طاقة الكمّ – أقوى بمئة مليون مرة من الحاسوب المحمول
مستقبل الحوسبة وكيف ستغيّر عالمك
قد يكون مصطلحا يسهل نطقه، كما قد يشير إلى حقل دراسي تهيمن عليه النخبة العلمية، إلا أن ميكانيكا الكم – أو الفيزياء الكم إذا كنت تفضل ذلك- تمثل لغزا محيّرا إلى حد كبير للقارئ العادي. ومن ثمّ، فمن المثير للدهشة أنه ليس هناك أبسط من إيجازها، على الرغم من أن فهمها يمثل مهمة أكثر صعوبة بكثير.
تُعنى ميكانيكا الكم بسلوك الذرات والفوتونات ومختلف الجسيمات تحت ذرية، ومن ثمّ فهي تختلف عن الفيزياء الكلاسيكية التي تصف سلوك الأشياء اليومية الكبيرة بما يكفي لرؤيتها.
إن الفرق بين الفيزياء الكلاسيكية وميكانيكا الكم مذهل جداً. فالأجسام التي نراها في العالم من حولنا تتصرف بطريقة تبدو بديهية، لكن بمجرد أن نبدأ بالنظر إلى الأشياء البالغة الصغر، فلا بد من التخلي عن البديهة والحس السليم.
وبدلا من ذلك، فعند النظر إليها بشكل منفرد، فإن الذرات والإلكترونات والفوتونات تتصرف بطريقة تجعل معظم الناس يميلون إلى وصفها بالمستحيلة. إلا أن إدراك الاستحالة هذا لا ينمّ عن السذاجة. فحتى الفيزيائي البارز الحاصل على جائزة نوبل، نيلز بور Bohr، نُقل عنه قوله: «إذا قال شخص ما إنه يستطيع التفكير في نظرية الكم دون أن يصاب بالدوار، فإن ذلك يبين ببساطة أنه لم يفهم أي شيء عنها.»
سنلقي نظرة على بعض هذه المفاهيم بمزيد من التفصيل في الإطار التوضيحي أدناه، لكن- بعد التوضيح السابق لمدى تعقيدها المذهل- من المناسب بالتأكيد أن نطرح بضعة أمثلة على السلوك الكمي الذي يبدو مستحيلا.
من أغرب الأمور التي يمكن أن تحدث في العالم تحت ذرّي هو أن أجساما مثل الإلكترونات أو الفوتونات يمكن أن توجد في مكانين في الوقت نفسه، أو في حالتين مختلفتين في آن واحد – وهو ما يسمى حالة التراكب Superposition.
لن يمكنك أبدا مراقبة هذه الحالة الغريبة، لأنك بمجرد محاولة القيام بذلك، فسيبدو هذا الجسم موجودا في مكان واحد أو حالة واحدة فقط. ومع ذلك، فقد أجرى العلماء تجارب صممت بذكاء، وأثبتت أن هذا السلوك الغريب يحدث بالفعل، على الرغم من وجود دلائل على حدوث العكس كلما حاولنا رصده. فهناك تأثير غريب آخر يسمى ميكانيكا الكمّ النفقية، يشير إلى حقيقة أن جسما ضئيل الحجم يمكنه المرور مباشرة عبر حاجز صلب دون الإضرار به. لذا، مثلا، فإذا أطلقت إلكترونا على صحيفة من رقائق الذهب، فهناك احتمال لأن يظهر على الجانب الآخر في حين تظل الصحيفة سليمة.
وترجع حقيقة أن الجسيمات قد توجد في مكانين في وقت واحد، وأنها يمكن أن تمر عبر الأجسام الصلبة، إلى الطبيعة المزدوجة للأجسام الضئيلة الحجم. ففي السابق، كان الضوء يُنظر إليه باعتباره موجة، لكن اكتُشف لاحقا أنه يمكن وصفه كتيار من جسيمات تسمى الفوتونات. وفي المقابل، اعتبرت الإلكترونات في السابق كجسيمات مصغّرة تدور حول نواة الذرة مثلما تدور الكواكب حول الشمس، لكن اكتُشف لاحقا أنه يمكن وصفها كدوال موجية. وفي الواقع، فإن كلا من الإلكترونات والفوتونات يمتلك خصائص كل من الجسيمات والموجات، أي إن كلا المفهومين صحيح. ومن ثمّ، فهذه الظاهرة الغريبة التي تنطوي على وجود الإلكترون في مكانين في آن واحد تمثل نتيجة منطقية للطبيعة الموجية للإلكترونات.
وبدلا من المنظور الذي عفا عليه الزمن لدوران الإلكترونات، فإن النظرية الموجية تتعلق بما يسمى دالة الاحتمال. وبعبارة أخرى، فهي تصف احتمال وجود الإلكترون في أي نقطة معينة من الفضاء، وحتى تتم يُرصد الإلكترون، يمكن اعتبار موقعه على إنه كل نقطة في الفضاء، لكن بعض المواقع تكون أكثر احتمالا من غيرها.
ما رأيناه حتى الآن كان معروفا منذ أوائل القرن العشرين، وهو غريب بما فيه الكفاية. ومن ثم،ّ فالأمل ضعيف في أن يتمكن الأشخاص العاديون من فهم التطورات الأخيرة في نظرية الكم. ومع ذلك، فلتوضيح مدى الغرابة التي قد يصل إليها التفكير الحالي، دعونا نفكر بإيجاز في نظرية الأكوان المتعددة، على الرغم من أنها تعود إلى عقدي الستينات والسبعينات. فقد تتذكر أن رصد الجسيمات في حالة التراكب تجعل موقعها – أو حالتها – الذي لم يكن معروفا سابقا ثابتا. وفي نظرية الأكوان المتعددة التي تبدو كضرب من الخيال العلمي، بمجرد حدوث هذه المشاهدة، ينقسم الكون إلى اثنين أو أكثر من الأكوان المتوازية، مع وجود هذا الجسيم في مكان مختلف أو حالة مختلفة في كل نسخ الواقع. وإضافة إلى ذلك، فمع وقوع أعداد هائلة من هذه الانقسامات في كل ثانية، سرعان ما يعطينا ذلك عددا لا يمكن تخيله من الأكوان الموازية. وقد اكتسبت هذه النظرية مصداقية إضافية حديثا، حيث بدأ العلماء يفكرون في الحواسيب الكمّية. وكما سنرى لاحقا، ومقارنة بالأجهزة المتاحة حاليا، فلو صارت الحواسيب الكمّية الواسعة النطاق حقيقة واقعة، سيكون أداؤها مدهشا جدا. دفع ذلك بعض العلماء إلى الإشارة إلى أنه لا يوجد في الكون المرئي ما يكفي من المواد لتنفيذ هذا الكم الهائل من العمليات الحسابية. ومع ذلك، ففي نظرية الأكوان المتعددة، تُستهلك تلك العمليات بفعالية في جميع تلك الأكوان الموازية.
وبالنظر إلى أسسها النظرية البحتة، قد نجد عذرا للبعض في اعتقادهم أن ميكانيكا الكم ما هي إلا فضول مسلّ للعلماء، لكنها دون فائدة عملية على الإطلاق. لكن التجربة أثبتت أن معظم الدراسات النظرية تؤثر في العالم الحقيقي في نهاية المطاف، وهناك دلائل على أن الأمر نفسه ينطبق على الأبحاث الجارية في مجال الكمّ. وقد تمخّضت ميكانيكا الكم بالفعل عن العديد من الفتوحات التقنية، وزودتنا بلمحات مثيرة عما قد ينتظرنا.
أولا، فإن أجهزة الحالة الصلبة المتاحة حاليا، والتي لها تأثير كبير في الحياة في القرن الحادي والعشرين، تعتمد على التأثيرات الكمّية. والأهم من ذلك، ربما، هو الترانزستور، وهو اللبنة الأساسية للحواسيب، والهواتف الذكية ومعظم الأجهزة الإلكترونية. وهناك جهاز مهم آخر يعمل بالحالة الصلبة، وهو الصمام الثنائي الباعث للضوء LED، ترتبط جميعها ارتباطا وثيقا بليزر الحالة الصلبة. ويُحدث الأول حالياً ثورة في الإضاءة عن طريق تحقيق مستويات غير مسبوقة من كفاءة استخدام الطاقة، في حين يؤدي الأخير دورا حيويا في كابلات الألياف البصرية التي تغطي الكرة الأرضية لتزويد شبكة الإنترنت بالطاقة، وله دور مهم أيضا في محركات الأقراص المدمجة CD وDVD.
وتعتمد الساعات الذرية أيضا على ميكانيكا الكم، وتوفر هذه الآلات توقيتا يتسم بالدقة اللازمة لتشغيل أنظمة تحديد المواقع GPS التي تعتمد عليها الملاحة بالأقمار الصناعية وتطبيقات الهواتف الذكية. وكذلك، فإن مبادئ آلات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، التي تتيح للأطباء رؤية ما بداخل الجسم، تستند إلى ميكانيكا الكم. وأثناء تطوير هذه التقنيات المختلفة، لم يُذكر الكثير عن تراثها الكمّي، لكننا بدأنا نسمع حاليا عن العديد من التقنيات الجديدة التي لها جذور كمية أكثر وضوحا. وإضافة إلى ذلك، فإن هذه التطبيقات المأمول نجاحها لميكانيكا الكم هي مذهلة تماما.
هل تعتقد أن الانتقال عن بُعد على نمط أفلام «ستار تريك» كان نتيجة لخيال مفرط النشاط؟ فكّر مرة أخرى – فقد اتخذ العلماء خطواتهم الأولى نحو الانتقال الكمّي عن بُعد. فماذا عن شيفرة برمجية يستحيل كسرها تماما؟ تخبرنا التجربة بأنه مهما بلغ تعقيد الشيفرة، فكل ما يتطلبه الأمر هو الوصول إلى الرسائل. ليس الأمر كذلك مع التشفير الكمّي، فهو ليس بشيفرة بالغة الصعوبة لدرجة أن كسرها يحتاج إلى سنوات من العمل على جميع الحواسيب الموجودة على الأرض؛ بل هو طريقة للتشفير تتسم، وفقا لقوانين ميكانيكا الكم، بكونها آمنة تماما، مهما كان حجم الطاقة الحاسوبية المبذولة لكسرها. وعندها، سنمتلك الحواسيب الكمّية وذلك العالم من الفرص التي تفتحه أمامنا.
وفي الوقت الراهن، يكفي القول إن هناك شركة واحدة فقط تبيع بالفعل حواسيب كمّية متخصصة، فيما تتواصل الأبحاث للوصول إلى مكافئ كمّي للحواسيب الشخصية الحالية، أو حاسوب كمّي شامل. وإذا تحقق ذلك، فلن تكون هذه الحواسيب أسرع من سابقاتها بصورة مطردة فحسب، إذ تضاعفت سرعتها كل بضع سنوات أو نحوها. وبدلا من ذلك، يعِدُ الحاسوب الكمّي الشامل حقا بتقديم أداء غير محدود تقريبا بفضل التأثير الكمّي الغريب للتراكب، إلى جانب التأثير الكمّي للتشابك، الذي يتسم بالقدر نفسه من الغرابة. ومن خلال وجودها في ملايين الملايين من الحالات في الوقت نفسه، فإن الحواسيب الكمّية الشاملة تقدم الحد الأقصى من المعالجة الشديدة التوازي، إذ تُجرى عمليات متعددة في الوقت نفسه.
ومن المعروف على نطاق واسع أن هناك القرن الماضي كان عصر الإلكترونيات. في غضون 52 عاما فقط من اختراع أول جهاز إلكتروني، وهو الأنبوب أو الصمام المفرّغ، استعيض عنه للمرة الأولى بالترانزستور ثم بالدارات المتكاملة. ولم يستغرق الأمر سوى 13 عاما أخرى لظهور أول معالج دقيق Microprocessor.
لقد وصف عالم فيزياء الكم الشهير البروفيسور راينر بلات Blatt التطورات التقنية في القرن الماضي كأول ثورة كمّية، وهو أمر مبرر تماما. ونتج العديد من التطورات التي تدعم المجتمع الحالي عن فهم ميكانيكا الكم، ولا سيما ازدواجية الموجة-الجسيم. ويشير البروفيسور بلات إلى أن البشرية تقف حاليا على أعتاب ثورة الكمّ الثانية، التي سيمكّنها التأثير الكمّي الغريب للتشابك. ووفقا للبروفيسور بلات: «في أوائل الستينات، كان لا يزال ينظر إلى الليزر كحل لمشكلة غير معروفة، أما حاليا، وبعد مرور أكثر من 50 عاما، صارت أشعة الليزر جزءا لا يتجزأ من حياتنا – أتوقع لتقنيات الكم أن تتطوّر على نحو مماثل.»
“الفرق بين الفيزياء الكلاسيكية وميكانيكا الكم مذهل تماما.”
ان الباحث في ميكانيكا الكم اكيد مر بميكانيكا الكلاسيكية واثناء هذه الرحلة تتشكل عنده تصورات وافكار عديدة تدور جلها حول فكرة اساسية وهي حرة الجسيمات الدقيقة جدا ومكوناتها لقد تطورت المفاهيم كثيرا حول تلك الجسيمات منذ نهايات القرن التاسع عشر والعشرون الى كم هائل من المعارف اثبتت بعض التجارب صحة بعض الافكار وخطأ الكثير منها من تلك الافكار التي اثبت العلم صحتها نذكر : ازدواجية تلك الجسيمات اي ذات طابع مادي صلب وفي نفس الوقت ذات طابع طاقوي امواج لقد دعمت افكار كل من ماكس بلانك وهويغنز و شرودينغر وبور وكثير من الباحثين والعلماء في هذا الجانب ان المادة التي نتعامل معها خارجيا من الناحية الصلبة لها الجانب الكمومي الذي يعتمد على الطاقة باختصار الامواج فلو استطعنا يوما ما بتحويل وفصل الحالتين عن بعضهما يمكننا الانتقال بينهما وفق نظرية اينشتاين E = m C2 وللموضوع بقية حديث في الحلقات القادمة اخوكم ومحبكم المخلص علي الصادق طولقة بسكرة