داخل عين بيونية
في وجود أكثر من 160 مليون شخص يعانون نوعاً ما من فقدان البصر، قد تمثل العيون البيونية الحل لإحدى المشكلات الطبية الأشد إلحاحاً في عصرنا
في المسلسل التلفزيوني ”ستار تريك: الجيل التالي“، ارتدى كبير مهندسي المركبة إنتربرايز الكفيف، غوردي لا فورج ،Geordi La Forge جهازاً يمكنه من الرؤية- لكن ذلك كان في القرن الرابع والعشرين الخيالي. لطالما ظلت التكنولوجيا التي يمكنها استنساخ وظائف العين البشرية راسخة في عوالم الخيال العلمي، حتى الآن. وشهدت التطورات العلمية صنع عيون بيونية Bionic eyes تعيد الأمل لأول مرة إلى العديد من الأشخاص غير القادرين على الرؤية أو الذين تدهورت رؤيتهم بسبب الإصابة أو المرض أو العوامل الوراثية. في وجود نحو 40 مليون شخص يعانون العمى في معظم أنحاء العالم و124 مليون آخرين يعانون ضعف البصر، تصير الحاجة ملحة إلى إيجاد حلول جديدة.
تستقبل العين السليمة الضوء عبر البؤبؤ ،Pupil وتركّز العدسة هذا الضوء على الجزء الخلفي من العين، حيث توجد طبقة سميكة من الأنسجة الحساسة للضوء تسمى الشبكية .Retina وتحول الخلايا التي تسمى المستقبلات الضوئية Photoreceptors الضوء إلى إشارات كهربائية تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، الذي يفسّر تلك الصور. ولكن المشكلات تحدث عندما يتعطل جزء من هذه المنظومة، غالباً بسبب الأمراض التنكسية Degenerative diseases التي يمكن أن تلحق الضرر بأجزاء من الشبكية. وهنا يمكن أن تتدخل التكنولوجيا لسد الفجوة لتعويض الجزء المفقود أو التالف من العملية.
جارٍ الآن تطوير أنواع مختلفة من العيون البيونية، وبعضها ليس عيوناً على الإطلاق، بل أنواع من النظارات التي تُلبس مثل النظارات التقليدية.
في عام 2009 صنع جراحو مستشفى العيون في كل من مانشستر ومورفيلدز التاريخ بعرضهم لأول تجربة في العالم للعين البيونية ”أرغوس تو“ Argus II في مرضى التهاب الشبكية الصباغي ،Retinitis pigmentosa وهو مرض تنكسي يصيب العينين. زرعت العيون البيونية في 10 مرضى يعانون فقدان البصر، فساعدتهم على التعرف على الأشكال والأنماط. وفي عام ،2013 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDAقانوناً على استخدام الجهاز.
تركز عيناك على 50
عنصراً مختلفاً كل ثانية
واصلت التقنية تطورها، وفي العام الماضي ابتكر باحثون في كلية كيك الطبية بجامعة جنوب كاليفورنيا نموذجاً حاسوبياً متقدماً لمحاكاة الشبكية البشرية، والذي يستنسخ أشكال ومواضع ملايين الخلايا العصبية ويمكنه أن يساعد على تحقيق رؤية الألوان وتحسين وضوح التقنية. وكذلك أجرى العلماء في جامعة سيدني وجامعة نيو ساوث ويلز مؤخراً تجارب ناجحة على العين البيونية فينكس ناينتي ناين Phoenix99 في الأغنام لمعرفة كيف يتعافى الجسم عندما يزرع فيه الجهاز. قال الباحثون إنه لم تكن هناك ردود أفعال غير متوقعة، ويتوقعون أن تظل الغرسة في مكانها بأمان ”لسنوات عديدة“. سيمهد ذلك الطريق أمام التجارب البشرية.
تتمثل إحدى مشكلات هذه التقنية بأنها قد تكون ضخمة نسبياً، لذا فإن السباق مستمر لإيجاد طرق جديدة لتزويد العيون البيونية بالطاقة. طور العلماء في معهد هاربين للتكنولوجيا في الصين وجامعة نورثمبريا مؤخراً نظاماً منخفض استهلاك الطاقة للتحكم في الأجهزة الشبكية في العيون البيونية، حيث وصفه البروفيسور الرئيسي بينغ آن هو PingAn Hu بأنه ”فتح علمي مهم“. جارٍ الآن العمل على تحسينها، لكن هناك أمراً واحداً مؤكداً فيما يتعلق بهذا النوع من التكنولوجيا، وهو أن المستقبل في عين الناظرين إليه.
هل كنت تعلم؟
زُرع جهاز أرغوس تو Argus II في عيون أكثر من 350 شخصاً.
أمراض مدمرة للإبصار
هناك مجموعة من الحالات المرضية التي قد تسبب تدهور البصر – يحدث بعضها بسبب عملية الشيخوخة والبعض الآخر قد تكون موروثة. تعمل العيون البيونية عن طريق “ملء الفراغات” بين ما تدركه الشبكية وكيفية معالجتها في القشرة البصرية للدماغ. يحدث هذا الانهيار في الحالات المرضية التي تصيب الشبكية، ومن ثمَّ فهذه هي الحالات التي يمكن أن تساعد على علاجها العيون البيونية. أحد هذه الأمراض هو التهاب الشبكية الصباغي، وهو مجموعة من الاضطرابات الوراثية النادرة التي تنطوي على انهيار وفقدان الخلايا في ذلك الجزء من العين. وحالة أخرى هي الضمور البقعي المرتبط بالعمر Age-related macular degeneration (اختصاراً: الضمور AMD)، وهو مرض يصيب العين ويمكن أن يشوش الرؤية المركزية للمصابين به. تحدث هذه الحالة عندما تتسبب الشيخوخة في تلف البقعة Macula، وهي جزء من العين يتحكم في الرؤية الحادة إلى الأمام.
الأولى في العالم
في عام 2009 كان أول مريض تلقى عيناً بيونية هو الجد كيث هايمان .Keith Hayman وكان في العشرينات من عمره عندما شخّصت حالته للإصابة بالتهاب الشبكية الصباغي، وأصيب بالعمى بعد عدة سنوات. بعد أن زوّد بالعين البيونية في مستشفى مانشستر الملكي للعيون، تمكن من رؤية الفرق بين الضوء والظلام واستطاع اكتشاف حركة الأشخاص. قال: ”يعني هذا أنه بإمكاني رؤية أحفادي لأول مرة. عندما يأتون لرؤيتي يرتدون قمصاناً بيضاء لمساعدتي على ملاحظتهم. لا أستطيع أن أخبركم كثيراً عن شكلهم، لكنني على الأقل أستطيع رؤيتهم وهم يقدمون علي!“