناصورات، مما يعني أنه كان من الممكن أن ينتشر السرطان إلى الأجزاء المختلفة من الجسم ويكون مميتاً.
ليس من المستغرب أن تصاب الديناصورات بالمرض، فقد كانت كائنات حية تتنفس مثلنا تماماً. لكننا لا نعرف سوى القليل عن الأمراض الفعلية التي أصابت هذه الكائنات القديمة. يرجع ذلك إلى أننا نستطيع التعرف في السجل الأحفوري على علامات الإصابات مثل الأطراف المكسورة وندوب المعارك- غالباً باستخدام عدسة مكبرة- لكن تشخيص الأمراض أصعب بكثير. لا يقتصر الأمر على كون البكتيريا والفيروسات كائنات مجهرية. فالأمراض تهاجم الأعضاء الداخلية غالباً، والتي تتكون من أنسجة لحمية رخوة وعادة ما تتعفن بسرعة كبيرة بحيث لا يمكن حفظها.
في حالات نادرة، يتبقى بعض لحم الديناصورات. اكتُشفت بقايا أحشاء طير جارح مفترس في الصين في عام 2022، وأنسجة دماغية لحيوان عاشب يشبه الإغواندون Iguanodon في المملكة المتحدة في عام 2016. يرجّح أنها حُفظت فقط لأن أجساد الديناصورات كانت مغمورة في مياه شبيهة بالمستنقعات. لكن في أغلب الأحيان، يضطر علماء باثولوجيا الأحياء القديمة Paleopathologists -أي باحثي الأمراض القديمة- إلى الاكتفاء بتقييم العظام المتأحفرة بحثاً عن علامات نادرة لمرض خطير.
حلق شديد الالتهاب
تخيل مدى سوء الشعور بالتهاب الحلق إذا كان طول رقبتك 25 متراُ. فلن يكون هناك ما يكفي من شاي البابونج في العالم لتهدئته! عانت أنثى الصربود Sauropod الملقبة دوللي Dolly من حالة خطيرة من الزكام. شملت أعراضها السعال وصعوبة التنفس والحمى، وفقا للعلماء. كانت العدوى من الشدة بحيث أنها أثرت على فقراتها العنقية، والتي لا يزال بإمكاننا رؤيتها في الأحفورة حتى اليوم. على الرغم من أن دوللي هي أول حالة مؤكدة لإصابة ديناصور بمرض ينتقل عن طريق الهواء، فقد عُثر على علامات محتملة للإصابة بالسل Tuberculous على ضلع تيتانوصورس Titanosaur، وهو صربود آخر، في عام 2021.
تساعد التكنولوجيا الحديثة هؤلاء الباحثين على التعمق أكثر في البحث عن أدلة. بعد 20 عاماً من اختراعه لاستخدامه في التشخيص الطبي، استُخدم التصوير المقطعي المحوسب Computed tomography للنظر إلى الأحافير من الداخل. تستخدم هذه العملية الأشعة السينية، لكن نتائجها أكثر تفصيلاً من الأشعة السينية التي قد تُجرى لك في المستشفى إذا كسرت ساقك. تمثل هذه عمليات استبناء ثلاثية الأبعاد عالية الدقة يمكنك تكبيرها وتصغيرها لاستكشاف البنى المكونة لها بالكامل. وقد تكتشف هذه الصور الآفات والتشوهات المدفونة في العظام، والتي تعتبر علامات تُشير إلى العدوى لكن لا يمكن التعرف عليها من الخارج.
مع توسيع علماء باثولوجيا الأحياء القديمة للتقنيات التي يستخدمونها لتحليل الأحافير، فإنهم يطلبون أيضاً مساعدة أنواع مختلفة من الخبراء. ساعدهم الأطباء واختصاصيو الأشعة عن طريق مقارنة الأشعة المقطعية للأحافير بالسجلات الطبية البشرية بحثاً عن أوجه التشابه، في حين شارك علماء الطب البيطري معرفتهم بكيفية ظهور الأمراض في الزواحف الأخرى مثل التماسيح، وكذلك الطيور، التي تطورت مباشرة من الديناصورات. ومن شأن هذا النهج الجديد أن يقلب نتائج الأبحاث السابقة. أثبتت الأحافير التي كان يُعتقد أنها عظام ملتوية أو علامات للعض أنها أكثر تشويقاً من ذلك. ومن خلال تشخيص هذه الأمراض البدائية، نحن نتعلم المزيد عن الديناصورات التي أصابتها. سنفهم خصائصها البيولوجية بشكل أفضل عندما نكتشف الأمراض التي تتشاركها مع حيوانات العصر الحديث. وتشير أنواع الأمراض وكيفية انتشارها أيضاً إلى كيفية تصرف الديناصورات مع الأفراد من النوع نفسه، إضافة إلى العلاقة بين الحيوانات المفترسة وفرائسها.
مرض منقار البط العظمي
قبل نحو 70 مليون سنة، عاش هادروصورس Hadrosaur بجوار بحر ضحل يغطي ما يعرف الآن بولاية نيوجيرسي. عانى الديناصور ألماً مبرحاً في الذراع، والذي علمنا بعد قرنين من اكتشافه أنه نجم عن التهاب المفاصل الإنتاني Septic arthritis – وهي أول حالة معروفة في الديناصورات. فهذا مرض عظمي شائع كثيراً ما يحدث عندما تتفاقم إصابة بالعدوى. كشف الفحص بالأشعة المقطعية عن علامات تآكل داخل عظمتي الذراع، في وجود نسيج مسامي بدلاً من الأنسجة العظمية السليمة والكثيفة. من الخارج، كان كلا العظمين منتفخيْن، مع تشكّل نتوءات عظمية جديدة. عند استخراج العينة في القرن التاسع عشر، ذكر عالم الأحافير الرائد الذي اكتشفها أن العظمتين كانتا مندمجتين، لكن الحفرية الهشة تفتّتت.
التشريح القديم: دوللي، أنثى الديناصور
تسببت عدوى الجهاز التنفسي هذه في ألم مبرح في الرقبة والكيس الهوائي
1 النفس الأخير
استنشقت دوللي مرضاً ينتقل عبر الهواء، ربما من أبواغ فطر ازدهر في رطوبة مونتانا البدائية.
2 انتقال المرض لأسفل
انتقل المرض عبر تنفس دوللي من خلال قصبتها الهوائية الطويلة إلى الرئتين، لكنه لم يتوقف هناك.
3 مساحة للتنفس
مثل الطيور حاليا، يدور الهواء عبر العظام المجوفة والأعضاء القابلة للنفخ والتي تسمى الأكياس الهوائية Air sacs. وساعد ذلك على جعل الهيكل العظمي الضخم لأنثى الديناصور، دوللي، أخف وزناً دون التضحية بالكثير من الصلابة.
4 غياب علامات التعافي
استقر المرض في كيس هوائي داخل صدر دوللي. ومع الأسف، كانت العدوى على الأرجح مزمنة وربما مميتة.
ألم الأسنان النهائي للتيرانوصورس ريكس
كان التيرانوصورس ريكس ملك العصر الطباشيري المتأخر. تميز الديناصور بفم ممتلئ بأسنان بحجم الموزة وقوة عض تبلغ 3,500 كغم، وهو ما يعادل قوة اصطدام 3 سيارات صغيرة. ولكن هذه القواطع العملاقة كانت أيضاً نقطة الضعف الرئيسية لهذا المفترس الجبار. يقول الدكتور ستيف سالزبوري Steve Salisbury من جامعة كوينزلاند: ”تحتوي بعض أشهر عينات التيرانوصورات في العالم على هذه الثقوب في فكيها، فبعض العينات تبدو مثل الجبن السويسري“. بالتعاون مع فريق صغير، فحص سالزبوري أكثر من 60 أحفورة للتيرانوصورات. شمل العينات التي فحصوها، سو Sue، وهي واحدة من أفضل الهياكل العظمية حفظاً، والمعروضة في متحف فيلد Field Museum بمدينة شيكاغو.
يقول سالزبوري: ”نعتقد الآن أن هذه الثقوب ناجمة عن مرض معدٍ يسمى داء المشعرات“ Trichomonosis وهو مرض تسببه طفيليات مجهرية. ويحمل العديد من الحمام المرض حاليا لكنها تتمتع بالمناعة ضده. لكن طيور الباز Hawks والصقور Falcons التي تفترس الحمام قد تمرض بشدة، فتصاب بآفات في مناقيرها السفلية. ربما التقط التيرانوصورس ريكس العدوى من فرائسه بدوره. لكنه كان معروفاً أيضاً أن وحشيات الأرجل Theropods الشرسة هذه كانت تتقاتل فيما بينها. يقول سالزبوري: ”لا نعتقد أنه من قبيل الصدفة أن يُظهر عدد كبير من عينات التيرانوصورات البالغة علامات عض الوجه وأدلة على وجود مرض يشبه داء المشعرات. ربما عمل القتال، وعضّ الرأس تحديداً، كآلية مثالية لنشر المرض بين الديناصورات“. وبغض النظر عن طريقة الإصابة بها، كانت العدوى تعني موتاً بطيئاً ومؤلماً، فكانت تجعل الأكل عملية متزايدة الصعوبة تنتهي بموت المخلوق جوعاً.
5 حقائق
الطرق المختلفة لموت الديناصورات
1 التعرض للافتراس
كان ذلك عالماً يلتهم فيه الديناصور الديناصورات. نحن نعرف ما لا يقل عن 100 ديناصور لاحم، بداية من الميكرورابتور Microraptor الذي ناهز في حجمه الغراب إلى السبينوصورس Spinosaurus الهائل، الذي بلغ طوله 14 متراُ، وكان حجمه 3 أضعاف حجم الفيل الإفريقي.
2 التعرض للعض
قد تعتبر نفسك محظوظاً إذا هربت من حيوان لاحم جائع. لكن حتى الخدش قد يكون مميتاً إذا أصيب بالعدوى الجرثومية. اكتُشف صربود شاهق الطول في الصين وعليه علامات إصابة صديدية ناتجة من سن أو مخلب.
3 تكسير العظام
تتناثر العظام المكسورة عبر السجل الأحفوري. على الرغم من أن العديد منها تظهر عليها علامات التعافي، مما يعني أن الكائنات ظلت على قيد الحياة، يظهر على البعض الآخر علامات الإصابة بعدوى مميتة. لكن لم تكن كل هذه الإصابات ناجمة عن القتال. تشير الأدلة إلى أن الثيروبودات مثل التيرانوصورس ريكس كانت عرضة للسقوط.
4 الكوارث الطبيعية
تشير الجيولوجيا إلى شيوع الانفجارات البركانية قبل 65 إلى 70 مليون سنة، والتي ربما كانت متفجرة ومدمرة. غرق قطيع من آلاف السنتروصورات Centrosaurus في فيضان وقع قبل 77 مليون سنة، ربما بسبب عاصفة استوائية.
5 الإبادة بسبب كويكب
لم يلزم للقضاء على الديناصورات سوى ارتطام واحد بكويكب قبل 66 مليون سنة. تسبب الارتطام في حرائق غابات كارثية وزلازل وأمواج تسونامي وسحابة غبار حجبت ضوء الشمس لمدة سنة.
التشريح القديم: سو، أنثى التيرانوصورس ريكس
لم تكن أي زيارة إلى طبيب الأسنان لتنقذ سو
1 الغزو الطفيلي PARASITIC INVASION
أصيبت سو بعدوى طفيليات ضئيلة وحيدة الخلية دفنت نفسها في فكيها العملاقين وتغذت بأنسجتها.
2 تفاقم العدوى WORSENING INFECTION
مع تراكم الطفيليات، تشكلت الآفات حول فك سو وداخل حلقها.
3 أضرار دائمة LASTING DAMAGE
اخترقت الطفيليات الجلد والتهمت عظم الفك، مما أحدث ثقوباً عميقة يمكننا رؤيتها في الأحافير حاليا.
