هل ينبغي أن نأكل الحشرات؟
مع استمرار تزايد سكان العالم، تزداد كذلك الحاجة إلى مزيد من الطعام، ولكن هل يتمثل الحل بأكل الحشرات؟
نحن نعيش في عالم مثير، والذي يمتلئ بالوعود والابتكارات والفرص. لكننا نعيش أيضا في عالم يواجه تحديات كبيرة، مثل النمو السكاني السريع. وإذا استمر النمو السكاني العالمي بالزيادة بمعدلاته الحالية، فبحلول عام 2050 سيبلغ سكان العالم نحو عشرة بلايين نسمة.
وسيتطلب إطعام السكان المزدهرين والمتنامين باطراد زيادة هائلة في إنتاج الأغذية، فتشير التقديرات إلى أننا سنحتاج إلى زيادة إنتاج الطعام بنسبة %70. يواجهنا ذلك بسؤال هو: كيف؟ هل يمكننا ببساطة زيادة حجم ما نفعله؟ يتمثل الجواب البسيط بالنفي. فموارد مثل الأرض والمحيطات والمياه والطاقة محدودة حقا، والكمية الهائلة من الأراضي والمياه التي تحتاج إليها صناعة الثروة الحيوانية العالمية تفرض ضغوطا هائلة على البيئة، ناهيك عن الأثر الذي تُحدثه من حيث التلوث. وتتسبب هذه الصناعة في انبعاث غازات الدفيئة بكميات أكبر من الطائرات والقطارات والسيارات مجتمعة.
وكذلك تدهورت الموارد الطبيعية بسبب إنتاج المحاصيل والأراضي اللازمة لتربية الماشية، وغابات الأمازون المطيرة مثالا واضحا. وتشكّل المراعي حاليا %70 من أراضي الغابات السابقة، وتغطي محاصيل العلف جزءا كبيرا من الباقي.
وأخيرا وليس آخر بأي حال من الأحوال، نجد رعاية الحيوانات. يكفي إجراء بحث سريع على الإنترنت عن “حقول التسمين” لإبراز الظروف غير الملائمة التي تربى فيها العديد من الحيوانات لإنتاج اللحوم بكميات كبيرة.
فما الحل؟ كيف يمكننا تلبية هذه المتطلبات المتزايدة على البروتينات؟ كيف يمكننا تغذية ما يقرب من عشرة بلايين نسمة؟
أحد الإجابات المحتملة عن هذا السؤال هو تناول الحشرات- الإنتوموفاجي. ويكفي مجرد التفكير في مثل هذا الفعل لجعل بعض الناس يشعرون بالنفور، ومع ذلك، فإن حكمنا المسبّق الشائع في كثير من الأحيان تجاه تناول الحشرات غير مبرر من منظور تغذوي أو بيئي.
وتمثّل الحشرات بدائل صحية ومغذية للأطعمة الرئيسية مثل لحم الدجاج والديوك الرومية ولحم البقر. فهي غنية بالبروتين، وعالية المحتوى من الدهون الجيدة وتزخر بمجموعة من المغذيات الدقيقة الضرورية للجسم البشري.
في حين يبدو المفهوم غريبا للكثيرين في العالم الغربي، فهناك نحو بليوني شخص في جميع أنحاء العالم تمثّل الحشرات جزءا منتظما من طعامهم. ومع ذلك، ففي معظم الدول الغربية، ينظر الناس إلى أكل الحشرات باشمئزاز ويربطون تناول الحشرات بالسلوكيات البدائية.
ولا تُساعد هذه المشاعر السلبية على تبديد الفهم الخاطئ الشائع بأن من يأكلون الحشرات في العالم النامي يفعلون ذلك بسبب تضوّرهم جوعا.
وكثير ممن يأكلون الحشرات يفعلون ذلك ليس بسبب ندرة الخيارات المتاحة أمامهم، بل بسبب طعمها المستساغ وحقيقة أنها ظلت لفترة طويلة جزءا من الثقافات الغذائية المحلية؛ بل ينظر إلى بعضها باعتبارها أطعمة شهية. وسواء كانت شهية أم لا، فالحشرات الصالحة للأكل تناسب المهمة من وجهة نظر بيئية.
وأظهرت الأبحاث أن الجداجد Crickets فعالة بنحو ضعفي كفاءة الدجاج في تحويل الأعلاف إلى بروتين، وأكثر كفاءة من الخنازير بأربع أضعاف على الأقل وأكثر كفاءة من الماشية بـ 12 ضعفا، والأكثر من ذلك أنها تتطلب كميات أقل بكثير من الأعلاف والمياه من الماشية.
ومع ذلك، فلابد من التحذير. ظاهريا، وبالنظر إلى محتواها التغذوي وانخفاض الموارد اللازمة لتخليصها مقارنة باللحوم، تبدو الحشرات حلاًّ مفيدا للحاجة إلى إنتاج مصادر أكثر استدامة للبروتين.
ومع ذلك، فمن الصعب معرفة تأثير الإنتاج الواسع النطاق للحشرات في البيئة، أو إذا كان ذلك سيكون مستداما على المدى الطويل. فكثير من البليوني شخص الذين يُدرِجون الحشرات بالفعل في طعامهم يفعلون ذلك باصطيادها في البرية، وليس شرائها من مزارع الحشرات الواسعة النطاق التي ستكون مطلوبة لإنتاج الكميات اللازمة لمستهلكين أكبر حجما. لا يعني هذا أن الفكرة غير قابلة للتطبيق، بل إننا لا نعرف المدى الكامل لهذا الإنتاج حتى الآن.
ومع ذلك، ففي حين تؤكل الحشرات كمصدر غذائي في العديد من مناطق العالم، لا تزال المجتمعات الغربية كارهة إلى حد كبير لتناولها لأنها حشرات.
فقد ظللنا دائما ننظر إلى الحشرات كآفات، أو ديدان زاحفة، وحتى أشياء مثيرة للاشمئزاز- لكننا لم ننظر إليها قطُّ كمصدر غذائي.
وكما قال عالم الطبيعة الأمريكي جوزيف تشارلز بيكويرت: “ما نأكله، بعد كل شيء، هو مسألة تتعلق بالعرف والموضة أكثر من أي شيء آخر. ولا يمكن أن يعزى سوى إلى التحيز ما يُظهره البشر المتحضرون المعاصرون من نفور واضح من إدراج أي مخلوقات سداسية الأرجل في طعامهم.”
لم يعمل على تغيير تحيزاتنا أولئك المشاهير القلائل الذين يُجبرون على أكل الحشرات في برامج تلفزيون الواقع التافهة، وهي ممارسة لا تعمل إلا على تعزيز المبالغة في الاشمئزاز لدى الناس. ونحتاج إلى توعية الناس بفوائد الحشرات الصالحة للأكل في محاولة لتغيير تصوراتهم وتفضيلاتهم الغذائية، وهو ليس من السهل دائما لكنه ليس مستحيلا على أي حال.
فقد كان جراد البحر والروبيان يعتبران فيما مضى علامة على الفقر، لكنهما يعتبران الآن مواد غذائية فاخرة، والأكثر من ذلك أنهما ينتميان إلى فصيلة المفصليات نفسها التي تنتمي إليها الحشرات. يطرح ذلك سؤالا: إذا كنا قد غيرنا رأينا بخصوص جراد البحر، فلماذا لا نفعل ذلك مع الحشرات؟ في حين أن التوعية بالفوائد الغذائية والبيئية للحشرات يجب أن تؤدي دورا، فهناك حاجة أيضا إلى التركيز على طهي أطباق جذابة يرغب الناس في أكلها فعلا.
إذا أردنا تحطيم الحواجز النفسية وتغيير عقليات الناس، فسنحتاج إلى طهي أطباق ليست فقط ذات طعم رائع- تتمتع الحشرات بطيف واسع من النكهات- بل وجذابة بصريا كذلك.
وبالنسبة إلى شخص متردد في أكل الجنادب، فآخر شيء يريده هو أن يرى أحدها يحدق فيه من طبقه. وكما هي الحال مع أي تغيير، سيستغرق الأمر بعض الوقت، وفي الوقت الحاضر لا تزال صناعة الحشرات الصالحة للأكل في مهدها، على الرغم من أنها تنمو بسرعة مع اقتناع عدد أكبر من الناس بفوائدها للبيئة وكذلك لأنفسهم.
ومع استمرار تزايد سكان العالم، فإن الحاجة تدعو إلى تقليص البصمة البيئية للزراعة بشكل كبير؛ مما يعني أننا سنحتاج في القريب العاجل إلى البحث عن مصادر غذائية أكثر أخلاقية واستدامة.
ليس تناول الحشرات هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق، لكنه أحد الحلول؛ مما يعني أن للحشرات دورا قيّما في مستقبل عالمنا والبشر الذين يعيشون فيه. ومع كل عام يمرُّ، فإن هذا الدور سيزداد بالتأكيد. من يرغب في تناول جرادة مقلي؟