هل عمليات زراعة الدماغ ممكنة؟
تنطوي هذه الجراحة المثيرة للجدل على جوانب تقنية معقدة يجب مراعاتها قبل أن يمكننا استبدال أشد أعضاء الجسم تعقيداً
على 100 بليون عصبون (خلية عصبية) Neurons
قبل أول عملية ناجحة لزراعة قلب في عام 1967، كان يُعتقد أن فكرة إزالة هذا العضو الذي يحافظ على الحياة من الجسم واستبداله بقلب شخص آخر أمر مستحيل. أما الآن، تُجرى نحو 3,500 عملية زرع قلب سنوياً. هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه لمن لديهم أدمغة سليمة لكن خذلتهم أجسامهم؟
على عكس القلب- الذي يمتلك العلماء فهماً عميقاً لوظيفته- يعتبر الدماغ أشد الأشياء تعقيداً في الكون. فهو يحتوي على تريليونات من الاتصالات الخلوية، التي تتحكم بكفاءة في الطريقة التي تفكر، وتشعر، وتتذكر، وتتحرك بها، بل طريقة رؤيتك للعالم. فالدماغ، الذي يتصل بالحبل الشوكي ليشكلا الجهاز العصبي المركزي Central nervous system، سيلزم فصله عن الحبل الشوكي لإجراء عملية الزرع. فالتحدي الأكبر الذي يلي هذا الفعل الذي لا رجعة فيه هو إعادة توصيل الأوعية الدموية والأعصاب والأنسجة الأخرى بدقة وسرعة كافيتين حتى لا تموت أنسجة الدماغ الحيوية، بل تنفيذ ذلك بدقة تجعل الفرد يفيق من العملية دون أن تتأثر قدراته الذهنية والبدنية.
في الوقت الحالي، تتسم التحديات التقنية والأخلاقية التي ينطوي عليها نقل الدماغ بكونها من الجسامة بحيث تبدو عملية الزرع هذه ضرباً من المستقبل البعيد في رأي معظم الناس. لكن هذا لم يردع جميع جراحي الأعصاب. في عام 2017، ادّعى جراح الأعصاب الإيطالي سيرجيو كانافيرو Sergio Canavero أنه نجح في إجراء عملية لزراعة رأس. بدلاً من عزل الدماغ فقط، خطط الجراح لاستئصال رأس رجل روسي يُدعى فاليري سبيريدونوف Valery Spiridonov.
تطوّع سبيريدونوف ليكون أول شخص يتلقى هذه الزراعة، فهو مصاب بحالة وخيمة من الهزال العضلي أدت إلى تدمير الأعصاب في حبله الشوكي Spinal cord. جعله ذلك قعيد الكرسي المتحرك ومستعداً للخضوع لإعادة توصيل رأسه بجسم وحبل شوكي جديدين. كان الموعد المقرر لإجراء العملية هو عام 2017، لكنها لم تُجر. فقد سلّطت هذه القضية الضوء على المخاوف الأخلاقية لاستخدام المرضى اليائسين في عمليات تجريبية عالية المخاطر. ويواصل جراحو الأعصاب مثل كانافيرو العمل على أبحاث زراعة الدماغ، في حين يركز آخرون على التقنيات المستقبلية التي تُبتكر لتحسين جودة حياة المرضى باستخدام الروبوتات. يتضمن ذلك الواجهات بين الدماغ والآلة Brain-machine interfaces التي تستبدل اتصال الدماغ بالجهاز العصبي المركزي للحفاظ على سلامة الأنظمة البيولوجية الأشد تعقيداً.
يشرح لنا استشاري جراحة الأعصاب بمستشفى سالفورد الملكي مضاعفات عملية زرع الدماغ
■ ما المكونات المحتملة لزرع الدماغ؟
أعتقد أن العديد من الجوانب التقنية قد نفّذت بالفعل في أنواع أخرى من الجراحات، مثل إعادة توصيل الأوعية الدموية. يمكنك إعادة توصيل الأوعية الدموية لكل من المتبرع والمتلقي. هناك طرق للقيام بذلك، وهو ما ينفذ بالفعل في كثير من العمليات الجراحية.
■ ماذا سيكون الجزء الأصعب؟
يتعلق التحدي الأكبر بالحبل الشوكي Spinal cord، وتوصيل دماغ المتبرع وحبله الشوكي إلى المتلقي، اعتماداً على الموضع المحدد الذي تختاره لإجراء الفَصْل. على الرغم من أن البعض اقترح وجود تقنيات معينة قد تفيد هنا، إلا أنه لا توجد طريقة مثبتة لإعادة توصيل الحبل الشوكي بطريقة تحافظ على الوظيفة العصبية أو تستعيدها بطريقة قد تكون مفيدة.
■ ألن يكون زرع رأس كامل في جسم آخر أسهل بكثير من زرع دماغ؟
إن مجرد زرع الدماغ يعني أنه يتعين عليك أيضاً قطع جميع الأعصاب الخارجة من الدماغ إلى ما حول الرأس والرقبة، مما يزيد الأمر تعقيداً. إذا أردت زراعة رأس كامل، ستواجه مشكلات في الأوعية الدموية والحبل الشوكي والقصبة الهوائية والمريء. لكن الأعصاب التي تربط الدماغ بالعينين، مثلاً، ستبقى سليمة. ستُترك الأعصاب التي تصل مباشرة من الدماغ إلى الأعصاب القحفية Cranial nerves ومن ثم إلى المناطق المحيطة بالوجه والرقبة سليمة. سيكون ذلك أكثر مباشرة في هذا الصدد.
”هناك جوانب نفسية كبيرة لذلك الأمر“
■ ماذا قد يحدث إذا وقع خطأ؟
أعتقد أن هناك جوانب نفسية كبيرة لذلك الأمر. ومن دون هذا الاتصال بالحبل الشوكي، سيكون هناك خطر لتضرر الدماغ بفعل الإقفار Ischemia – أي نقص تدفق الدم والأكسجين- أثناء عملية الزرع، لذلك قد يتأذى الدماغ بسهولة. أنت تأخذ دماغاً سليماً لتوصيله بجسم سليم بسبب فشل الجسم. لكنك تخاطر بإلحاق ضرر بالدماغ، كما يوجد خطر لعزل المتلقي، عندما يحتفظ بوظائفه الدماغية لكنه عاجز عن التواصل أو يفتقر إلى جسم فعال.
■ ماذا يحدث عند نزع الدماغ من الجسم؟
إذا قطعت إمدادات الدم عن أجزاء من الدماغ، سيبدأ موت العصبونات بعد نحو 3 دقائق، لكن يمكنك تمديد هذه الفترة الزمنية باستخدام تقنيات مختلفة. يمكنك إعطاء أدوية، باستخدام نوع عميق جداً من التخدير، لتثبيط النشاط الاستقلابي للدماغ لتقليل النشاط بداخل الخلايا المنفصلة. في كثير من الأحيان، يمدّد هذا تلك الدقائق الثلاث إلى 7 دقائق، مثلاً، قبل أن تظهر تغيرات في النشاط الكهربائي للدماغ تشير إلى تأثر الدماغ بانخفاض تدفق الدم إليه. يمكن لإجراءات أخرى تقليل درجة حرارة الدماغ عمداً مما قد يؤدي إلى تمديد فترة الانتظار إلى فترة تتراوح بين 20 و30 دقيقة. لكننا لسنا في مرحلة يمكنك فيها بعد وضع الدماغ في علبة مملوءة بالثلج ونقله عبر البلاد.
■ هل ستؤدي التطورات التقنية إلى زيادة احتمال شيوع عمليات زرع الدماغ في المستقبل؟
أعتقد أن التطورات التقنية مثل الهياكل الخارجية Exoskeletons -التي يمكن التحكم فيها عن طريق أفكار الشخص، باستخدام مجسات أو محفزات Stimulators يمكن ارتداؤها أو زرعها للمساعدة على إرسال الرسائل إلى الأعصاب لتحريك الأشخاص- يرجّح أن تنفي الحاجة إلى عمليات زرع الدماغ حتى قبل أن تبدأ.
الزرع الجزئي
يتمثل الهدف الأساسي من عملية زرع الدماغ بالحفاظ على عقل الشخص كما هو، مع تزويده بجسم جديد ذي وظائف متجددة. بما إن كل قسم من الدماغ يؤدي أدواره الخاصة، فهل من الممكن إجراء عمليات جزئية لزرع الدماغ؟ تمثل ذكرياتك جزءاً كبيراً مما يشكّل شخصيتك، لذلك إذا صارت عمليات زرع الدماغ ممكنة، ستود الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من هذه الذكريات. لتحقيق هذه النتيجة، تنتفي الحاجة إلى إجراء عملية جزئية لزرع الدماغ. يعتبر الحُصين Hippocampus، وهو بنية دماغية معقدة بالقرب من مركز الدماغ، مركز الذاكرة في الدماغ. تتشكّل الذكريات وتخزّن في مناطق متعددة من الدماغ، ومن ثمَّ فإن محاولة زرع جزء بعينه من الدماغ تخاطر بقطع الروابط العصبية بين الذكريات وتدميرها.