رحــلـــــة بالقطار عبر الزمن
جارٍ حالياً بناءُ وصلة للسكك الحديدية عالية السرعة في إنجلترا وحفر الخطوط، مما سينقل الآركيولوجيين إلى مئات السنين من تاريخ بريطانيا
يبدو من المستحيل أن تفتح التلفزيون في المملكة المتحدة حالياً من دون أن تشاهد آخر أخبار القطار السريع اثنين High Speed 2 (اختصاراً: المشروع HS2)، وهو خط السكك الحديدية عالية السرعة الجديد الذي سيصل عاصمة المملكة المتحدة بمنطقة الميدلاندز Midlands، مروراً عبر الشمال وصولاً في النهاية إلى اسكتلندا. تسارع حكومة المملكة المتحدة إلى تعديد فوائد هذا المشروع، وتسليط الضوء على العناصر الثلاثة الإيجابية- السعة وسهولة الوصول والكربون- لكن المسافرين والسياسيين ليسوا وحدهم المتحمسين.
إذ منح الآركيولوجيين وصولاً غير مسبوق إلى الطريق، مما ممكنهم من تنفيذ أكبر عملية حفر في بريطانيا. ينقب مئات من الآركيولوجيين وعلماء الأنثروبولوجيا وعلماء العظام Osteologists والمؤرخين وخبراء المحافظة على البيئة -الذين يعملون جنباً إلى جنب مع فريق المشروع HS2، في أكثر من 60 موقعاً أثرياً رئيساً على طول الطريق المخطط له- في مسعى للكشف عن 10,000 سنة من تاريخ بريطانيا العظمى.
بمرورها عبر المشهد الطبيعي الإنجليزي، تمثل هذه المواقع عديداً من الفترات المهمة عبر تاريخ الأمة، بدءاً من مستوطنة من أوائل عصور ما قبل التاريخ في وادي كولن، وثلاثة مواقع أخرى استولى عليها الرومان لاحقاً، إلى مقبرة واسعة في برمنغهام، حيث كشفت شركة الحفر عن الكدح والمشقة التي عاناها من عاشوا خلال الثورة الصناعية في الشمال.
يمر الطريق أيضاً عبر غريمز ديتش Grim’s Ditch، وهي حدود برية من العصر البرونزي، وعدد من مواقع العصور الوسطى، بما في ذلك منزل إقطاعي، وكنيسة ملحق بها مقبرة وقرية مهجورة. نظراً إلى أن خط القطار يمتد إلى جانب جسر إدجكوت Edgcote Viaduct، فهو يمر عبر موقع ساحة معركة غير مستكشفة من القرن الخامس عشر، في حين في لندن اكتُشفت مظاهر الحياة في العصر الجورجي في مقبرة واسعة بالقرب من محطة يوستون Euston Station، حيث دُفن رفات 61,000 رجل وامرأة وطفل من معظم مناحي الحياة ومن مختلف الخلفيات الاجتماعية.
بينما يكتشف علماء الآثار الرفات المادية، بدأ المؤرخون في تجميع خيوط العديد من القصص الرائعة التي دُفنت معهم، مما يجعله أكبر بحث في مجال التاريخ الاجتماعي في أوروبا.
بادئ ذي بدء، مُسح المسار كاملاً باستخدام الماسحات الضوئية لرسم خريطة بتقنية تحديد المدى عن طريق الضوء Light Detection and Ranging، أو “ليدار” LIDAR اختصاراً. تبع ذلك عدد من المسوحات الجيوفيزيائية بحيث يمكن اكتشاف أي موقع يحتمل أن يثير الاهتمام وتسجيله. ولكن مع تنفيذ برنامج علم الآثار المكثف لمشروع HS2 حالياً، ماذا سيحدث للجثث والأشياء التي اكتُشفت بالفعل؟
شعر كثيرون بالقلق من أن آلاف الجثث التي استُخرجت على طول الطريق ستُفقد أو تُساء معاملتها، لكن مسؤولة مشروع HS2 هيلين واس Helen Wass سارعت إلى الإشارة إلى أن الأمر ليس كذلك، مدعية أن “معظم القطع الأثرية والرفات البشرية المكتشفة ستُعامل بكل الكرامة والرعاية والاحترام”. استخرج كل هيكل عظمي وفحص بعناية، وحيثما أمكن، حددت هويته قبل نقله إلى مقبرة قريبة لإعادة دفنه.
قُدِّمت بعض المكتشفات، التي يتمتع بعضها بأهمية وطنية، إلى المجتمعات المحلية لعرضها في المتاحف “المنبثقة” لهذا الغرض، أو في قاعات المحاضرات في معظم أنحاء البلاد بعد تحليلها وفهرستها. من المقرر نشر المعلومات التي جُمعت في مقالات أكاديمية وفي عدد من المجلات الجماهيرية. حتى أن بعض الحفريات الأثرية صُوِّرت لمصلحة بي بي سي، وأمامها عالمة الأنثروبولوجيا أليس روبرتس Alice Roberts والمؤرخة ياسمين خان Yasmin Khan. ستُشرف هيئة الآثار البريطانية Historic England على الحفريات ومعظم أعمال ما بعد التنقيب بالاشتراك مع السلطات المحلية المعنية، لذلك فعلى الرغم من تحفظ العديد على تطوير المشروع HS2، ينتظر الآركيولوجيون وهواة التاريخ بفارغ الصبر الاكتشاف المذهل التالي.
”بدأ المؤرخون في تجميع خيوط العديد من القصص الرائعة“
هل كنت تعلم؟
سد عمال المشروع HS2 المئات من جحور حيوانات الغرير Badger لمنعها من العودة إلى منازلها.
اشتباكات مع المحاربين البيئيين
ليس الجميع متحمساً لتطوير خط HS2، فجماعات حماية البيئة مرعوبة من الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالمناطق ذات
الجمال المتميز وأهمية علمية فريدة. ستضيع ممرات الأنهار والأراضي الحرجية القديمة ومئات الموائل Habitats الفريدة، مما أدى إلى تشكيل مجموعة احتجاجية، هي التمرد على “خط HS2” HS2 Rebellion، ومقرها في متنزه كلون فالي الإقليمي. تعاون كل من صندوق الحياة البرية Wildlife Trust وصندوق الغابات الحرجية Woodland Trust وحزب الخضر Green Party والجمعية الملكية لحماية الطيور RSPB ومنظمة التمرد على الانقراض Extinction Rebellion معاً للاحتجاج على الخسارة الحتمية لموائل الحياة البرية، ولا سيما المحميات الطبيعية الـ 21 التي ستُدمر. أدى التوتر بين النشطاء والعاملين في المشروع HS2 إلى اشتباكات متكررة، انتهى بعضها بالعنف، في حين صب آخرون غضبهم على الحكومة، التي يعتقد كثيرون أنها فشلت في الوفاء بتعهداتها بحماية الحياة البرية في المملكة المتحدة.
درب الكنوز على خط القطار
عُثر على بعض الاكتشافات الرائعة على مسار المرحلة الأولى من المشروع HS2
الحقبة التاريخية:
أوائل عصور ما قبل التاريخ
العصر البرونزي
رومانية – بريطانية
العصور الوسطى
العصر الجورجي- الفيكتوري
1 مقبرة بابتيست هاوس
دُفن “أهل برمنغهام الأصليون” Brummies الذين بنوا مدينة برمنغهام خلال الثورة الصناعية في مقبرة بارك ستريت Park Street، بالقرب من مبنى محطة كورزن ستريت Curzon Street الدائري.
2 منزل كولزهيل الإقطاعي
اكتشف فريق الآركيولوجيين منزل إقطاعي من العصور الوسطى، مع حديقة ترفيهية جميلة من العصر الإليزابيثي مع مسارات وأحواض للأزهار وأساسات قصر صيفي.
3 مستوطنة أوفشيريش
تقع هذه المستوطنة الرومانية المفقودة منذ فترة طويلة بالقرب من فوس واي Fosse Way، وهو طريق روماني يرجع إلى
منتصف القرن الأول، وهو موقع ذو أهمية تاريخية كبيرة.
4 قرية رادبورن المهجورة
لا يزال يتعين استكشاف هذا الموقع بكامله، ويمكن رؤية أعمال الحفر من الصور الجوية، إضافة إلى الأدلة الوثائقية التي تشير إلى وجود قرية مزدهرة هناك.
5 مستوطنة ورملايتون
يُعتقَد أن المنطقة قد استخدمها مستوطنو العصر البرونزي وبعدهم الرومان، الذين طوروا الموقع.
6 فيلا ومزرعة بلاك غراوندس
يتكون هذا الموقع من مستوطنة من العصر الحديدي، وهي أصبحت فيما بعد مزرعة رومانية كبيرة. ربما كانت هذه ضيعة ريفية شاسعة تضم مباني سكنية وزراعية.
7 قنطرة إدجكوت
هذا موقع معركة إدجكوت خلال حرب الوردتين، حيث هزم جيش الأيرل بيمبروك من قبل روبن ريدسديل وجماعته.
8 مستوطنة دودرشال
يُعتقَد أن الموقع يمثل أكثر من 500 سنة من حياة القرى في العصور الوسطى، ويجب اعتباره موقعاً تراثياً مهماً. لم تبدأ أعمال
الحفر هناك بعد.
9 فليت مارستون
اكتُشفت هذه المدينة الرومانية-البريطانية عند تقاطع عدد من الطرق الرومانية المتجمعة، ومن المأمول أن يكشف الموقع أيضاً عن مقبرة.
10 كنيسة ومقبرة سانت ماري
يتألف الموقع من كنيسة مهجورة من العصور الوسطى ومقبرة ملحقة بها تضم رفات أشخاص دُفنوا على مدار 900 سنة، مما
سيمكن علماء الأنثروبولوجيا من مقارنة الهياكل العظمية من قرون مختلفة.
11 غريمز ديتش
هذا موقع مهم منذ العصر البرونزي الأوسط، ويُعتقَد أن هذه السلسلة من الخنادق والضفاف هي المكان الذي اجتمعت – وربما
عاشت- فيه حشود اجتماعية كبيرة.
12 وادي كولن
غربي لندن، كان وادي كولن فيما مضى سهلا فيضيا من العصر الحجري الوسيط، حيث تعايش البشر مع قطعان الحيوانات البرية
باستمرار كمذ 8,000 سنة قبل الميلاد حتى العصور الوسطى.
13 مقبرة سانت جيمس
قد تكون هذه المقبرة محلا لأكبر عمليات استخراج رفات بشري بين العصرين الجورجي والفيكتوري، تضم 61,000 جثة، بما في
ذلك شخصيات مشهورة كبيل ريتشموند “المرعب” وهو ملاكم أمريكي.
هل كنت تعلم؟
استُخدمت مقبرة كنيسة سانت ماري لأكثر من 900 سنة.
المشروع HS2 بالأرقام 140 ميلًا طول المسار المخصَّص المطلوب للمرحلة الأولى. 900 م^2 حجم الحدائق العامة الإليزابيثية المكتشَفة في منزل كولزهيل الإقطاعي. 12-8 سنة يُتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى لمشروع HS2 ما بين العامين 2029 و2033. ستة أمتار عمق الحفر في مقبرة سانت جيمس 6,500 عدد الجثث التي استُخرجت من مقبرة بارك ستريت 1,000+ إن عدد الخبراء المشاركين في المشروع HS2 يجعله أكبر حملة أثرية في أوروبا 50,000 م^3 حجم التربة التي نُقلت من مقبرة سانت جيمس