عربات ترام سان فرانسيسكو
اكتشف الطرق الغامضة المستخدمة لتشغيل شبكة النقل الشهيرة في المدينة.
أثناء تجوّلها صعودا وهبوطا عبر شوارع المدينة الشديدة الانحدار، تبدو عربات الترام الشهيرة في سان فرانسيسكو وكأنها تنزلق بسهولة دون أي وسيلة للدفع. وعلى عكس عربات الترام التقليدية المعلقة في الهواء (التليفريك)، تزحف هذه العربات الشبيهة بالتِّرام على الطريق، ولكن من دون أسلاك علوية مرئية تزودها بالطاقة. وبدلا من ذلك، فهي تتحرك بواسطة كبلات توجد تحت الأرض، تدور بشكل مستمر في الحلقات الموجودة تحت المسارات. وكل ما على العربات عملُه هو القبض بهذه الكبلات باستخدام جهاز خاص يوجد أسفل العربة، والذي يصل إلى الكبل عبر فتحة في الطريق. وبمجرد توصيل الكبل، يُسحب طوال الرحلة، ويمكن فصله ببساطة عند الرغبة في التوقف. وقد ظلت هذه الآلية البسيطة على الرغم من فعاليتها تُحرّك العربات منذ إدخالها لأول مرة في عام 1873 كجزء من أول منظومة عملية لعربات الترام في العالم.
وبحلول عام 1890، كان قد أُنشئ 23 خطا، ولكن مع زيادة كفاءة الحافلات وعربات الترام الكهربائية، قُلّصت الخدمة. وهو اليوم آخر نظام لتشغيل عربات الترام يدويا في العالم، ويتألف من ثلاثة خطوط فقط تحركها أربعة كبلات؛ واحد لخط كاليفورنيا، وواحد لخط باول المركزي، وواحد لكل من نهايتيها الخارجيتين: باول- ماسون وباول- هايد. وتُحرك الكبلات الفولاذية السميكة بواسطة محركات كهربائية تقع في محطة مركزية لتوليد الطاقة، وتتحرك بسرعة ثابتة قدرها 15 كم في الساعة. وعند مغادرة الكبلات للمبنى، تُعزل بقطران الصنوبر؛ مما لا يساعد فقط على حمايتها بل ويجعل بداية انطلاق العربات أكثر سلاسة.
وعندما يقبض عليها أول مرة، يعمل القطران كزيت للتشحيم؛ مما يسمح للكبل بالانزلاق عبره قبضته قليلا مع تزايد سرعة العربة.
ويؤدي الضغط الناجم عن القبضة إلى ارتفاع حرارة القطران وتبخره؛ مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تلامس مباشر بين المعدنين ومن ثم إلى قبضة أشد قوة. وعلى الرغم من تلك الطبقة الإضافية من الحماية، فإن عمر الكبلات لا يزيد عادة على ستة إلى ثمانية أشهر في المتوسط. وفي محطة توليد الطاقة، تمر الكبلات عبر جهاز للإنذار يرسل إشارات إلى الطاقم عندما ترتخي إحدى الجدائل، وحينها يُغلق الخط بالكامل في ذلك المساء حتى تركيب كبل جديد بدلا منه. وأثناء مرور الكبلات أسفل شوارع سان فرانسيسكو، تحفظها في مكانها سلسلة من البكرات المثبتة بطول كل خط حديدي. ومن دونها، ستنتأ الكبلات من الفتحات الموجودة أسفل كل من التلال الكثيرة في المدينة؛ مما يجعل من المستحيل على العربات إحكام قبضتها على الكبلات.
وتحافظ البكرات على حركة الكبلات بطول الجزء السفلي من قنواتها، عند مستوى أدنى من متناول مقبض عربة الترام.
ولكي تتمكن العربة من إحكام قبضتها، يجب أن تمر إما فوق ميل في الخط الحديدي، والذي يخفف ضغط المقبض على الكبل، أو تُشد عتلة رفع الكبل في الشارع لرفع الكبل. وتقع مهمة تشغيل مقبض عربة الترام على عاتق السائق، الذي يستخدم ذراع المقبض من أجل ‘إمساك’ أو ‘إسقاط’ ‘الحبل’، وهو المصطلح العامي للكبل. وهي مهمة تتطلب قوة ومهارة، إذ لا توجد علامات تشير إلى مقدار قوة القبضة المطبقة على الحبل.
ويجب أن يتمكن السائق من استشعار موضع المقبض بحيث يعرف متى تدعو الحاجة إلى تشديد القبضة أو تخفيفها.
وهناك حاجة أيضا إلى التركيز؛ لأنه يحتاج إلى ضبط الرافعة المقبضية عدة مرات في كل رحلة. فمثلا، عندما تقوم اللوحات الفولاذية أو الحروف الصفراء الزاهية المرسومة على الشارع بتحذير السائق “للإفلات”، يجب عليه “إسقاط الحبل”.
وقد يرجع ذلك إلى واحد من أسباب عديدة، بما في ذلك وجود بكرة تحت الخط الحديدي، قد يصطدم بها المقبض، أو أن تقترب العربة من منحنى “الإفلات”، حيث يتم تحويل مسار الكبل حول دولاب، أو عجلة محزوزة. وعند هذه النقاط، يتم إفلات الكبل وتستمر العربة بطريقها بفعل القصور الذاتي فقط، قبل “التقاط الحبل” مرة أخرى على الجانب الآخر.
وتدعو الحاجة إلى عملية مماثلة عند نقطة تقاطع خطي باول وكاليفورنيا. ولأن خط كاليفورنيا قد بُني أولا، فإن كبله يمتد فوق خط باول، ومن ثم يمكن للسائق أن يواصل طريقه ببساطة فوق التقاطع كالمعتاد. لكن إذا قام سائق خط باول بالشيء نفسه، فسيصطدم مقبض عربته بكبل خط كاليفورنيا؛ مما يتسبب في تلفيات كثيرة. ولذلك، فعندما تقترب عربة خط باول من هذا التقاطع، يجب على السائق أن يُسقط الحبل، ويمر بالعربة فوق التقاطع، ثم يلتقط الحبل على الجانب الآخر.
هذا هو التقاطع الوحيد عبر منظومة عربات الترام اليوم، في حين كان هناك الكثير منها في الماضي. عندما افتتح الخط الأخير في عام 1891، كان على سائقه إسقاط الحبل 22 مرة.
وفي الحالات النادرة جدا التي يفشل السائق فيها في إفلات الحبل عندما يُطلب إليه ذلك، تطبّق آلية للسلامة. ومع اقتراب العربة، يقوم الكبل برفع قضيب ماص للصدمات الذي يُسقط أثقالا موازنة ويدير البكرة باتحاه الكبل. ويُسبب ذلك رنين جرس الإنذار؛ مما ينبّه السائق لإسقاط الحبل.
وإذا لم يُفلت الكبل، سيقوم القضيب الماص للصدمات بإفلاته عنوة من المقبض؛ مما يتسبب في أضرار طفيفة يمكن إصلاحها بسرعة.
أما الحالات الوحيدة الأخرى التي يجب فيها على السائق إفلات الحبل؛ فهي عندما يجب على عربة خط باول أن تفلت أحد الكبلات وأن تلتقط آخر، أو في نهاية الخط.
أما في خط كاليفورنيا فيكون إعداد العربات لرحلة العودة مهمة سهلة نسبيا لأنه ذو نهايتين. وتستخدم منظومة من مفاتيح التبديل والمحوِّلات لإبقاء العربة على الخط الحديدي الصحيح، وبعد ذلك يقوم السائق ببساطة بتغيير مكانه، إذ توجد آلات متماثلة في كل من نهايتي العربة. ولكن، فعلى خط باول تكون العربات ذات نهاية واحدة، ومن ثمَّ ينبغي استخدام منصة دوارة لتدوير العربة بكاملها قبل أن تتمكن من مواصلة رحلة العودة.