ضحايا الموضة .. فرط التأنق المميت
اتخذ الناس في الماضي بعض الخيارات المشكوك فيها والخطيرة بخصوص أزيائهم
بقلم: فيليسيتي داي
يُستخدم اليوم التعبير الانجليزي ‘Dressed to kill’ (فرط التأنق المميت) بمعنى مختلف تماما، ولكن في القرون الماضية، كان ما تختار ارتداءه قد يحدد بسهولة كيف تموت. ومن الفساتين الملونة بأصباغ سامة إلى أطواق القمصان الضيقة التي تخنق من يرتديها، فالملابس التي ارتداها أسلافنا جعلتهم ضحايا الموضة، حرفيا. خذ الكورسيه (المشد) Corset، مثلا. فقد استخدمت نساء العصر الفيكتوري من سيدات المجتمع إلى بائعات المتاجر هذه الملابس التحتية السميكة لتحقيق الخصر النحيف الذي كان آنذاك المثال الأنثوي- على الرغم من حقيقة أنه كان يعيق حركتهن وله العديد من المخاطر الصحية. وعلى الرغم من أن بعضها كان خفيفاً مثل عسر الهضم المزمن، إلا أن استخدام الكورسيهات انطوى على خطر حقيقي للموت: إذا انكسر أحد إطاراته الفولاذية، يمكن بسهولة أن يثقب الأعضاء الداخلية للمرأة.
بطبيعة الحال، كانت ضرورة استخدام النيران المكشوفة ولهب الشموع للتدفئة والإضاءة وراء عدد كبير من الوفيات المرتبطة بالملابس في الماضي. ولكن على الرغم من أن بيئاتنا المحلية تنطوي اليوم على مخاطر أقل للحريق، فإن اتجاهات الموضة المعاصرة لا تزال تحمل بعض الخطر: فمثلا، ألقيت باللائمة في سبعينات وتسعينات القرن العشرين على الأحذية ذات الكعب العالي في زيادة حوادث السيارات، حيث وجد أن النعال الفائقة الحجم تُبطئ سرعات الكبح، ومن ثمّ تزيد مسافات التوقف بالسيارة. وكذلك وجدت دراسة أمريكية نشرت في عام 2011 محتوى ساماً من الرصاص في بعض أشهر ماركات أحمر الشفاه. لذلك عليكم الحذر: لم تُصبح الموضة القاتلة مادة لكتب التاريخ بعد.
باروكات ضخمة
كانت موضة منتصف القرن الثامن عشر متطرفة: فساتين ضخمة وشعر أكبر. كانت الباروكات (الشعر المستعار) المرتفعة حارة وثقيلة عند ارتدائها، مما سبب تقرحات على فروة الرأس، كما كان بالإمكان أن تشتعل بسهولة، خاصة أن مسحوق الشعر المستخدم في التبييض والشحم المستخدم للتصفيف جعلها سريعة الاشتعال جدّا. وكانت هناك أخطار أخرى ذكرتها التقارير: عملت الدبابيس الطويلة المستخدمة لتثبيت التسريحة الشاهقة لسيدة كموصل للبرق خلال عاصفة هبت في عام 1778، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها وحرق وجهها. وكانت الإصابة بالقمل (أو الأسوأ من ذلك، الفئران) مشكلة مستمرة، لأن الباروكات المنمقة كانت تظل عادة دون غسيل لأسابيع.
كورسيهات خانقة
على الرغم من أنها كانت ناجحة في شد الخصر بإحكام، إلا أن الكورسيهات كانت تفرض ضغوطا تفوق الوصف على جسم المرأة
أمشاط الشعر المتفجرة
بدأ استخدام شكل مبكر من البلاستيك، هو السليولويد Celluloid، لصنع أمشاط الشعر المزخرفة في أواخر القرن التاسع عشر كبديل رخيص وأقل ضرراً للحيوانات من العاج التقليدي. ولكن تركيبها الكيميائي- خاصة في الأصناف الأرخص- جعلها حساسة للغاية للحرارة، ومن ثم ّ كان الجلوس بالقرب من النار أو استخدام ملاقط تجعيد الشعر قد يجعل المشط يشتعل من تلقاء نفسه- بل قد ينفجر! لقد سببت للنساء حروقاً في فروة الرأس ورقعاً صلعاء، وعندما كانت توضع في واجهات المتاجر في وهج الشمس، كانت تنفجر وتُشعل النيران في نوافذ تلك المتاجر.
ياقات خانقة
هناك سبب لترجمة ياقة القميص حرفياً على أنها «قاتل الأب» باللغة الألمانية. وفي نهاية القرن التاسع عشر كان من المألوف أن يرتدي الرجال ياقات مكوية بكميات كبيرة من النشا، لكن التصلب جعلها عالية الخطورة، فكان من الممكن بسهولة أن تقطع إمدادات الهواء عمن يرتديها. وبعد تناول شراب أو اثنتين كانت الياقات مميتة على وجه الخصوص: لقد سببت اختناق الرجال إذا غطوا في النوم في حالة سُكر وهم يرتدون ملابسهم الكاملة، إذ تميل رؤوسهم إلى الأمام وتسبب الياقة انسداد القصبة الهوائية. وفي حادثة أخرى اختنق رجل بريطاني بعد أن تسببت نوبة من عسر الهضم في انتفاخ رقبته.
مستحضرات تجميل سامة
نحن نفضل اليوم سُمرة الشمس الصحية، ولكن حتى أواخر القرن الثامن عشر كان لون البشرة الفاتحة محبَّبا- كانت علامة على أنك من الثراء لأنك لا تعمل في الهواء الطلق. وكانت مساحيق التجميل المرتكزة على الرصاص، الممزوج بالخل أو روث الحيوانات، تمنح الجلد لون البورسلين الأبيض المرغوب فيه، لكنها كانت تسبب تآكله أيضاً، مما تسبب في تقرحات الوجه. وكذلك كان يجفف الجلد، مما سبب التجاعيد. والأكثر إثارة للقلق أنها كانت تُسمم مستخدميها ببطء، فتسبب تساقط الشعر والأسنان، والصداع، والشلل العضلي والتقلبات المزاجية قبل أن يقتلهم تسمم الرصاص. ويشتبه البعض في أن تسمم الدم الناجم عن طلاء الوجه السام أدى إلى وفاة الملكة إليزابيث الأولى Elizabeth I – كانت تستخدمه بكميات كبيرة لإخفاء ندوب الجدري.
التنانير المتعرجة
شهد العصر الإدواردي Edwardian era تفضيل النساء للتنانير المتزايدة الضيق والملتصقة بالجسم، لكن الاتجاه اتخذ منعطفاً غادراً مع ظهور التنورة المتعرجة Hobble skirt. وكانت تقيد من ترتديها بشدة عند الركبتين والكاحلين، فكانت شبه مشلولة، فلم يكن بوسعها سوى أن تخطو خطوات صغيرة ومترنحة. وكثيراً ما تعرضن للسقوط، ولارتطام رؤوسهن بالأرصفة، وكسر أرجلهن وأسوأ. وفي عام 1911 غرقت امرأة بعد أن تعثرت وسقطت من فوق سياج منخفض إلى قناة في الأسفل.
أصباغ سامة
كان من الصعب صنع صبغة خضراء، لذلك عندما طُرحت الصبغة التي أنتجها كيميائياً كارل شيله Carl Scheele في السوق في سبعينات القرن السابع عشر، حققت نجاحاً فورياً. وصار أخضر شيله Scheele’s Green، إلى جانب الأخضر الزمردي Emerald Green، اللون الأكثر أناقة للفساتين والقفازات والقبعات وأغطية الرأس. ولكن بسبب الزرنيخ المستخدم في إنتاجها، كانت الملابس الخضراء سامة بشكل مذهل: قد يحتوي الفستان الواحد على نحو 900 قمحة Grains من السم، يطرح منها نحو 60 في كل مرة تخطو فيها المرأة خلال رقصة الفالس في حفلة واحدة. وكانت الجرعة المميتة 4 أو 5 قمحات فقط! وبالمثل، كانت أغطية الرأس المصنوعة من الأنسجة الاصطناعية من النوع الذي تفضله الملكة فيكتوريا Queen Victoria تحتوي على ما يكفي من الزرنيخ لتسميم 20 شخصاً. ولم تكن النساء اللواتي فقدن صوابهن طلباً للون الأخضر يعرضن أنفسهن للخطر فحسب، بل جميع من حولهن أيضاً.
الكرينولين السريع الاشتعال
تحت الثياب الضخمة المحبوبة لدى نساء العصر الفيكتوري كن يرتدين الكرينولين Crinoline، وهو قفص دائري من الصلب يمنح الفستان شكله المنظم. ولكنه كان مميتاً، إذ جعل التنانير المصنوعة من الموسلين Muslin والحرير، والشديدة القابلية للاشتعال، غير عملية من حيث الحجم وأقرب احتمالاً لأن تحتك بلهب الشموع أو المواقد. وإذا اشتعلت التنورة، كان الكرينولين يعمل كمدخنة، مما زاد بشكل كبير من سرعة انتشار الحريق. وكذلك تسببت الأطواق Hoops الضخمة في تعثّر النساء فوق المنحدرات وأرصفة المرافئ في الأجواء العاصفة، كما انحشرت في الآلات الصناعية وعجلات العربات.