مستقبل التعليم
كيف سيكون شكل المدارس في عام 2050؟
لا تختلف الفصول الدراسية الموجودة اليوم كثيراً عما كانت عليه الفصول في العصر الفيكتوري. لا يزال المعلم يقف في مقدمة الصف، والأطفال جالسون في مواجهته، لكي يجيبوا عن أسئلته ويدونون ملاحظاتهم بخط اليد. وعلى الرغم من أنه لم تعد هناك عصا في يد المعلم، كما أننا استبدلنا الطباشير الذي تُحدث الكتابة به صريرا بالأقلام العريضة، فلم يتطور التصميم العام للصف كثيرا.
يُعد ذلك أمرا غريبا عندما نفكر في التقدم الذي حققناه خلال الفترة الزمنية نفسها: فقد هبطنا على سطح القمر، وتمكنّا من حل شيفرة الجينوم البشري، وصنعنا الحواسيب الفائقة التي نحملها في جيوبنا. فلماذا تلكَّأَ التعليم في القرن العشرين؟
وفي بعض المدارس، لم يحدث ذلك؛ فقد أحدثت التطورات التي تحققت في مجالات التدريس، والاتصالات والتكنولوجيا تغيرات جذرية في بيئات عمل الطلاب في جميع أنحاء العالم، ولا يحمل المستقبل سوى مزيد من التقدم. إذا ألقينا نظرة فاحصة على الصف الدراسي الحديث، فسنكتشف بعض التفاصيل التي ربما فاتتنا للوهلة الأولى. فمن الممكن تدوين هذه الملاحظات المكتوبة بخط اليد على جهاز الآيباد iPad باستخدام قلم الشاشة stylus، مع تحويل خط اليد إلى نص مكتوب ومن ثم حفظ الوثيقة النهائية في “السحابة” Cloud. وتتسم السبورة بكونها تفاعلية، ويمكنها عرض مواقع الويب، وأشرطة الفيديو وغيرها من المواد التي يستطيع المعلم التحكم فيها بواسطة جهاز ذكي للتحكم عن بُعد.
وفي الواقع أنه في حين أن الصيغة الأساسية للتدريس قد لا تزال في معظمها دون تغيير، فقد حسّنت التكنولوجيا من كيفية تعلّم الأطفال، وما يتعلمونه، والكيفية التي يتم بها تعليمهم. ولا تزال الكتب المدرسية، بطبيعة الحال، تمثل جزءا كبيرا من التجربة المدرسية، لكن الكتب الإلكترونية ومواقع البحث على الإنترنت تستخدم على نحو متزايد بدلا من المجلدات التقليدية. وفي بعض المدارس، يستعير الطلاب أجهزة الآيباد أو غيرها من الحواسيب اللوحية tablets، والمحمّلة بكامل قائمة القراءة للعام الدراسي. وبدلا من إرهاق ظهورهم بحمل حقائب الظهر الضخمة، لا يحتاج التلاميذ سوى إلى جهاز واحد فقط. والأفضل من ذلك أنهم يستطيعون تدوين الملاحظات المفيدة على الصفحات، أو وضع علامات على الأقسام المفيدة، دون أن يدفعوا غرامة بسبب تشويه الكتب.
وبطبيعة الحال، فمن الممكن أن تتضمن هذه الكتب أيضا روابط لمواقع إلكترونية تساعدهم على التعلّم. ومن الممكن أن تحتوي الصفحات الرقمية على معلومات مفيدة حول الاستذكار الإضافي أو الواجبات المنزلية، أو حتى يمكنها توجيه الطلاب لإجراء الاختبارات عبر الإنترنت. وبعد ذلك، يمكن للمعلم تحديد هوية من خضع للاختبار، ومعرفة علاماتهم، والحصول على مزيد من المعلومات حول كل تلميذ، بما في ذلك الفترة التي قضاها في حلّ كل سؤال منفرد.
وصار الإنترنت موردا قيِّما للتدريس، كما يستخدم بانتظام في الفصول الدراسية. وبدلا من أشرطة الفيديو الرسمية المسجلة في أيام تقنية الـ VHS ، يمكن للمدرسين العثور على الموارد المفيدة بسرعة ومن ثم عرضها على الصف. ولا يتسم هذا بكونه أكثر تشويقا من مقطع للفيديو تم تسجيله قبل عقود فحسب، بل يمكنه تحفيز المزيد من المناقشة.
أدت التطورات التكنولوجية إلى تغيير طريقة عمل المعلمين أيضا. فيُشجّع الطلاب أكثر فأكثر على العمل ضمن مجموعات صغيرة وتعزيز التفاعل بينهم، مع استخدام التكنولوجيا كأداة ممكّنة. جارٍ إعادة تصميم أماكن التعلم لمواكبة ذلك، فيما تتغير أدوار المعلمين ببطء إلى دور سلبية أكثر.
ونظرا لأن التكنولوجيا أصبحت متاحة أكثر فأكثر، فسيستمر هذا النمط بالزيادة. وسوف تسمح تقنيات مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد للطلاب والمعلمين على حد سواء بإنشاء مواد تعليمية في غضون دقائق. وسيمكن لدروس النمذجة الثلاثية الأبعاد أن تنتقل من مرحلة التصميم إلى النموذج الأولي في غضون ساعات قليلة، كما ستشهد دروس البيولوجيا قيام المعلمين بطباعة نماذج الثلاثية الأبعاد لجماجم الحيوانات القديمة لعرضها على طلاب الصف. وستقضي الحوسبة السحابية cloud computing على أعذار من قبيل “ أكل الكلب واجبي المدرسي”، كما ستمنح الزملاء فرصة للدردشة حول واجباتهم في المنزل، وذلك باستخدام غرف الدردشة التي يتحكم فيها المعلم، والتي تسمح لهم بالتعاون في تنفيذ المشاريع. وستستخدم الألعاب في التدريس على نحو متزايد، وسيساعد تتبّع العينين المعلمين على تحليل أفضل ما يمكن عمله في الصف، وما يفشل في جذب الانتباه.
وبطبيعة الحال، فمع تغير طرق التدريس، ستتغير المناهج الدراسية وفقا لذلك. وعلى سبيل المثال، فمع تزايد أهمية المهارات الحاسوبية في هذا العصر الرقمي، صار العديد من الطلاب يتعلمون البرمجة.
ففي المملكة المتحدة، يتم تعليم التلاميذ الذين لا تتجاوز أعمارهم الخامسة كيفية البرمجة coding، حيث يتعلمون الأساسيات من خلال ممارسة ألعاب بسيطة.
الحواسيب اللوحية مقابل الكتب المدرسية
في السنوات المقبلة، من المرجح لفكرة حمل أكوام وأكوام من الكتب الثقيلة في كل يوم دراسي أن تصير شيئا من الماضي. وسواء قامت المدارس بتزويد تلاميذها بالحواسيب اللوحية، أم قام الطلاب بجلب حواسيبهم الخاصة، فمن الواضح أن مستقبل الكتاب المدرسي يكمن في الشاشات التي تعمل باللمس. من الممكن أن يحمل حاسوب لوحي واحد ما قيمته عام كامل من المواد التعليمية، بالإضافة إلى تزويد الطلاب بالاختبارات التفاعلية، ومقاطع الفيديو، والتطبيقات، والتي تتحكم فيها المدرسة. ففي بعض المدارس بالولايات المتحدة، يحدث هذا بالفعل؛ مما يمثل دون شك الخطوة الأولى في ثورة التدريس.
اللعب والتعلم
يفترض العديد من المعلمين والآباء أن ألعاب الفيديو عنيفة دون داع وتسبب الإدمان، بالإضافة إلى افتقارها للجدارة التعليمية. ولكن في السنوات الأخيرة، بدأت الألعاب تشق طريقها إلى الفصول الدراسية كمواد تعليمية. يمكن لألعاب مثل ماين كرافت Minecraft، التي توجد حاليا في إصدار تعليمي مخصّص، أن تعلّم الأطفال من خلال اللعب. أما الأطفال الذين يعودون إلى منازلهم عادة ويقضون ساعات من وقت فراغهم في ممارسة ألعاب مثل هذه؛ فسيستمتعون ويتعلمون أكثر من أي وقت مضى. وسيزداد استخدام الألعاب في الفصول الدراسية مع تزايد شيوع دروس البرمجة في المستقبل القريب.
دروس الواقع الافتراضي
قريبا، لن تكون الصفوف الدراسية بحاجة إلى مغادرة المدرسة للقيام برحلة ميدانية. وسوف تسمح سماعات الواقع الافتراضي للطلاب بالتجول عبر جميع أنحاء العالم، وحتى الغوص تحت الأمواج أو السباحة في الفضاء، دون مغادرة الغرفة على الإطلاق. ومع انخفاض أسعار هذه التقنية وقيام مطوري البرمجيات ببناء فضاءات التعلم الافتراضية، صارت الدروس أكثر جاذبية وتشويقاً من أي وقت مضى. وعما قريب، قد يجد التلاميذ أنفسهم يتعلمون عن البراكين من فوق سفح جبل إتنا Mount Etna، ويستكشفون موقع الحفريات القديمة في مصر، أو حتى ينطلقون في رحلة عبر الجسم البشري لدراسة علم التشريح.