أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةعلم الأعصابعلم الإنسان

كيف نتعلم

انسَ الذكاء الاصطناعي AI، فالدماغ البشري هو الشبكة العصبية الأصلية

بقلم: لورا ميرز

يتألف الدماغ من مجموعة تُقدَّر بنحو 86 بليون عصبون Neurons، والمتصلة بعضها ببعض ضمن شبكة اتصالات أشد تعقيداً من الإنترنت، فتمرر العصبونات الرسائل مثل أسلاك الهاتف، وتطلق نبضات كهربائية بسرعات تصل إلى 180 ميلاً/ساعة. وهي تتبادل الإشارات باستخدام حزم من المركبات الكيميائية تسمى النواقل العصبية Neurotransmitters، والتي يمكنها إما إخبار العصبون التالي بتمرير الرسالة أو التزام الصمت. تمثل الروابط بين العصبونات أساس الذاكرة، ويتعلق بناؤها بالكيفية التي نتعلم بها.

بُنيت نظرية التعلُّم البشري Theory of human learning على فكرة أن خلية دماغية واحدة لا يمكنها التعلُّم من تلقاء نفسها- فالروابط بين الخلايا الدماغية هي ما يجعل التعلُّم ممكناً. في أواخر أربعينات القرن العشرين، أوضح عالم النفس دونالد هب Donald Hebb أن “الأعصاب التي تطلق إشاراتها معاً ترتبط بعضُها ببعض”. يعني هذا في الأساس أنه عند تفعيل خلايا الدماغ بنحو متكرر في الوقت نفسه، فإنها تصبح مرتبطة مادياً وكيميائياً بعضها ببعض. يتعلق تعلُّم مهارة جديدة بتقوية الروابط بين الخلايا الدماغية التي ترسل الإشارات لأداء تلك المهارة.

هذا المفهوم يسمى “التعلُّم الهيبي” Hebbian learning، وعلى المستوى الخلوي، يبدو ذلك شبيها بالتالي: عندما ترسل خلية دماغية رسالة إلى خلية دماغية أخرى، يجب على الخلية الثانية أن تقرر ما إذا كانت ستمرر الرسالة. في البداية ليس من الواضح دائماً ما إذا كانت الرسالة مهمة، ولكن إذا كانت الخلية ترسل الرسالة نفسها مراراً وتكراراً، فسيبدأ شيء ما في التغير. تبدأ الخلية الأولى تُنتج مزيداً من النواقل العصبية بحيث يمكنها إرسال إشارة أكبر، وتنتج الخلية الثانية مزيداً من المستقبلات بحيث يمكنها اكتشاف الإشارة بسهولة أكبر. تعزز هذه التغيرات معاً الاتصالات بين الخلايا، مما يضمن وصول الرسالة دائماً.

في الدماغ الحقيقي، يكون الوضع أشد تعقيداً إلى حد ما. من النادر أن يحدث الاتصال بين خليتين اثنتين فقط. في الواقع، يشكِّل كل عصبون 1,000 اتصالاً مع العصبونات الأخرى، كما قد تصل الإشارات كلها مرة واحدة. يجب على كل عصبون أن يقدر أهمية كل رسالة يتلقاها ويقرر ما إذا كان سيمررها أو لا. التعلُّم هو الموازنة بين تلك القرارات. من بين أسهل الطرق لرؤية هذا عملياً أن ننظر إلى الكائنات الحية ذات الأجهزة العصبية الأبسط من جهازنا العصبي.

لدى البزاقات البحرية Sea slugs عضو يسمى الميزاب Siphon، والذي تستخدمه في الحركة والتغذية والتنفس. وهو شديد الحساسية، لذلك إذا شعرت بالخطر، فإنها تسحبه بسرعة.

لا يحدث رد الفعل الانعكاسي هذا عادة إذا شعرت بلمسة لطيفة جداً على الميزاب. لكن يمكنها تعلم الانسحاب من هذا الموقف غير المهدِّد إذا تغيرت الروابط بين عصبوناتها. وصَّل باحثون في جامعة كاليفورنيا أقطاباً كهربائية بعصبونات بزاقة بحرية. اختاروا عصبوناً من الميزاب وآخر من الذيل، وكلاهما يمرر الرسائل إلى عصبون ثالث يتحكم في حركة الميزاب. قبل التجربة، لم يكن العصبون الحركي يستجيب في الواقع للرسائل الواردة من عصبون الميزاب.

لتغيير هذا مرّر الباحثون نبضات كهربائية بامتداد عصبون الميزاب لمحاكاة لمسة لطيفة. وفي الوقت نفسه، مرروا نبضات كهربائية قوية بامتداد عصبون الذيل لمحاكاة إشارة الخطر. علَّم هذا المشتبك العصبي أن إشارة اللمس اللطيفة تعني أن الخطر قد يكون وشيكاً. في أثناء التجربة، تعزز الاتصال بين عصبون الميزاب والعصبون الحركي إلى درجة أن اللمسة الخفيفة وحدها كانت كافية لتحفيز رد الفعل الانعكاسي للانسحاب من دون ورود أي إشارة للخطر من الذيل على الإطلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى