الثقوب السوداء تواصل ”تجشؤ“ النجوم التي دمرتها قبل سنوات
ثقب أسود معروف 30 بليون شمس
ما يصل إلى نصف الثقوب السوداء التي تلتهم النجوم ”تتجشأ“ بقاياها النجمية بعد سنوات. توصل علماء الفلك إلى هذا الاكتشاف بعد سنوات قضوها في مراقبة الثقوب السوداء المكتنفة في أحداث التمزق المدّي Tidal disruption events (اختصارا: الأحداث TDEs). وتقع أحداث التمزق المدّي عندما تقترب النجوم أكثر مما ينبغي من الثقوب السوداء. تمارس الجاذبية الهائلة لهذه الوحوش الكونية قوى مدّية مذهلة تسبب تمدد النجوم وعصرها في عملية تسمى ”صنع السباغيتي“ .Spaghettificationتتمزق النجوم التعسة في أحداث التمزق المدّي أو ”تتفكك“ في غضون ساعات، ويتضح ذلك بظهور وميض قوي من الإشعاع الكهرومغناطيسي في الضوء المرئي.
تلفظ بعض المواد النجمية للنجم المدمّر بعيداً عن الثقب الأسود، في حين يشكل الباقي حوله بنية رقيقة تشبه لعبة الطبق الطائر (الفريسبي) Frisbee تسمى قرص التراكم Accretion disc، والذي يقذف بتلك المادة تدريجياً إلى الثقب الأسود. في أيامه الأولى، كان قرص الارتكام غير مستقر، فيما تتحرك المادة وترتطم بنفسها، مسببة تدفقات خارجة Outflows يمكن اكتشافها بواسطة موجات الراديو. لكن علماء الفلك تقليدياً لا يرصدون هذه الثقوب السوداء الآكلة للنجوم سوى لبضعة أشهر فقط بعد أحداث التمزق المدّي.
في دراسة جديدة، رصد علماء الفلك الثقوب السوداء المكتنفة في أحداث التمزق المدّي لمئات الأيام، فوجدوا أنه فيما يصل إلى %50 من الحالات، ”تجشأت” الثقوب السوداء المادة النجمية بعد سنوات. قالت إيفيت سينديس ،Yvette Cendes الباحثة المشاركة في مركز هارفارد- سميثسونيان للفيزياء الفلكية: ”إذا نظرت إليها بعد سنوات، ستجد أن جزءاً كبيراً جداً من هذه الثقوب السوداء العديمة الانبعاث الراديوي في هذه الأوقات المبكرة ’ستُفعَّل‘ Switch on فجأة في موجات الراديو“.
أعيد انبعاث هذه المادة في 10 من الثقوب السوداء البالغ عددها 24 ثقباً خلال فترة تراوحت بين 2-6 سنوات بعد الأحداث المدمرة للنجوم. لا تعرف سينديس وفريقها سبب ”تفعيل“ الثقوب السوداء بعد سنوات عديدة، لكن أياً كان السبب فمن المؤكد أنه لا يأتي من داخل الثقوب السوداء. تتميز الثقوب السوداء بأفق الحدث ،Event horizon وهي النقطة التي تكون فيها الجاذبية قوية جداً لدرجة أنه حتى الضوء لا يمكنه الإفلات منها. قالت سينديس: ”الثقوب السوداء هي بيئات ذات جاذبية شديدة جداً حتى قبل أن تتجاوز أفق الحدث، وهذا هو السبب الحقيقي وراء ذلك. نحن لا نفهم تماماً ما إن كانت المادة التي رصدت في موجات الراديو قادمة من قرص التراكم أم أنها خزّنت في مكان ما بالقرب من الثقب الأسود. لكن المؤكد أن الثقوب السوداء ملتهمة فوضوية“.
ينبع جزء من الغموض من النماذج الحاسوبية التي تحاكي أحداث التمزق المدّي، والتي تنتهي عادة بعد أسابيع فقط من تدمير النجم. يشير البحث الجديد إلى أن النماذج بحاجة إلى التحديث لاكتشاف بعض السلوكيات غير المتوقعة للثقوب السوداء. فمثلاً، في حالتين اثنتين بلغت الموجات الراديوية المنبعثة من الثقوب السوداء ذروتها، ثم تلاشت ثم بلغت ذروتها مرة أخرى. قالت سينديس: ”كانت هناك ذروة ثانية- إذ عاود الثقبان الأسودان السطوع – وهذا أمر جديد تماماً وغير متوقع. ظن الباحثون أنك سترى تدفقاً خارجياً واحداً، قبل أن ينتهى الأمر إلى حد ما. لذا، فإن هذه المشاهدة تعني أن هذه الثقوب السوداء يمكن أن ’تفعّل‘ ثم ’تفعّل‘ مرة أخرى. وذكرت سينديس إن الفريق سيواصل رصد جميع الثقوب السوداء المسببة لأحداث التمزق المدّي، خاصة وأن بعضها لا يزال يزداد سطوعاً“.
بقلم: روبرت ليا