أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

القتال في المستقبل، الحرب في عام 2030

التقنيات الثورية التي ستعيد تعريف ساحة القتال

بالنسبة إلى جندي كان يقاتل قبل نحو قرن من الزمن، تبدو الأسلحةُ والتقنيات المساعِدة المتاحة اليوم غريبةً تماما في معظمها. فقد ولت منذ زمن بعيد هجمات سلاح الفرسان، والحراب والقذائف المنطلقة من البر فقط. وتتمتع الآن قواتنا البرية بحماية ملابس الكيفلار Kevlar المضادة للرصاص بينما تحلق الدرونات والمقاتلات النفاثة فوق رؤوسهم. وقد نظن أننا بلغنا قمة التكنولوجيا القتالية، ولكن في غضون قرن آخر، ستقفز ساحة المعركة قفزة هائلة أخرى إلى الأمام. نحن نقف على أعتاب هذا العصر التقني الجديد؛ تجوب السماء طائرات تخضع للتحكم عن بُعد ويجري باستمرار تصميم النماذج الأولية واختبارها في هذا المجال. كما تتميز الطائرات من دون طيار، أو UAVs اختصارا، بأهمية خاصة لفرق الأبحاث الممولة حكومياً.

وكشف أحد فروع البنتاغون مؤخرا عن سرب من الدرونات التي يمكنها أن تتواصل مع بعضها البعض وتقوم بالمراقبة عبر مساحة شاسعة. وقد تستخدم قريبا في التشويش على اتصالات العدو. وستستفيد وحدات المشاة أيضا من تطوّر التكنولوجيا، حيث ستعمل الهياكل الخارجية Exoskeletons المهندسة على تحسين قدرتهم على التحمل وتزودهم بالحماية.

وستثبّت الهياكل الخارجية للطرف السفلي على جانبي ساقي الجندي وظهره بواسطة سيور خاصة- مثل تصميم بليكس Bleex من جامعة كاليفورنيا في بيركلي- لتمكينه من رفع أحمال ثقيلة وارتداء المزيد من الدروع. وكذلك ستوجد أنماط “رخوة” من الهياكل خارجية مثل “واريور ويب كونسبت” لوكالة “داربا،” وهو حقيبة خفيفة الوزن- تشبه في شكلها بذلة الغوص، والمصممة خصيصا لحماية ودعم الأنسجة الرخوة المعرضة للإصابة، كما تساعد على تخفيف التعب العضلي. ولعل الأكثر تأثيراً من بين جميع التقنيات الواردة هو تطور الأتمتة. ومع زيادة قدرتنا على كتابة خوارزميات بديهية وبناء مجسات متطورة، صار من الممكن إبعاد البشر تماما عن عملية المراقبة واتخاذ القرارات المتعلقة بالأسلحة. إن أسلحة الدفاع المؤتمتة بالكامل تُستخدم بالفعل على نطاق واسع في منظومة فالانكس Phalanx، وهي مزيج من المجسات والبرمجيات ومدفع رشاش من نوع غالتلينغ Gatling، والمستخدم في العديد من السفن الحربية. وعندما يستشعر النظام صاروخاً قادماً، يقوم تلقائياً بتحديد موقع التهديد ويصوب المدافع إليه ويدمره بسرعة أكبر بكثير مما يستطيعه أي جهاز خاضع للتحكم البشري. وباستثناء التعامل مع التهديدات الواضحة، مثل الصواريخ القادمة، سيكون من الصعب (والمشكوك فيه أخلاقيا) منح السيطرة المطلقة لمنظومة آلية. ونتيجة لذلك، فإن الحكومات والشركات الخاصة تعمل بجد على تصميم وتنفيذ آلات حربية شبه مستقلة من كافة الأنواع، من الدبابات إلى الدرونات، وكلها تتطلب مدخلات بشرية لاستخدام قوتها الهجومية.

يعني هذا أننا سنشهد عما قريب زيادة كبيرة في عدد الجنود الذين يخوضون الحروب عن بُعد من مواقع آمنة. وستقوم الدبابات بدوريات على الأرض والدرونات بتمشيط الأجواء، فيمكنها التنقل بصورة مستقلة واتخاذ إجراءات دفاعية في الزمن الحقيقي عن طريق تجنب تأخير وصول تعليمات القيادة من مشغّل بشري يبعد عنها بأميال. ولكن عندما يتعلق الأمر باستخدام الأسلحة، سيتمكن الجنود من معالجة المعلومات الواردة وتنفيذ الاستجابة المطلوبة. فالبحرية الأمريكية، على وجه الخصوص، واثقة تماماً من تطوّر المركبات الحربية المستقلة، لدرجة أن وزير الدفاع الأمريكي ادّعى بأن أحدث دفعة من النفاثات القتالية المزودة بطيار قد تكون آخر مجموعة ستشتريها وزارته.

قد يسهل التفكير في التقنيات العسكرية المستقبلية كمجرد طرق جديدة لإلحاق الدمار، لكن هناك العديد من الطرق البحثية الرائدة التي تعمل على تقليل التأثيرات البيئية للحروب.

فمثلا، أثار الليزر اهتمام المسؤولين عن المشاريع الممولة حكوميا؛ لأنه يَعِدُ بمجموعة من التطبيقات العسكرية المختلفة.

وسيستخدم بعضها للمراقبة، ولكن البعض الآخر سيصمّم للقضاء على التهديدات المُعادية، والذي سيوفر قوة نارية في شكل حزم من الطاقة كبديل للطلقات والصواريخ الضارة بالبيئة.

بالنسبة إلى القوات البرية التي يرجّح أن تظل مزوّدة بالبنادق في المستقبل القريب، جارٍ حاليا تطوير طلقات تدريبية قابلة للتحلل. وتُنتج ذخائر اليوم قذائف معدنية ولبّاً رصاصياً كنفايات يمكنها تلويث التربة والمياه الجوفية.

ويشمل أحد الحلول المبتكرة وضع بذور مُهندسة حيويا بداخل لبّ الطلقات. وسيكون لهذه البذور فترات إنبات ممتدة ستتزامن مع الوقت الذي تستغرقه الرصاصة لكي تتحلل. وبهذه الطريقة، عندما تصير البذور جاهزة للإنبات، ستكون محتواة بأمان بداخل التربة المغذية.

وقد يبدو الأمر متناقضا أن تهتم الجيوش بتقيل تأثيرها الضار في كوكبنا، إلا أن الإجراءات الصديقة للبيئة تُعد تغييرا مرحبا به عن النواتج الثانوية التقليدية للمعارك، والمسببة للتلوث.

وكذلك سيستفيد المدنيون حتما من التقنيات التي نشأت في ساحة المعركة، كما حدث من قبل على مدار التاريخ. ويُعد الرادار مثالا شهيرا على تقنية طوّرت في زمن الحرب وسرعان ما صارت لها قيمة عالية في الحياة المدنية.

ويمكن الزعم أن الأمر نفسه ينطبق على الانشطار النووي؛ لأن الطاقة النووية تُنتج طاقة أنظف من حرق الوقود الأحفوري.

وفي نهاية المطاف، ستتغلغل هذه التقنيات الجديدة في حياتنا، ويمكننا أن نتخيل أسراب الدرونات وهي تمسح المواقع بعد الكوارث الطبيعية والتعرف على الضحايا المحتاجين إلى المساعدة؛ ستتمكن الهياكل الخارجية من دعم الأشخاص المعاقين جسديا أو الذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل؛ كما سيمكن لطائرات الركاب الآلية أن تستجيب وفقا لذلك عند أقل تغير في الظروف البيئية؛ مما يضمن طيرانا أكثر أمانا. ومن الصعب التعرف على العوامل التقنية للحرب في العقود القادمة، ولكن بفضل هذه الخطوات المبتكرة، قد تُستخدم تلك التقنيات في بيوتنا أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى