هل يمكننا توليد جاذبية اصطناعية؟
اكتشف التكنولوجيا التي يمكن أن توفر بيئات أكثر طبيعية للمركبات الفضائية لبعثات استكشاف الفضاء والسياحة الفضائية في المستقبل
تمتلئ صور السفر إلى الفضاء في روايات الخيال العلمي بمشاهد تدور على مركبة تسافر عبر الفضاء وركابها يستمتعون بوسائل الراحة التي تحاكي الجاذبية الشبيهة بالأرض. لا يقتصر هذا المفهوم على البرامج التلفزيونية مثل ستار تريك Star Trek فقط. يعمل باحثو العالم الحقيقي على إيجاد طرق لتوليد جاذبية اصطناعية في الفضاء. لن يؤدي هذا إلى تبسيط الحقبة التالية من استكشاف الفضاء فحسب، مما يجعل المهام أكثر وضوحاً، لكنه ضروري لسياحة الفضاء المحتملة- والحاجة إلى الجاذبية الاصطناعية تتجاوز الراحة.
قد تكون تأثيرات الجاذبية الصغرى في الفضاء ضارة بالفعل بالبشر، لذلك عندما ننظر إلى البعثات المأهولة الأطول مدة، بما في ذلك الرحلات إلى المريخ، قد تكون الجاذبية الاصطناعية ضرورية لصحة رواد الفضاء. في نظريته عن النسبية الخاصة المنشورة عام ،1905 قال ألبرت آينشتاين أنه لا يمكن التمييز بين الجاذبية والتعجيل (تسارع) Accelerationفي الواقع. يعني هذا أنه في صاروخ ينطلق بعجلة 9.81 م/ث2 -أي قيمة عجلة الجاذبية هنا على الأرض- سيشعر رائد الفضاء بجسده مثبتاً على الأرض تماماً كما على كوكبه الأصلي. المشكلة هي أنك لا تستطيع دائماً التعجيل بهذا المعدل أثناء رحلة أو إقامة فضائية حقيقية، خاصة إذا كنت على متن محطة فضائية تدور في مدار. لحسن الحظ، هناك أكثر من شكل من أشكال التعجيل- وباستخدام قوة الطرد المركزي، يمكننا توليد ما يقابل الجاذبية على الأرض. تتمثل إحدى الطرق المحتملة لتوليد جاذبية اصطناعية في الفضاء في استخدام تقنية تسمى أسطوانة أونيل .O’Neill cylinder سميت التقنية على اسم الفيزيائي الذي اقترحها، جيرارد أونيل ،Gerard O’Neill وتتكون من أسطوانتين ضخمتان تدوران في اتجاهين متعاكسين، مما يسمح بتوجيههما بشكل دائم نحو الشمس، لمحاكاة الجاذبية. اقترح جيف بيزوس ،Jeff Bezos مالك شركة بلو أوريجين Blue Origin لاستكشاف الفضاء، استخدام أسطوانات أونيل كأساس لمستعمرات الفضاء الطافية التي تمكن أعداداً كبيرة من البشر من العيش في المدار.
ناهيك عن كونها بعيدة عن أي نوع من التطبيقات العملية، بطولها الذي يزيد عن 32 كم وقطرها البالغ 6.5 كم- فهي مصممة لإيواء عدة ملايين من الأشخاص- تعتبر أسطوانات أونيل كبيرة جداً بالنسبة إلى معظم التطبيقات الأصغر من المستعمرات الفضائية. ابتكر باحثون في جامعة بولدر كولورادو University of Boulder Colorado بديلاً أصغر حجماً- هو أنظمة دوارة Rotating systems معزولة يمكن أن تسعها غرف المركبات الفضائية الأكثر قابلية للتطبيق. في حين أن هذا لن يوفر جاذبية اصطناعية للمركبة أو للمحطة بكاملها، إلا أنه سيمكّن المسافرين في الفضاء بالاستراحة في منطقة معينة وقضاء بعض الوقت في تجربة مجال جاذبية يشبه إلى حد كبير مجال الأرض. يستخدم النظام أيضاً تسارعاً بالطرد المركزي يحاكي مجال جاذبية يبلغ 1 g – وهو المجال نفسه الموجود على الأرض- مع استلقاء رواد الفضاء على جهاز طرد مركزي قصير القطر لتحقيق دوران سريع. قد لا يكون دوران رواد الفضاء هو الحل الأمثل، فهذا يأتي مع آثاره الصحية الضارة. ففيما عدا المركبات التي تحتوي على غرفة دوارة واحدة، قدمت الأفكار الأخرى لتوفير الجاذبية الاصطناعية مركبات دوارة شبيهة بالعصي ويبلغ عرضها 100 م، مع مفاعل نووي في أحد طرفيها ومقصورة للطاقم على الناحية الأخرى للرحلات إلى المريخ، لكن هذه كانت تعتريها مشكلات هندسية منعت تطبيقها حتى الآن. قد يكون أول جهاز جاذبية اصطناعي في الفضاء هو النموذج الأولي لحلقة الجاذبية لمحطة فوياجر الفضائية المقترحة.
طارة ستانفورد
اقترح باحثون من وكالة ناسا وجامعة ستانفورد محطة فضائية تعمل بالطرد المركزي وذات جاذبية اصطناعية
محطة فوياجر الفضائية
محطة فوياجر الفضائية Voyager Space Station هي محطة فضاء ذات عجلة دوارة مخطط لها، ومن المقرر أن يبدأ إنشاؤها في عام .2025 ستختلف فوياجر، التي ستصنعها شركة أوربيتال أسيمبلي Orbital Assembly Corporation (اختصاراً: الشركة OAC)))، عن محطة الفضاء الدولية بطريقتين رئيسيتين: ستكون مفتوحة للجمهور وستكون لها جاذبية اصطناعية. عند وضعه في مدار أرضي منخفض، سيدور فندق الفضاء هذا بسرعة كافية لتوليد جاذبية اصطناعية لنزلائه البالغ عددهم .400 إذا انتهى بناء المحطة كما هو مخطط له حالياً، فستصبح أكبر هيكل من صنع البشر يوضع في المدار.
ستشمل الخطوات الأولى للمشروع بناء نموذج أولي لحلقة جاذبية لتحسين الجاذبية الاصطناعية في الفضاء. ستولّد الحلقة البالغ قطرها 60 م جاذبية تعادل نحو %40 من جاذبية الأرض، أو ما يعادل جاذبية المريخ تقريباً.
الآثار الصحية للجاذبية الصغرى
قد يمثل توليد الجاذبية الاصطناعية أمراً حيوياً لحماية صحة رواد الفضاء في البعثات الفضائية الطويلة الأمد. لمدة 50 سنة، درس برنامج الأبحاث البشرية Human Research Program (اختصاراً: البرنامج HRP) التابع لوكالة ناسا آثار الجاذبية الصغرى على جسم الإنسان. وجد الباحثون أن العظام الحاملة للوزن عند حرمانها من جاذبية الأرض، تفقد في المتوسط 1 إلى %1.5 من كثافة المعادن بها في كل شهر من الطيران الفضائي. تُفقد كتلة العضلات بسرعة أكبر في الجاذبية الصغرى مما عليه على الأرض. وإضافة إلى ذلك، فأثناء الرحلات الفضائية، يمكن للسوائل في جسم الإنسان أن تنزاح إلى الأعلى مما يضغط على العينين، وهو ما قد يسبب مشكلات في الرؤية.