تحظى الحواس البشرية التقليدية الخمس بكل الاهتمام، ولذلك فقد يفاجئك أن تعلم بوجود العديد من الحواس الأخرى التي تعمل بهدوء في الخلفية. خذ شيئا بسيطا مثل الجلوس لتناول عشاءك: تنشط جميع الحواس الخمس معا، فتتلقى منظر ورائحة الطعام الموجود في طبقك، ومن ثم طعمه وملمسه عندما تضعه في فمك، وصوته عندما تمضغه، ولكن من دون حواسك الأخرى، فإن التجربة لن تكون هي نفسها.
إن الفعل البسيط للجلوس على الطاولة وتحريك الطعام من الطبق إلى فمك يمثل عملا حسيا فذّا. لا يمكنك مراقبة أطرافك طوال الوقت، ولذلك تقاس مواضع مفاصلك وتوتر عضلاتك باستمرار، مما يسمح لك بالأكل دون الحاجة إلى مراقبة ما تفعله عن كثب. ومن أجل الحفاظ على توازنك وأنت تمد يدك عبر الطاولة، تُجمع المعلومات الحسية بهدوء بواسطة تراكيب متخصصة في الأذن الداخلية. وبمجرد وصول الطعام إلى فمك، تقوم مجموعة من المجِسَّات بتزويد معلومات عن درجة الحرارة، فيما تسرع مجموعة أخرى من الأعصاب المتخصصة المعروفة بمستقبِلات الأذى Nociceptor بتنبيهك إذا كان الطعام في فمك ساخنا أو باردا على نحو خطير. وفي الوقت نفسه، يُرصد الدم والسوائل المحيطة بالجهاز العصبي المركزي للتأكد من أن تظل مستويات ثاني أكسيد الكربون والأكسجين ضمن الحدود الطبيعية، فيما يُضبط معدل التنفس بصورة لا واعية.
وعندما تبدأ معدتك بالامتلاء، تقوم المجِسَّات بإبلاغ الدماغ، ومن ثم تثبيط الإشارات التي تخبرك بالاستمرار بالأكل. وعندما يبدأ الطعام نصف المهضوم بالوصول إلى الأمعاء الدقيقة، تحرّض المجِسَّات إنتاج هرمون يعمل على تشغيل مفتاح يخبرك بأنك قد أكلت ما يكفي. وكذلك يُراقب تراكم النفايات عن كثب، وبعد فترة طويلة من انتهائك من تناول وجبتك، تقوم المجِسَّات بتنبيهك عندما يحين الوقت للتخلص من الفضلات. ولذلك فعلى الرغم من أن الحواس الخمس التقليدية هي تلك التي نعتمد عليها أكثر في تفاعلاتنا الواعية مع العالم المحيط بنا، فهناك العديد من الحواس الأخرى التي تعمل بهدوء في الخلفية ونحن نمضي في حياتنا اليومية.