التكنولوجيا الداعمة للحياة
يُحتفظ بالهواء داخل محطة الفضاء الدولية International Space Station (اختصاراً: المحطة ISS) عند ضغط مماثل للغلاف الجوي للأرض عند مستوى سطح البحر ويتكون من مزيج مشابه من الغازات: نحو %20 من الأكسجين و80% من النتروجين. يستطيع رواد الفضاء في الداخل التنفس بأسهل مما نستطيع هنا على سطح الأرض، وهم يفعلون ذلك بشكل مستمر منذ أن سُكنت محطة ISS لأول مرة في نوفمبر .2000تحقّق هذا كله بفضل التكنولوجيا البارعة التي تحافظ على جو صحي بداخل المحطة الفضائية.
من المكونات الحيوية لأي مركبة فضائية مأهولة، نجد نظام التحكم البيئي ودعم الحياة Environmental Control and Life Support System (اختصاراً: النظام ECLSS). وهو شبكة معقدة من الآلات والأنابيب والخزانات والمجسات المصممة لتزويد رواد الفضاء بكل الهواء وغيره من ضروريات دعم الحياة التي يحتاجون إليها. مما لا يثير الدهشة، أن أكثر نظم التحكم البيئي ودعم الحياة تعقيداً على الإطلاق هو ذلك الموجود في المحطة ،ISSوهو ضروري لدعم حجم مضغوط داخلي غير مسبوق يزيد على 900 م3.
إضافة إلى الحفاظ على جو جيد التهوية، يشتمل نظام التحكم البيئي ودعم الحياة للمحطة على منظومة لاسترداد المياه تلتقط المياه وتنقيها وتُعيد تدويرها – سواء من رطوبة المقصورة أم من بول أفراد الطاقم. بقدر ما يبدو هذا الأخير مقززاً، فإن النتيجة صالحة للشرب تماماً. كما صاغها رائد الفضاء تيم بيك :Tim Peake”قهوة اليوم كانت بول الأمس“. فهناك آثار جانبية جسدية أخرى يجب على نظام التحكم البيئي ودعم الحياة التعامل معها أيضاً، مثل الروائح الكريهة المنبعثة من إخراج الأرياح والعرق. تُزال الغازات الكريهة – الميثان والأمونيا، على الترتيب – باستخدام مرشحات تعمل بالفحم المنشّط.
تتجاوز أهمية إعادة تدوير المياه، وكذلك تجديدها باستمرار بمصادر جديدة من الأرض، مجرد استخدامها للشرب. فهي توفر المصدر الرئيسي للأكسجين لرواد الفضاء للتنفس بفضل حقيقة أن كل جزيء من الماء يحتوي على ذرة من الأكسجين. فالصيغة الكيميائية للماء هي H2O - ذرتان من الهيدروجين وواحدة من الأكسجين. ويمكن الفصل بينها باستخدام عملية تسمى التحليل الكهربائي ،Electrolysis التي تتضمن تمرير تيار كهربائي عبر الماء لشطره إلى جزيئات من الهيدروجين والأكسجين – اثنان من الأول وواحد من الثاني لكل جزيئين من الماء. بعد التخلص من الهيدروجين، فما يتبقى هو أكسجين صالح للتنفس.
تُستخدم عملية مماثلة أيضاً لتوليد الأكسجين في الغواصات التي لا تعاني نقصاً في المياه لتحليلها كهربائياً. تشترك الغواصات أيضاً في مشكلة المحطة ISS المتمثلة في الاضطرار إلى إزالة ثاني أكسيد الكربون الزائد- وهي عملية راسخة تُعرف بتنقية ثاني أكسيد الكربون CO2 scrubbing. وتتوفر تقنيات مختلفة لهذا الغرض، بما في ذلك استخدام هيدروكسيد البوتاسيوم كما اقترح جول فيرن في روايته. ينزع هذا المركب – وكذلك المركبات الكيميائية الوثيقة الصلة مثل جير الصودا Soda lime والأمينات Amines – للالتصاق بجزيئات ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم إزالتها من الغلاف الجوي. من ناحية أخرى، تستخدم المحطة ISS طريقة مختلفة لإزالة ثاني أكسيد الكربون تشتمل نوعاً من المعادن يسمى الزيوليت .Zeolite ويُمرر الهواء المتدفق داخل المحطة الفضائية الهواء فوق طبقة من الزيوليت، مما يسبب التصاق ثاني أكسيد الكربون والماء بالمعدن في حين يمر كل شيء آخر عبره دون عوائق. وبعد ذلك تُسترد المياه لإعادة تدويرها، في حين يُلفظ ثاني أكسيد الكربون في الفضاء.
عندما يخرج رواد الفضاء من المحطة ISS لتنفيذ عمليات السير في الفضاء، أو الأنشطة خارج المركبة Extravehicular activity (اختصاراً: الأنشطة EVA)، فإنهم يتنفسون الأكسجين النقي بدلاً من مزيج الأكسجين والنتروجين المعتاد. وتُعد البذلات الفضائية التي يرتدونها أنظمة مستقلة لدعم حياة بشكل فعال، فالبذلة مزودة بإمدادات الأكسجين الخاصة بها إضافة إلى مصدر للطاقة الكهربائية، ومروحة تهوية وحقيبة للشرب.
أشهر الأنشطة خارج المركبة كانت عمليات السير على سطح القمر التي نفذها رواد فضاء أبوللو ما بين عامي 1969 و1972، والتي كانت أطول مما يدركه كثير من الناس. في البعثة الأخيرة، أبوللو 17، أمضى رواد الفضاء ما مجموعه 22 ساعة مرتدين بذلات الفضاء خارج الوحدة القمرية في سياق 3 أنشطة منفصلة خارج المركبة. ومثّل هذا تحدياً كبيراً من حيث دعم الحياة، حيث يعتمد كل رائد فضاء تماماً على نظام دعم الحياة المحمول Portable Life Support System (اختصاراً: النظام PLSS) في الحقيبة التي يحملها على ظهره. على عكس المركبات الفضائية الحديثة، استخدمت بعثات أبوللو الأكسجين النقي بضغط منخفض بدلاً من مزيج الأكسجين والنتروجين الشبيه بما يوجد على الأرض. انطبق هذا أيضاً على بذلات الأنشطة خارج المركبة القمرية، حيث لم يزد الضغط الداخلي عن رُبع الضغط الجوي. فإضافة إلى خزانات الأكسجين الرئيسية، احتوى نظام دعم الحياة المحمول على نظام احتياطي لتطهير الأكسجين وجهاز تنقية يعمل بهيدروكسيد الليثيوم Lithium-hydroxide لإزالة فائض ثاني أكسيد الكربون.
الزيوليت
تستخدم أجهزة تنقية ثاني أكسيد الكربون الموجودة في محطة الفضاء الدولية معدناً يشبه الإسفنج يسمى الزيوليت Zeolite، والذي يمتلئ بمسامَّ صغيرة يمكنها احتجاز جزيئات ثاني أكسيد الكربون. وبعد ذلك يطرد الزيوليت ثاني أكسيد الكربون الملتقط عند تعرضه للفراغ (خواء) في الفضاء. يتكون الزيوليت من مزيج من ذرات الألمنيوم والسيليكون والأكسجين مرتبة بطريقة تعمل كنوع من المنخل الجزيئي، حيث الجزيئات الصغيرة جداً هي وحدها التي تستطيع المرور عبر مسامه، في حين تُحتجز الجزيئات الأكبر حجماً. ويحتوي الزيوليت المستخدم في محطة الفضاء الدولية على مسام صغيرة بما يكفي لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وجزيئات الماء – التي تُحفظ لإعادة تدويرها – مع مرور غازات الغلاف الجوي الأخرى دون عوائق.