أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تــاريـخ

مستوطنة قُمران المفقودة

موطن مخطوطات البحر الميت، لا تزال هذه الأطلال القديمة تُخفي عديداً من الأسرار

تقع أطلال قُمران Qumran الغامضة على الساحل الغربي للبحر الميت، وقد سُكنت خلال العصر اليوناني-الروماني، الذي استمر ما بين العامين 150 قبل الميلاد و68 للميلاد. لكن الموقع نفسه أقدم من ذلك، إذ تشير الأدلة إلى وجود مستوطنة من العصر الحديدي يعود تاريخها إلى نحو 2,600 سنة. ربما لم يزد سكان قمران على بضع عشرات من البشر، ولم تزد مساحتها بكثير على فدان واحد، وكانت على الأرجح موطناً لطائفة دينية. في العام 68 للميلاد استولى الجيش الروماني على المستوطنة، وكان الحريق الناتج عن ذلك شديداً إلى درجة أنه عُثر على أوانٍ زجاجية انصهرت بفعل الحرارة.

ركزت الحفريات الأولية على المقبرة، وأجريت في العام 1851. وبفضل أبحاث عالم الآثار الهاوي لويس فيليسيان دي سولسي Louis Felicien de Saulcy، بعد اكتشاف مخطوطات البحر الميت في كهف قريب من الموقع، تجدَّد الاهتمام بقمران. أجرى رولان دي فو Roland de Vaux أكثر الأبحاث تفصيلاً في الموقع ما بين العامين 1951 و1956، على الرغم من أن تقريره لم يكن قد اكتمل عند وفاته.

لا يزال تحديد من سَكَن الموقع بالتحديد محل جدال بين المؤرخين. لعقود من الزمن، اعتُقد أن طائفة يهودية دينية تُعرف باسم الأسينيين Essenes قد عاشت هناك، وهم مؤلفو المخطوطات أيضاً. لكن هناك مجموعة متنوعة من النظريات الأخرى المتعلقة بأصول الموقع.

تشير إحدى النظريات إلى أن قمران كانت قاعدة عسكرية أمامية للحشمونيين Hasmonean، وهي جزء من سلالة حكمت المنطقة ما بين العامين 140 و37 قبل الميلاد، وكان الغرض منها رصد اقتراب الأعداء من البحر الأحمر وحماية القدس. تقول نظرية أخرى إنها ربما كانت موقعاً لقصر فاخر، على الرغم من أن هذا مختلَف عليه بشدة. يقال إن إمدادات المياه في قمران قد توسعت في أعقاب الاحتلال الروماني، وأنها ربما صارت مركزاً لإنتاج الفخار.

أنقاض أحد الصهاريج التي ربما استُخدمت لتخزين المياه
درجات مفضية إلى أحد الحمامات التي استُخدمت في طقوس التطهير

 


 

داخل قمران

تكشف هذه الأنقاض كيفية عمل ومعيشة سكان هذه المستوطنة القديمة

هل كنت تعلم؟

هناك العديد من مخطوطات البحر الميت المزورة، بما فيها الـ 15 المحفوظة في متحف الكتاب المقدس بواشنطن العاصمة.

مخطوطات البحر الميت

في العام 1946 أو 1947، كان مجموعة من الرعاة يرعون أغنامهم عندما ألقى أحدهم حجراً في كهف، وفوجئ بسماع صوت تحطم شيء. اكتشف في الداخل مجموعة من الجرار الفخارية، يحتوي كل منها على سلسلة من اللفائف التي ضمت نحو 800 وثيقة إجمالاً. كانت اللفائف مصنوعة من ورق البردي وجلود الحيوان والنحاس، وعند البحث فيها اكتُشف أنها جميعها نصوص دينية عبرية مبكرة. تحتوي النصوص من جميع الكتاب الديني المقدس “العهد القديم”. 230 من المخطوطات هي “لفائف توراتية”، في حين تشتمل البقية على تراتيل وصلوات ونصوص أخرى. وبينما لا تشير مباشرة إلى السيد المسيح أو أي شكل من أشكال المسيحية المبكرة، فإنها توفر ثروة من المعلومات المتعلقة بالعالَم اليهودي المبكر الذي ربما عاش فيه المسيح.

قمران
الكهف 3، حيث اكتُشفت اللفائف النحاسية في العام 1952، في أثناء أعمال التنقيب

من كان الأسينيون؟

كثير من معلوماتنا عن السكان المحتملين لقمران، الأسينيين، مصدرها مؤرخ القرن الأول فلافيوس جوزيفوس Flavius Josephus. يصف جوزيفوس هذه الطائفة اليهودية بأنها تنأى بنفسها عن الملذات والرذائل الدنيوية، مع مطالبة كل عضو بالتخلي عن أمواله للمجموعة. يفترض أنهم كانوا يرتدون اللون الأبيض دائماً ويحرصون على الحفاظ على بشرتهم قاسية وجافة.

لم تكن ملابسهم تُستبدَل إلا بعد أن تصبح ممزقة وبالية. كما عوقب أي تعرٍّ أو انكشاف عرضي، حيث أُلزموا بتغطية أنفسهم دائماً. ما إذا كان أعضاء هذه الطائفة هم مؤلفي المخطوطات حقاً يظل لغزاً ومصدراً مستمراً للجدال بين علماء الآثار.

فلافيوس جوزيفوس، مؤرخ القرن الأول الذي كتب كثيراً عن الأسينيين

بقلم: كالوم ماكيلفي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى