تعني كلمة ذرة atom “غير قابل للانقسام”، ولكن في عام 1938 حقق العلماء الألمان ما لا يمكن تصوره؛ فقد شطروا الذرة إلى أجزاء، مما أدى إلى فترة مكثفة من البحوث التي أدت إلى تغيير العالم إلى الأبد. وقد تحقق شطر الذرة، أو الانشطار النووي، عن طريق قذف النيوترونات على اليورانيوم. مع ارتطام الجسيمات بالذرات، انهارت الأنوية، مما أدى إلى توليد عناصر أخف وزنا وإطلاق المزيد من النيوترونات خلال العملية. وإذا أمكن تسخير هذه النيوترونات، فمن الممكن أن تستخدم لشطر المزيد من ذرات اليورانيوم، مما يؤدي إلى تفاعل متسلسل قد يصبح قويا بما يكفي لأن يستخدم كسلاح. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية، خشي الفيزيائيون من أن يحقق النازيون ذلك بالضبط. فرّ العديد من العلماء من الفاشية في أوروبا ووصلوا إلى الشواطئ الأمريكية، ومن بينهم ليو زيلارد Szilard وألبرت آينشتاين Einstein وإنريكو فيرمي Fermi.
أراد زيلارد أن يحذر الرئيس من الاكتشاف الجديد، لكنه كان باحثا صغيرا، فكان بحاجة إلى عالم أكبر لدعمه، لذلك طلب من زميله إدوارد تيلر Teller أن يصطحبه لمقابلة آينشتاين، الذي حذر بعد ذلك الرئيس ثيودور روزفلت. شكّل روزفلت لجنة استشارية معنية باليورانيوم، لكن انتباهه تشتت بسبب الحرب، فلم تتح له الفرصة للإحاطة بالأمر حتى عام 1941. كانت تلك هي السنة التي هاجمت فيها اليابان بيرل هاربور، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2,000 جندي أمريكي في كمين جوي وحشي. وفي مدينة نيويورك وتحت اسم مشروع مانهاتن، تولى الفريق ليزلي آر غروفز Groves قيادة البحوث الذرية. لم يُمنح فريقه سوى 6,000 دولار لدراسة الحرب الذرية، وبدأ الفيزيائي البارز إنريكو فيرمي العمل في المرحلة الأولى. لم يكن أحد يعتقد أنها ستنجح. هرب فيرمي من إيطاليا عندما ذهب إلى السويد لاستلام جائزة نوبل التي فاز بها؛ وبدلا من العودة إلى دياره، هرب إلى الولايات المتحدة مع زوجته. ومع بداية مشروع مانهاتن، ركّز جهوده على إنجاح التفاعل النووي المتسلسل، وقام بمساعدة زيلارد ببناء أول مفاعل نووي في العالم في ملعب للاسكواش تحت استاد في جامعة شيكاغو. لإدامة التفاعل النووي المتسلسل، احتاجا إلى إبطاء سرعة النيوترونات بحيث يمكنها الارتطام بعدد أكبر من أنوية اليورانيوم ومن ثم شطرها. وقد فعلا ذلك عن طريق تضمين كريات اليورانيوم في طبقات متراكبة من الغرافيت. وأخيرا، في عام 1942، نجحا في إحداث تفاعل متسلسل فعال، وبدأت الحكومة تضخ الأموال في البحوث. اشترى الجيش أرضا في صحراء لوس ألاموس في نيو مكسيكو تحت ادعاء الحاجة إلى موقع جديد للهدم. وضع المرفق الجديد تحت قيادة أستاذ الفيزياء روبرت أوبنهايمر Oppenheimer، وبدأ الفريق العمل على مقدار الوقود الذي يحتاجونه لبناء قنبلتهم. يحتوي خام اليورانيوم على نظائر مختلفة لهذا العنصر المشع؛ ولذرات هذه النظائر أعداد مختلفة من النيوترونات. يوجد معظم اليورانيوم على شكل اليورانيوم 238، ولكن لبناء قنبلة احتاج العلماء إلى اليورانيوم 235، لذلك كانوا بحاجة إلى وسيلة لشطره. كانت حسابات كمية الوقود التي يحتاجونها أقل بكثير من التقديرات، ولكن عندما طلب أوبنهايمر وفريقه 200 كلغ من اليورانيوم (أكثر بعشرة أضعاف مما انتهى بهم الأمر لاستخدامه)، وافق الرئيس روزفلت على تمويل إضافي بمبلغ 500 مليون دولار. صممت أجهزة الفَصْل الأولى لصنع وقود اليورانيوم من قبل إرنست لورانس في بيركلي، كاليفورنيا. عرفت هذه الآلات باسم الكالوترونات calutrons، وهي عبارة عن نسخ مكبرة من مطياف الكتلة، والتي تجعل الذرات تدور بسرعة حول مغناطيس. اليورانيوم 235 هو أخف قليلا من اليورانيوم 238، وكلما قلّ وزن الذرة، سيزداد حني المغناطيس لطريقها، مما يسمح بشطر النواتين بدقة. كانت العملية بطيئة بصورة مرهقة؛ فلم يكن بوسع كل كالوترون أن ينتج سوى عشرة غرامات من اليورانيوم 235 يوميا، ولذلك قاموا ببناء منشأة مخصصة تسمى محطة Y-12 لتخصيب اليورانيوم في أوك ريدج بولاية تينيسي، والتي احتوت على أكثر من 1.150 كالوترونا. لم يكن هناك وقت لاختبار التقنية الجديدة على نطاق صغير، وعندما انتقلوا لأول مرة إلى المحطة Y-12، يقال أن المغناطيسات اقتلعت المسامير من الجدران. وبمجرد تشغيلها، اجتذبت المحطة 75,000 عاملا، وبحلول نهاية الحرب كانت أوك ريدج خامس أكبر مدينة في ولاية تينيسي. لم تكن الكالوترونات وحدها قادرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم لبناء قنبلة، لذلك استخدم علماء مشروع مانهاتن طريقة تخصيب ثانية لتوليد المزيد من الوقود. كان الانتشار الغازي- الذي تم تطويره في المملكة المتحدة في أربعينات القرن العشرين- يعمل عن طريق دمج اليورانيوم والفلور لصنع غاز سداسي فلوريد اليورانيوم. وبعد ذلك، كان هذا الغاز يمرر عبر حاجز مرصع بالثقوب المجهرية، والتي تكفي بالكاد للسماح بمرور الجزيئات عبرها. كانت الجزيئات التي تحتوي على نظير اليورانيوم 235 الأصغر حجما تمر بوتيرة أسرع قليلا في المتوسط، مما سمح لهم بجمعها. تم بناء 300.000 متر مربع من الحواجز في محطة K25 في ولاية تينيسي في عام 1943. وفي ذروة نشاطه، كان إنتاج الوقود النووي للبرنامج يستهلك عُشر الطاقة المنتجة في الولايات المتحدة. وفي غضون عامين، توسع مشروع مانهاتن ليصبح واحدا من أكبر المشاريع العلمية على الإطلاق، والذي شمل العديد من المدن وعمل فيه عشرات الآلاف من الأشخاص في المجالات العسكرية، والعلمية، والحكومية. لكن العلماء لم يعرفوا ما إن كانت قنابلهم ستنجح. كان توليد ما يكفي من اليورانيوم لقنبلة واحدة يبدو صعبا بما فيه الكفاية، وبالتالي فلن يتبقى أي وقود إضافي لإجراء تجربة، ولكن في عام 1941، تم اكتشاف البلوتونيوم. يمكن إنتاج هذا العنصر التخليقي المشع عن طريق تشعيع اليورانيوم في مفاعل نووي، ومن الممكن أن يوفر وقودا يكفي لقنبلة ثانية. صمّم العلماء في شيكاغو مفاعلات لتوليد البلوتونيوم، وتم تعيين أكثر من 60,000 عامل بناء لتنفيذ مهمة بناء محطة جديدة في صحراء هانفورد بولاية واشنطن. في قنبلة اليورانيوم- التي سميت لاحقا “ليتل بوي”- استند العلماء في تصميمهم على البندقية، حيث أطلقوا كتلة من اليورانيوم على كتلة أخرى لإطلاق تفاعل متسلسل؛ أما في قنبلة البلوتونيوم، فقد اخترعوا قشرة خارجية من المتفجرات التي أن تنفجر حول لبّ من البلوتونيوم. تعمل الموجات الصادمة على حشر ذرات البلوتونيوم معا، مما يحفّز التفاعل المتسلسل. في 12 أبريل 1945، توفي الرئيس روزفلت، وبعد شهر واحد، استسلمت القوات النازية، لكن اليابان رفضت إنهاء الحرب، واستمر المشروع الأمريكي في تطوير قنابله الذرية. اتخذ الرئيس ترومان قراره بإسقاط القنابل في أول يونيو من ذلك العام، وفي يوليو قاموا بالاختبار الأول على الأراضي الأمريكية وفجروا نسخة متماثلة من قنبلة البلوتونيوم- فات مان- فأحدثت انفجارا يعادل 20,000 طن من مادة تي إن تي TNT الشديدة الانفجار. جسّد هذا أقصى تقديراتهم، وتحولت رمال الصحراء إلى زجاج. وفي 6 أغسطس 1945، استقل بول تيبيتس الطائرة “إنولا غاي”، والتي سميت على اسم أمه، وحلّق فوق هيروشيما حاملا قنبلة “ليتل بوي”.
احتاج تطوير القنابل الذرية إلى 120,000 شخصاً وأكثر من ملياري دولار، وفي غضون لحظات سويّ بالأرض %90 من المدينة وقتل 150,000 شخصاً بسبب الانفجار أو مرض الإشعاع اللاحق. وبعد يومين، تم تفجير القنبلة “فات مان” على مدينة ناغازاكي، مما أسفر عن مقتل 75,000 آخرين. استسلمت اليابان في 15 أغسطس 1945.
قال أوبنهايمر، الذي قاد مشروع مانهاتن: “كنا نعلم أن العالم لن يكون هو نفسه. لقد ضحك قليل من الناس، وبكى قليل منهم، لكن معظم الناس ظلوا صامتين. تذكّرت فقرة من الكتاب الهندوسي، البهاغافاد غيتا، وفيها يحاول فيشنو إقناع الأمير بأنه يجب أن يقوم بواجبه، ولإقناعه اتخذ شكله المتعدد الأسلحة، وقال: “الآن أصبح الموت، مدمر العوالم”. أعتقد أننا جميعا ظننا ذلك، بطريقة أو بأخرى”.