هل يمكننا بناء… ”توتال ريكول“؟
من مستعمرات المريخ إلى الذكريات المزروعة، نظرة على العلوم وراء الفيلم الكلاسيكي للعام 1990
هل كنت تعلم؟
اعتمد فيلم ”توتال ريكول“ Total Recall على قصة لفيليب كي ديك Philip K. Dick نُشرت في العام 1966 بعنوان ”يمكننا أن نتذكرها لك بالجملة“.
هل تتذكر أكثر عطلة ممتعة أو مثيرة قضيتَها على الإطلاق؟ الآن بعد أن عُدتَ إلى روتين الحياة اليومية، لا يزال هناك كثير من المتعة بمجرد استحضار تلك الذكريات. ماذا لو كان في إمكانك امتلاكُ كل هذه الذكريات من دون تكلفة الذهاب في عطلة في المقام الأول؟ هذا هو الأساس الذي بُني عليه فيلم الخيال العلمي للمخرج بول فيرهوفن Paul Verhoeven، والمعروض في العام 1990 بعنوان توتال ريكول Total Recall وتدور أحداثه في العام 2084، حين امتلك البشر مستعمرة راسخة على سطح المريخ .يريد بطل الرواية دوغلاس كويد Douglas Quaid ، الذي أداه أرنولد شوارزنيجر Arnold Schwarzenegger، الذهاب إلى هناك، لكنه لا يستطيع تحمل سعر التذكرة. ومع ذلك فإن ما يستطيع تحمله هو ذكرى رحلة إلى المريخ، زرعتها في دماغه شركة تدعى ريكول، Rekall والمتخصصة في ”الإجازات الافتراضية“ من هذا النوع. قال أحد فنيي شركة ريكول لكويد: ”لا تقلق، فالأشياء نادراً ما تتعطل هنا“، لكن الأمور ساءت في حالته… بقدر كبير. اتضح أنه ذهب بالفعل إلى المريخ، لكن ذكرى كل ما حدث هناك استُبدلت بها ذكرياتٌ مزيفة. كانت هذه إشارة للعمل بلا هوادة ومن دون توقف، والذي انتهى بسفر كويد إلى المريخ واكتشافه مؤامرةً استبدادية هناك، والتي يهزمها بمفرده.
على الرغم من القصة المبالغ فيها، فإن فيلم توتال ريكول ينطوي على بعض المفاهيم العلمية الجيدة بنحو ملحوظ، وهو أفضل بكثير من الأفلام الخيالية النمطية لهوليوود. كما سنكتشف، فإن الفرضية الأولية- أي فكرة أنه يمكن تغيير الذكريات أو تزويرها- لها أساس راسخ في الواقع، وكثير من التفاصيل التي بدت مستقبلية جداً في العام 1990 تبدو الآن كأنها اقتراح عملي في العالم الحقيقي، من أجهزة التتبع المزروعة وأجهزة المسح بالأشعة السينية إلى أجهزة العرض الهولوغرافية وسيارات الأجرة الروبوتية المتكلمة. لكن تصوير الفيلم للحياة على كوكب المريخ هو ما يجعله لا يُنسى- ولهذا أيضاً أساس متين من العلوم الحقيقية.
هل كنتَ تعلم؟
يحتوي الغلاف الجوي للمريخ على 0.13% فقط من الأكسجين
المريخ غير مضياف تماماً لحياة البشر. ويعني عدمُ وجود غلاف جوي يسمح بمرور الهواء أن يُحتجَز المستعمرون داخل قبة كبيرة مضغوطة، نصف مدفونين في تربة المريخ بالقرب من المناجم التي يكسبون فيها لقمة العيش. يجب على أي شخص يغامر بالخروج إلى خارج القبة أن يرتدي بذلة مكيفة الضغط وجهازاً للتنفس، وإلا فسيموت ميتة بشعة. يُعَد الأكسجين، وهو أحد الأشياء القليلة المجانية تماماً على الأرض، سلعة ثمينة على كوكب المريخ. إنه الأساس الكامل للنظام شبه الديكتاتوري القائم في“ توتال ريكول”، إذ يتحكم الحاكم الشرير في إمدادات الأكسجين ويفرض رسوماً على السكان مقابل استخدامه.
هناك خطر آخر على المريخ- سواء في الفيلم أو على أرض الواقع- وهو تيار الإشعاع المميت المنبعث من الشمس. ينحرف هذا التيار بعيداً عن الأرض بفضل مجالنا المغناطيسي، لكن المريخ ليس محظوظاً مثلنا. في الفيلم، يسبب الإشعاع الزائد مولد أفراد الطبقة الدنيا من المخلوقات الطافرة المشوهة، لكن في العالم الحقيقي سيكون تأثيره أوضح من ذلك. سيقتل ببساطة أي شخص يتعرض له أيَّ فترة من الوقت، ما لم يرتَدِ وقاية كافية منه.
صارت مراحلُ تأريض المريخ كغلاف جوي شبيه بالأرض راسخةً
تأريض المريخ
يُسمى جعل كوكبٍ ما قريبَ الشبه بالأرض بالتأريض (تحويله إلى أرض) Terraforming. وفي حالة المريخ نعلم أن الكوكب الأحمر كان يشبه الأرض تماماً منذ بلايين السنين. ثم فقد معظم غلافه الجوي، تاركاً عالماً قاحلاً أشبه بالصحراء. إن نقص الأكسجين اللازم للتنفس- وهو المحرك الرئيس لفيلم ”توتال ريكول“- هو مجرد إحدى عواقب ذلك. يشمل البعض الآخر انخفاض درجات الحرارة والحاجة إلى ارتداء بذلات مكيفة الضغط. يجب أن يعالِج التأريض أيضاً مشكلة الإشعاع الشمسي، الذي كان السبب الرئيس في تجريد المريخ من غلافه الجوي، فضلاً عن كونه مميتاً. نتمتع هنا على الأرض بالحماية من هذا الإشعاع بفعل المجال المغناطيسي لكوكبنا. إن إنشاء مثل هذا المجال اصطناعياً، إلى جانب زيادة سماكة الغلاف الجوي، هو أحد الأهداف الرئيسة لتأريض المريخ من أجل استيطانه. بالنسبة إلى الأكسجين، يمكن أن تنتجه النباتات والبكتيريا طبيعياً بمجرد إنشاء نظام إيكولوجي مناسب هناك عبر عملية تسمى التكوُّن الإيكولوجي Ecopoiesis.
