هجوم القطط الكبيرة
كتشف ما الذي يجعل هذه القطط آلات قتل فعّالة في عرض هائل للعضلات والفراء والأنياب
تشبه القطط الكبيرة في العالم قاطرات مهيبة من العضلات والقوة، والمزوّدة بحواس حادة وغرائز قاتلة. فالقطط الكبيرة الحقيقية هي أكبر أربعة أنواع من جنس ‘النمور’ Panthera: الأسد، والنمر، واليغور، والفهد. ولكن، هناك أيضا العديد من أنواع القطط الكبيرة الأخرى التي تمتلك قدرات مذهلة للقنص، ومن بينها الفهد الصياد cheetah القوي.
ولكونها توجد غالبا في إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى، تتسم فهود “الشيتا” بانسيابيتها الفائقة وبكونها مُصمَّمة للقتل أثناء الحركة. وتحتوي أجسادها على ألياف عضلية متخصصة تُزوِّد بالقوة أطرافها الطويلة، و“خطوط دمعية” سوداء لمساعدتها على التصدي لوهج الشمس الإفريقية، وفرو مرقّط للتمويه في الحشائش الطويلة.
وعلى الرغم من أن البقع الموجودة على فروها قد تبدو متشابهة للوهلة الأولى، تكشف نظرة فاحصة أن الفهود Leopards (والتي غالبا ما تتشارك موطن فهود الشيتا) تحمل علامات شديدة الاختلاف. وتتسم بقع الفهود بكونها أكثر تفصيلا، وتتميز بمجموعات من الوريدات السودات والبنية في مقابل تلك الأشكال البيضاوية السوداء البسيطة على فرو الفهد الصيّاد. وتحاكي هذه العلامات الظلال المتغيرة للأشجار والأوراق، مما يسمح للفهد الصياد بالاندماج في الخلفية. فإذا شرع أحدها في مطاردتك، فلن تعلم بذلك إلا بعد فوات الأوان! يتسم نطاق وجود الفهود باتساعه، إذ يمكن العثور عليها في الغابات والصحارى والجبال والمراعي في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا.
زيمكن للأسود أن تصرع أكبر الحيوانات الموجودة على الأرض: الفيلةس
وإذا عُدنا إلى سهول السافانا، فسنجد أن الغلبة هنا للأسود. وعندما تستجمع كل شجاعتها، يمكن لهذه القطط أن تصرع حتى أكبر الحيوانات الموجودة على الأرض: الفيلة. ويمكنها أن تفعل هذا لأنها تطورت بحيث تعمل معاً. إن الصيد كمجموعة يسمح للأسود باقتناص حيوانات أكبر حجما بكثير، إذ تُحيط بها وتعمل على إرباكها. ويعتقد أن هذه القدرة على القنص التعاوني تعود إلى امتلاكها لقشرة جبهية على درجة عالية من التطور – وهو ذلك الجزء من الدماغ المعني بحل المشكلات والسلوك الاجتماعي. ويتضح ذلك بشكل خاص في اللبؤات، وهي أفراد الجماعة التي تقوم بالغالبية العظمى من عمليات الصيد. وتستحق هذه المخلوقات المذهلة أن تكون أكثر القطط الكبيرة ذكاء. ومع ذلك، فالمنافسة شرسة.
وباعتبارها أضخم القطط الكبيرة، تُعد النمور من الحيوانات المفترسة الفائقة. ولكونها توجد في المستنقعات والمراعي والغابات المطيرة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا والصين وجبال الشرق الأقصى الروسي، تقوم هذه الحيوانات المخططة ذات الوزن الثقيل بالقنص منفردة، حيث تعتمد على التمويه والتخفي لتعقب الفريسة واصطيادها مستغلة عنصر المفاجأة.
استمر بالقراءة لتتعرف على خفايا جميع هذه السنُّوريات Felines الشرسة، ومعرفة المزيد عن فسيولوجية هجوم القطط الكبيرة.
الحاجة إلى السرعة
بالنسبة إلى بعض القطط الكبيرة، السرعة هي جوهر المسألة
هل نظرت من قبل إلى صورة لسهول السافانا الإفريقية، وشاهدت أسدا يسير بين مجموعة من الظباء، وتساءلت لماذا ترعى الظباء دون اكتراث، بدلا من الركض خوفا على حياتها؟ يرجع ذلك إلى أن الظباء تعلم أن أسدا واحدا في البرية ليس سريعا بما فيه الكفاية، وأنها تستطيع الفرار منه بسهولة. وتعرف الأسود ذلك أيضا، ومن ثم فلن تُهدر طاقتها في المحاولة. أما بالنسبة إلى القطط الكبيرة الأخرى، تمثل السرعة كل شيء. وتستخدم الفهودُ السرعةَ في الانطلاق السريع، عادة بعد أن تقوم بخبرة بمطاردة فرائسها وتصبح قاب قوسين أو أدنى منها. وبالمثل، فإن النمور تستخدم قفزة سريعة أو اندفاعة للقبض على فرائسها بمجرد أن تصير في متناولها. ويكتسب عنصر المفاجأة أهمية حيوية!
وعلى الرغم من ذلك، فإن فهود الشيتا هي الرياضيات الحقيقيات من بين القطط الكبيرة؛ فيمكنها أن تركض لمسافات طويلة وأن تزيد سرعتها في لمح البصر، إذ تشير بعض السجلات إلى ركضها بسرعة ثابتة لنحو أربعة كم وتسارعها من 0 – 75 كم في الساعة خلال ثانيتين. ولكن، لا يمكنها أن تظل تركض بسرعتها القصوى سوى لنحو 400 إلى 800 متر، ولذلك ينبغي عليها التخطيط لهجومها بعناية. وهي تقترب من الفريسة في اتجاه الريح نفسه بحيث لا تفضحها رائحتها، ومن ثم تنصب كمينا في سرعة البرق. وإذا تمكنت من تنظيم الوقت بهذه الجودة، فستتجاوز فرائسها بنجاح، ومن ثم تتمكن من قتلها.
لماذا لا تزأر فهود الشيتا؟
وحدها القطط الكبيرة “الحقيقية”، التي تنتمي إلى جنس النمور (الأسد والنمر والفهد واليغور) تستطيع إصدار زئير حلقي عميق. وذلك لأن جزءا من حنجرتها، والمعروف بالعظم اللامي Hyoid bone ، يتسم بالمرونة. إضافة إلى رباط Lligament مرن قابل للتمدد، فهو يصنع ممرا منتجا للصوت؛ وكلما ازداد تمدّد الرباط، ازداد عمق طبقة الصوت.
أما فهود الشيتا، جنبا إلى جنب مع غيرها من القطط الكبيرة “الأصغر” حجما مثل الأسد الأمريكي، فتمتلك بدلا من ذلك تشريحا للحنجرة مماثلا للقطط المنزلية. ويتسم العظم اللامي بصلابته الشديدة، مما يعني استحالة الزئير. وتتسم الحنجرة بأنها بنية ثابتة، لكن ذلك يسمح لها بالخرخرة- وهو شيء لا تستطيع أن يفعله أفراد جنس النمور. ومن المثير للاهتمام أن الفهد الجليدي يمثل استثناء لهذه القاعدة؛ فعلى الرغم من أنه عضو في جنس النمور ويمتلك عظما لاميا مرنا، فلا يمكن لهذا القط الزئير ولا الخرخرة! وبدلا من ذلك، فهو يصدر صوتا أشبه بالشخير.
استراتيجية الصيد
يستغل كل حيوان مفترس نقاط قوته، ويقوم بتنفيذ تكتيكات مختلفة لمطاردة واصطياد فرائسه
تستخدم الأسود حجمها الكبير، وقوتها الغاشمة وتفوقها العددي لملاحقة طرائدها الضخمة، مثل الجواميس والحمير الوحشية والزراف. ويقوم كل منها بمطاردة الفريسة خِلسة ومن ثم الهجوم عليها بشكل جماعي، بحيث تنقض على الفريسة من زوايا مختلفة لإفزاعها وإرباكها. وتقوم الأسود أيضا بالاقتيات، فتسرق صيد الحيوانات المفترسة الأخرى مثل الضباع والفهود.
وتتسم جميع أنواع القطط الكبيرة الأخرى بالصيد منفردة، ومن ثم فهي تحتاج إلى استخدام نهج مختلف تماما وبالغ الدقة. وتستخدم الفهود أجسادها الفائقة التخصص في توليد قوة اندفاع هائلة، مستخدمة الدفع والحواس المتناغمة للانقضاض على فريستها. وبعد ذلك تستخدم مخالبها الأثارية للإيقاع بالفريسة ، مما يجعلها تتعثر وتقع أرضا.
أما النمور فتستخدم حواسها الحادة وقدرتها المذهلة على التمويه للبقاء متخفية بداخل النباتات المتشابكة. فهي تطارد الفريسة حتى تصير قريبة بما فيه الكفاية للانطلاق نحوها والوثب عليها من مسافة تبلغ نحو ستة أمتار. وعند تمديد مخالبها الحادة كالشفرة، فإن أي حيوان يقع ضمن مجال رؤية هذا القط سيجد صعوبة شديدة في الهرب! ويمكن لهذه القطط شن هجماتها حتى من المياه. وفي هذه الحالات، يستخدم النمر حجمه في التعامل مع فريسته.
وتتسم الفهود الجليدية بكونها مفترسات متربصة، وتستخدم موائلها Habitats الصخرية الجبلية لصالحها. وفي كثير من الأحيان، تقوم بالصعود فوق الفريسة قرب حواف الهاوية ومن ثم تسقط عليها من فوق.
وتتبع الفهود والنمور استراتيجيات مشابهة. فلتحديد موقع الفريسة في الظلام، تمتلك الفهود رؤية ليلية ممتازة، وهي أفضل بنحو سبعة أضعاف من رؤيتنا كبشر. وهي تعتمد على كفوفها الشديدة الحساسية لاستشعار التضاريس، والتأكد من عدم انكشاف موقعها بفعل انكسار غصين أو خشخشة أوراق الشجر. وتكفي اندفاعة سريعة وعضّة قوية لإنجاز المهمة. ولكن، نظرا لتفضيلها للتسلق، تقوم تلك القطط باستخدام تكتيك “السقوط من أعلى” أيضا. ولا تخشى الفهود والنمور من السباحة، ويسعدها أن تبلل أجسادها لتأمين وجبة لطعامها، وفي بعض الأحيان لا تُكلِّف نفسها عناء الصيد على الإطلاق، فتكتفي بسرقة وجبة من صيد مفترس آخر.
الهجوم من أجل القتل
بعد الطرح أرضا يأتي القتل، وهو جزء مخيف ولكنه ضروري من الصيد
عندما تقبض القطط الكبيرة على فرائسها وتحيط كفّيها بالصيد الثمين، فإن الخطوة التالية تكون حاسمة: القتل. وتستخدم الغالبية الساحقة من القطط الكبيرة طريقة الخنق لقتل فرائسها. وتمثل هذه أسرع طريقة للتأكد من ألا تتمكن الفريسة من الابتعاد، وأن كل الطاقة التي تُنفقها هذه الحيوانات على الملاحقة والمطاردة لا تذهب سدى.
وتتمتع القطط الكبيرة بفكين قويين بشكل لا يصدق، تدعمهما عضلات قوية في الرأس والرقبة. ويتمم الفك القوي مجموعات من الأسنان الفائقة الحدة، مما يجعلها مثالية لاختراق جسد الفريسة وطرحها أرضا.
وبالنسبة إلى الأسود، عادة ما يكون القتل جهدا جماعيا. ولأنها غالبا ما تصطاد في مجموعات، ففي كثير من الأحيان يُناط بأحد الأسود مهمة إطباق فكيه الجبارين حول خطم snout الحيوان الفريسة، في محاولة لخنقه أثناء قيام بقية أعضاء فريق الصيد بالتعلّق على خاصرتيه لطرحه أرضا.
ويسمى هذا في بعض الأحيان “قبلة الموت من الأسد”، ويمكن للأسود بهذه الطريقة أن تطرح فريسة بالغة الضخامة أرضا. ويعتقد في كثير من الأحيان أن القطط الكبيرة “تستهدف الوريد الوداجي” تلقائيا لقتل فرائسها، لكن هذا ليس هو الحال. عندما توجه أسنانها نحو الرقبة، يستهدف القط القصبة الهوائية للفريسة، وليس الأوردة.
يقبض الفكان الشبيهان بالملزمة على القصبة الهوائية ويسحقها، مما يخنق الفريسة ويقتلها سريعا. تستخدم النمور هذه الطريقة لقتل الفرائس الأكبر حجما. وعن طريق عض الرقبة وإطباق كامل قوة الحيوان عليها من أجل جرّها على الأرض، فبوسع النمر إسقاط الحيوانات الشديدة الضخامة بمفرده.
أما بالنسبة إلى الكائنات الصغيرة، فقد يقوم بعضّ مؤخر العنق لقطع عمودها الفقري. وتستخدم الفهود أيضا هذه التقنية الشديدة الفعالية. أما حيوانات اليغور، ومن الناحية الأخرى، فلديها طريقة مختلفة قليلا؛ فهي القطط الكبيرة الوحيدة التي تفترس الزواحف، ومن المعتقد أن أسلوبها في القتل قد تطور لكي تتمكن من هزيمة تلك الفرائس الخطيرة والمدرعة.
ويقوم اليغور، بدلا من استهداف الحلق، بعضّ فريسته مباشرة في الجزء الخلفي من الرقبة أو الرأس، فيقوم بقطع الحبل الشوكي وثقب الجمجمة. وباستخدام هذه الطريقة، يمكن لليغور تجاوز الجلد السميك لتمساح الكَيمَن واختراق الترس القوي للسلاحف.