أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءهل كنت تعلم؟

طاقة الشمس

نجمنا هو نبض القلب الذي يُبقي الأرض حية. فهل يمكننا إعادة بناء مصدر الطاقة الأساسي هذا على الأرض؟

بقلم: لورا ميرز

الشمس هي مصدر طاقة المجموعة الشمسية، ولهذا المفاعل الاندماجي العملاق أهميةٌ حيويةٌ للحياة على الأرض. وتدين معظم من الكائنات الحية على هذا الكوكب بحياتها لأقرب النجوم إلينا. ويعتمد نبضها النجمي على أصغر وأخف عنصر في الكون- الهيدروجين- وعلى تفاعل يسمى تفاعل البروتون- البروتون المتسلسل Proton-Proton Chain.
ذرات الهيدروجين هي مثال ممتاز: تحتوي النسخة الأساسية على بروتون Proton موجب الشحنة يعمل كنواة، يدور حوله إلكترون Electron واحد سالب الشحنة. وعادة ما تحافظ الذرات على المسافة بينها؛ فالشحنات الموجبة بداخل نواتها تُباعد بينها، كالمغناطيس.
ولكن في قلب الشمس، تكون درجة الحرارة والضغط هائلين. وتتحرك الذرات هناك بسرعة كبيرة لدرجة أنها تشق طريقها عبر القوى النووية الطاردة، فتتصادم بسرعة عالية. وعندما تحدث هذه التصادمات قد تلتصق الأنوية معاً.
يحدث الاندماج النووي على مراحل، فيبدأ من تصادم بين بروتونين اثنين. عندما يحدث هذا التصادم، يقذف أحد البروتونات بوزيتروناً Positron (إلكترون موجب الشحنة) ونيوترينو Neutrino (إلكترون عديم الشحنة). وفي غياب هذين الجسيمين يتحول أحد البروتونات إلى نيوترون Neutron، ويشكّل الزوج نظيراً أثقل للهيدروجين يُسمَّى الديوتيريوم Deuterium.
تحدث المرحلة التالية عندما يصطدم هذا الديوتيريوم ببروتون آخر. ويطلق هذا الاندماج موجة من أشعة غاما ويشكّل نوعاً جديداً من الذرات، وهي نسخة خفيفة من الهيليوم Helium تسمى الهيليوم3-. وتحمل هذه الذرة الآن بروتونين ونيوتروناً واحداً، وتصبح جاهزة للمرحلة الأخيرة من عملية الاندماج. وعندما تصطدم ذرتان من الهيليوم3-، فإنهما تلتحمان لتشكيل جسيم ألفا Alpha Particle (الهيليوم4-). ويحتوي هذا الجسيم على بروتونين ونيوترونين (مثل نواة الهليوم الطبيعية). ويبتعد البروتونان المتبقيان بسرعة، ليكونا جاهزين لإعادة الدورة مرة أخرى.
لكن كيف يولّد هذا طاقة؟ لفهم طاقة الشمس نحتاج إلى الخوض في معادلات واحد من أعظم العلماء على مرِّ العصور: ألبرت آينشتاين Albert Einstein. وفي نظريته حول النسبية الخاصة أوضح آينشتاين أن الكتلة والطاقة متماثلتان، ويمكن لإحداهما أن تتحول إلى الأخرى. وتصف معادلته الشهيرة، E=mc2، العلاقة بينهما. فالطاقة (E) لجسم ما تساوي كتلته (m) مضروبة في مربع سرعة الضوء (c). وهذه هي العلاقة التي تشغّل المفاعل النووي الموجود في قلب نجمنا.
لنواة الهيليوم التي تنتجها الشمس كتلة أقل من أنوية الهيدروجين التي صنعتها. وعندما تصطدم الذرات ببعضها، تتسرب نسبة ضئيلة من كتلتها (أقل من %1). قد يبدو أقل من %1 ضئيلاً، لكن إلقاء نظرة سريعة على معادلة آينشتاين يشرح الكيفية التي ينتج بها الاندماج النووي قدراً هائلاً من الطاقة. تبلغ سرعة الضوء 299,792,458 متر/ثانية، لذلك لا يحتاج الأمر إلا إلى إطلاق كتلة ضئيلة جدّاً لتوليد كمية هائلة من الطاقة.
ظلت الشمس تحوّل الطاقة إلى كتلة لأكثر من أربعة بلايين سنة، وقد حرقت بالفعل كميات هائلة من الوقود. وإذا نظرت إلى لبّها اليوم، فستجد أن نحو %62 من أنوية الهيدروجين اندمجت بالفعل متحولة إلى الهيليوم. ومع ذلك، فهناك الكثير من الهيدروجين المتبقي كما أن العملية تحدث ببطء، وذلك من حسن حظنا؛ لأن معظم من أشكال الحياة على الأرض تعتمد على الشمس للبقاء على قيد الحياة.
وعلى الرغم من أننا لا نعرف حتى الآن الكيفية التي تطورت بها الحياة، فإننا نعلم أن الشمس أدت دوراً مهماً. وقبل ظهور الحياة لم يكن هناك أكسجين في الغلاف الجوي للأرض. وكان الهواء عبارة عن ضباب كثيف من ثاني أكسيد الكربون، والميثان والغازات الكبريتية المنبعثة من الصخور المنصهرة. وظهرت الحياة منذ نحو 3.8 بليون سنة، ربما في الفوهات المائية الحارة في أعماق البحار.
لا تزال أنواع قليلة من الميكروبات الحديثة تعيش في هذه البيئات الغريبة، بما في ذلك البكتيريا المعروفة بمولدات الأسيتات Acetogens والعتائق Archaea التي تسمى مولدات الميثان Methanogens. وهي تجمع المواد الكيميائية من صخور الأرض، وتنزع منها الإلكترونات كما تستخدم الطاقة لانتزاع الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون؛ مما يمكنها من صنع جزيئات عضوية مثل الأسيتات والميثان، وجزيئات حاملة الطاقة مثل ثلاثي فوسفات الأدينوزين (ATP). والمشكلة في هذه التفاعلات هي أنها لا تُنتج الكثير من الطاقة. ولكي تزدهر الحياة على الأرض، فإن الكائنات الحية تحتاج إلى طريقة أفضل لتشغيل تفاعلاتها الكيميائية. وهنا يأتي دور ضوئيات التغذية Phototrophs. وتستخدم هذه الكائناتُ الطاقةَ المستمدة من الضوء لاقتحام الروابط الكيميائية.
وأشهر الكائنات الضوئية التغذية، بالطبع، هي النباتات. تحتوي الخلايا النباتية على العشرات من البلاستيدات الخضراء، وكل منها محشو بأقراص تسمى التيلاكويدات Thylakoids. وتُؤوي التيلاكويدات آلات جزيئية تسمى النظم الضوئية Photosystems، تحتوي على صبغة الكلوروفيل، وتلتقط فوتونات الضوء من الشمس، ومن ثم تسخر طاقتها.
وتطوير القدرة على صنع الكلوروفيل من التعقيد لدرجة أن العلماء يعتقدون أن ذلك حدث مرة واحدة فقط. ويعني هذا أن كل كائن حي يستخدم الكلوروفيل لابد أن يأتي من الجد نفسه- البكتيريا الزرقاء القائمة بالبناء الضوئي Photosynthetic Cyanobacteria
التي عاشت قبل أكثر من 2.15 بليون سنة. وتمكنت هذه الخلايا الغريبة من صنع الطعام والأكسجين من الضوء، في حين أرادت خلايا أخرى الدخول في العملية. بدأت الخلايا الأكبر حجما تعيش جنبا إلى جنب مع تلك البكتيريا، وشاركتها في مواردها. صارت العلاقة متقاربة لدرجة أن الخلايا الكبيرة امتصت الخلايا الأصغر في نهاية المطاف. وتطوّر النوعان الخلويان معاً، وفقدت البكتيريا القدرة على العيش بمفردها، فتحولت إلى البلاستيدات الخضراء التي نراها في الخلايا النباتية حاليا. ويوفر البناء الضوئي الآن المواد الخام لمعظم الشبكات الغذائية على هذا الكوكب.
لقد غيّر التطور الذي يستمد طاقته من الشمس الأرض، لكن بينما كنَّا مشغولين في التكيف على أشعة الشمس، تغيرت الشمس بدورها. وظلت الشمس تدمج الهيدروجين لمدة 4.5 بليون سنة، وفي ذلك الوقت صارت أكثر سطوعاً. ولكل أربع ذرات من الهيدروجين تندمج لتكوين نواة هيليوم، تنخفض الكتلة الموجودة بداخل لبها. وهناك الآن عدد أقل بكثير من الذرات في وسط الشمس؛ مما يعني وجود عدد أقل من الجزيئات لموازنة الجاذبية التي تسحب إلى الداخل وضغط الغاز الذي يدفع إلى الخارج.
ويؤدي هذا إلى تقلص لبّ الشمس؛ مما يسخّن الجسيمات المتبقية، ومن ثمَّ يسرّع التفاعلات النووية ويجعل الشمس أكثر سطوعاً. وأثناء حدوث هذا، يتوسع الغاز المحيط بالجزء الخارجي من الشمس. وعلى مدار الأربعة بلايين سنة الماضية، ازداد حجمه بنحو %20، وما زال يتوسع.
أما في الفترات الزمنية الأقصر؛ فإن ناتج الشمس من الطاقة، كان متقلباً بدوره، فغلافها الجوي عاصف، ويخلق النشاط المغناطيسي أسفل سطحها طقساً شمسيّاً في صورة بقع شمسية Sunspots، تبدأ بالقرب من قطبي الشمس وتتجه نحو خط الاستواء، وتنمو إلى دوامات مغناطيسية بحجم الكوكب. وفي أوائل القرن التاسع عشر، لاحظ ويليام هيرشل William Herschel أنه عندما انخفض عدد البقع الشمسية، ارتفع سعر القمح. وتزامن الطقس على سطح الشمس مع فترة من الجفاف على الأرض؛ ومن ثمَّ يبدو أنه يؤثر في طقسنا. وبدأ الناس بتتبع البقع الشمسية ولاحظوا أنماطاً دورية: في كل 11 سنة، يزداد عدد البقع الشمسية ثم ينخفض مرة أخرى.
ما زلنا نجهل سبب استغراق هذه الدورة الشمسية 11 عاماً، ولكن ذلك قد يكون بسبب تأثير الدينامو Dynamo Effect بداخل النجم. وتحتوي منطقة الحمل الحراري من الشمس على حساء من الجسيمات المشحونة تسمى البلازما Plasma. تخضع هذه الجسيمات لحركة ثابتة، وتسخن من الأسفل وتدور بفعل دوران الشمس. ويخلق هذا تياراتٍ قويةً تنشئ مجالات مغناطيسية حلقية (أي حلقات تتبع خطوط الطول) وثنائية القطب (حلقات تتبع القطبين). وعند نقاط مختلفة من الدورة الشمسية، تتغير قوة الحقول؛ مما يغير طريقة تفاعلها، ومن ثم يغير البقع الشمسية على السطح. وتتسم الاختلافات في نتاج الشمس عبر الدورة بضآلتها، لكنها تتراكم في بعض الأحيان مُحدثة تغيرات كبيرة على الأرض. وفي القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، مع انخفاض عدد البقع الشمسية، انزلق العالم إلى العصر الجليدي الصغير Little Ice Age.
تتضاءل أهمية العصور الجليدية عند مقارنتها بما سيحدث مستقبلاً. وبلغت الشمس منتصف عمرها تقريباً، ومع تقدمها في العمر، يتوقع أن يتغير نتاجها بشكل كبير. وعندما ينفد الهيدروجين في لبها، ستبدأ باستهلاك الهيدروجين الموجود في غلافها الخارجي. وسيستمر الهيليوم بالتراكم في الأسفل، ومع زيادة حجم اللبّ، ستبدأ الشمس بالانتفاخ، فتصبح أشد سطوعاً وسخونة وستتواصل التفاعلات الاندماجية بوتيرة أسرع، إلى أن تحترق بسرعة تزيد على ضعف وتيرتها حاليا. وسيحرق هذا سطح الأرض؛ مما يرفع الحرارة إلى أكثر من 300 درجة سيليزية.
وفي نهاية المطاف سينفد الهيدروجين. وبعد ذلك ستشتعل الشمس في صورة لهب من الهيليوم وسيبدأ لبها بدمج أنوية الهيليوم، ومن ثم تحويلها إلى عناصر أثقل مثل الكربون والأكسجين. وخلال هذه العملية ستنتفخ طبقات الشمس الخارجية وستصبح عملاقاً أحمر، وهو أشد سطوعاً بـ 34 مرة مما هي عليه الآن. وستبتلع الشمس كوكبي عطارد والزهرة، وسيذوب سطح الأرض متحولاً إلى برك من المعدن المنصهر. وبحلول ذلك الوقت، ستكون الشمس أشد سطوعاً وسخونة بمئات المرات مما هي عليه اليوم، وستبدأ صخور الأرض بالغليان.
وعندما يختفي جميع الهيليوم، سيتوقف المفاعل الاندماجي للشمس عن العمل وستبرد طبقاتها الخارجية وتنفجر ذراتها في الفضاء؛ لتشكل سديماً كوكبيّاً دواراً ونواة ساخنة لدرجة البياض. وفي النهاية ستنخفض حرارة هذا اللبّ، وهو قزم أبيض، حتى يصبح رماداً أسود خامداً، وسينطفئ ضوء مجموعتنا الشمسية إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى