البروفيسور جيم الخليلي
بدأ الذكاء الاصطناعي يعلّم نفسه بنفسه، فهل يجب أن نقلق مما يخبئه المستقبل؟
البروفيسور جيم الخليلي هو اختصاصي بالفيزياء النظريّة ومؤلف ومذيع. ويستكشف فيلمه الوثائقي «بهجة الذكاء الاصطناعي» The Joy of AI لقناة BBC الرابعة كيف طورت الآلات ذكاء يمكنه أن يتجاوز قدرات الدماغ البشري. وعلى النقيض من هستيريا الصحافة التي تحذر من ثورة الروبوتات ضد مخترعيها البشريين، يوضح البروفيسور الخليلي أن للذكاء الاصطناعي إمكاناتٍ هائلة للبشرية، من الرعاية الصحية إلى التغير المناخي. ويأتي الخطر ممن يتحكمون في تلك التكنولوجيا القوية وما يختارون القيام به.
توجد الآلات الذكية في جميع مناحي حياتنا اليومية، من تطبيقيْ سيري Siri وأليكسا Alexa إلى الخوارزميات التي تتنبأ بالبرامج التي نود عرضها على شاشة نيتفليكس Netflix. ولكن، ماذا يعني «الذكاء الاصطناعي» في الحقيقة؟
الذكاء الاصطناعي (AI) هو الذكاء غير البشري أو الحيواني. فقد صنعنا آلات يمكنها أداء المهام بذكاء. وعندما نفكر في الذكاء، فإننا عادة ما نعني شيئاً يتسم بالمهارة حقاً، لكن الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة ذلك الذكاء- إنها مجرد آلة يمكنها فعل أمر يمكنه محاكاة الأشياء؛ وربما المهام التي يفعلها البشر. والأمر المثير هو أن بعض الذكاء الاصطناعي يُظهر أنواعاً غير متوقعة من الذكاء.
ما هذه الأنواع غير المتوقعة من الذكاء التي نشهدها؟
يمكنك لعب الشطرنج ضد جهاز حاسوب، ونعرف الآن أن أفضلها يمكنه التغلب حتى على أفضل منافس بشري، حتى على كبار أساتذة لعبة الشطرنج. ولكن لكي يلعب الشطرنج، لا بد أن يكون الحاسوب قادراً على معالجة الكثير من الأرقام والاحتمالات- «إذا فعلت هذا، ماذا سيحدث؟» ويمكنه التعامل مع البلايين والبلايين من التوليفات ثم تنفيذ الإجراء الأمثل. يبدو ذلك ذكياً، ولكنه مجرد معالجة للأرقام. ولكن هناك الآن برمجيات حاسوبية بدأت تُظهر نوعاً من الحدس، يشبه التخيّل تقريباً. وأنتجت شركة الذكاء الاصطناعي «ديب مايند» برنامجين حاسوبيين هما ألفا غو وألفا زيرو- ودربتهما على ألعاب الحاسوب القديمة من ثمانينات القرن العشرين، مثل «الكويكب» و«غزاة الفضاء». وليس عليهم إعطاء برامج الذكاء الصناعي قواعد اللعبة، ولا يجب عليهم تعليمها كيفية اللعب، إنهم يخبرونها فقط بمشاهدة اللعبة ومشاهدة أنماط البكسلات فيها- ومن ثم استنباط ما تحتاج إلى القيام به. ويمكن لهذا الذكاء الاصطناعي اكتشاف تلك الأنماط بسرعة ومن ثمَّ يمكنه في غضون ساعات قليلة أن يفوز على أي إنسان على الأرض. فهي تفكر في استراتيجيات جديدة لا تخطر على أذهان البشر. وهذا مثير جدا- لقد بدأت تُظهر إبداعاً حقيقيًّا.
ما أذكى أشكال الذكاء الاصطناعي المتاح لدينا؟
لا يزال أذكى أنواع الذكاء الاصطناعي الذي نمتلكه غبياً بالمعايير الإنسانية. نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي على هواتفنا: ترجمة غوغل، سيري، أليكسا. هذا هو الذكاء الاصطناعي. إنه يستمع إلى ما تريد قوله ويحدد ما يعنيه ويستجيب له، لكنه ما زال يفعل ذلك بشكل أعمى. إنه لا يزال آلة، إنه غير مدرك، ولا وعي لديه. ويمكن لأفضل أشكال الذكاء الاصطناعي أن يبحث في أنماط البيانات، أو الصور مثلاً، وتمييز الأشياء التي لا نستطيع اكتشافها كبشر. فمثلا، عند البحث عن الأورام السرطانية المبكرة جدا في مجال الرعاية الصحية، يمكنه اكتشاف الخلايا السرطانية بمزيد من التفصيل وبسرعة أكبر من البشر. لذا، فإن أكثر أنواع الذكاء الاصطناعي ذكاء هي التي تساعدنا بالفعل على تحسين أدائنا.
هل سنشهد المزيد من ذلك في المستقبل- أي أن يؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً في الرعاية الصحية وغيرها من الصناعات من أجل تحسين المجتمع؟
نعم، ذلك أمر حتمي. نحن نستخدم الإنترنت منذ 20 عاماً، وشبكة الويب العالمية، ونحن ننظر إلى الماضي ونفكّر، «كيف تمكنا من التحمّل؟ كيف كان العالم قبل شبكة الإنترنت؟ لقد غيرت حياتنا بالكامل. أتوقع للذكاء الاصطناعي أن يفعل الشيء نفسه، ولن يحتاج إلى 25 عاماً لإحداث ثورة في حياتنا اليومية مثلما فعلت الإنترنت- فسيحقق ذلك في غضون 10 إلى 15 سنة. الذكاء الاصطناعي قادم، أنا واثق من ذلك. وسيُستخدم الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية والتمويل والنقل والدراسات البيئية والأبحاث. وسيوجد الذكاء الاصطناعي في حياتنا، شئنا أم أبينا. ولكن علينا أن نتذكر أن العلوم أو التقنيات الجديدة ليست بالضرورة جيدة أو شريرة، إنما الطريقة التي نستخدمها بها. لنأخذ الجيش كمثال. يمكنك أن ترى قيمة الروبوتات المستقلة التي تتدخل وتتخلص من القنابل أو تكتشف الألغام الأرضية، لأن ذلك سيكون أكثر أماناً. ولكن من ناحية أخرى، يمكن للدرونات المستقلة القاتلة اتخاذ قرار بإبادة البشر… الآلات التي تقتل البشر، الآلات التي تتخذ القرار بأنفسها: هذا أمر مخيف جدا وهذا هو الأمر الذي نحتاج إلى وجود لوائح للحيلولة دون وقوعه. وبالنسبة إليّ، فإن الشيء الأكثر رعباً هو إذا لم نُجرِ هذه المحادثة وإذا ظل الجمهور متخوفاً من الذكاء الاصطناعي، فعندئذ ستكون هناك ردة فعل عنيفة. وسيفقدون اهتمامهم به وسترى الحكومات أنه أقل أهمية. لن تتباطأ التقنية، لكنها ستظل في أيدي شركات التقنيات العالية الكبرى، مثل أمازون وفيسبوك، أو في أيدي إرهابيي الإنترنت. ويحتاج المجتمع الأوسع إلى معرفة ماهية الذكاء الاصطناعي حتى يتسنى لنا وضع اللوائح قيد التنفيذ، ليس لإيقافه، ولكن للتأكد من أننا نظل متحكمين فيه.
من منظور تقني، ما أكبر التحديات التي تواجه تقدّم الذكاء الاصطناعي؟ هل تطوّر لدرجة أن يستمر في، أو أن يواصل تعليم نفسه؟
أعتقد أن التكنولوجيا تتقدم كثيراً. فقد حدثت زيادة هائلة في إمكانات الحوسبة؛ فهناك المزيد والمزيد من البيانات المتاحة للذكاء الاصطناعي لاستخدامها والتدريب عليها. ويجد الناس فكرة البيانات الضخمة مخيفة- ماذا يعرف «الأخ الأكبر» عني؟ ولكن هذا ما يتغذى به الذكاء الاصطناعي- إنه يحتاج إلى بيانات. فهناك أنواع جديدة من الخوارزميات الحاسوبية؛ مما يعني أن الذكاء الاصطناعي يتعلم من تلقاء نفسه، وهو يشبه كتابة التعليمات البرمجية الخاصة به. فهذا أمر مثير وجديد: إنه يتعلم بالطريقة التي يتعلم بها البشر. فإذا نظرت إلى طفل صغير أو رضيع، فإنه ينظر إلى العالم من حوله ويرى يده ويلتقط الأشياء. إنك تتعلم من بيئتك باستمرار وتتطور الحياة وتنمو. فالآلات تطوّر قدرتها على التعلم. أنا متحمس، سيغير الذكاء الاصطناعي حياتنا. إنني لست خائفاً منه، لكنني أشعر بالخوف من أن المجتمع الأعم ليس مستعداً له أو لا يقدّر كيف يمكنه أن يغيّر العالم.
هل هناك أنظمة معينة تود أن تراها أو تأمل في رؤيتها؟
يجب وضع لوائح أوسع نطاقاً بشأن ما يمكن عمله ببياناتنا. فالرعاية الصحية هي مثال جيد. هناك وعود براقة: ستكون لدينا أدوية مخصّصة، ومن ثمَّ فلو أصبت بمشكلة صحية ما، إذا كانت هناك خريطة لجينومك، فبوسعه تحديد العلاج المناسب لك تماماً. ولكن من يحتفظ بكل هذه المعلومات عنك؟ ما الضمانات المطبّقة التي تمنع استخدامها لأسباب أخرى إذا سمحنا لشركات مثل أمازون وغوغل وفيسبوك بأن تحصل على البيانات التي يريدونها منا؟ من يدري ماذا ستفعل بها.
أما بخصوص اللوائح المتعلقة بالشفافية، وبمن يتحكم في الخوارزميات، وبما نسمح للذكاء الاصطناعي بتنفيذه: يتعين على الحكومات أن تقرر ما نفعله- تماماً مثلما لا يريد أي عالم كيميائي أو بيولوجي وجود أسلحة كيميائية أو بيولوجية. فهناك لوائح وقوانين ومعاهدات تمنع معظم الدول من استخدامها. إنه ليس خطأ الكيميائيين والبيولوجيين إذا قام أحدهم ببناء سلاح، وبالطريقة نفسها لا يكون خطأ عالم الحاسوب أو خبير الذكاء الاصطناعي إذا استخدم أحدهم الذكاء الاصطناعي بطريقة مشابهة، لكننا نحتاج إلى قوانين ولوائح للحيلولة دون ذلك. وليس الذكاء الاصطناعي هو ما يجب أن نقلق بشأنه، بل من يتحكم فيه.
هل هناك شيء تريد أن تراه في مجال الذكاء الاصطناعي؟
لا تزال هناك ألغاز لا نستطيع حلها نحن البشر بواسطة أدمغتنا البشرية المحدودة، ولذلك فإن المسائل الكبرى في الفيزياء، مثل المادة المعتمة، وماهية الطاقة المعتمة، وما هي نظرية كل شيء، وهناك جسيمات فيما وراء بوزون هيغز؟ وعلى الرغم من غرابة ذلك، فقد يتمكن الذكاء الاصطناعي من مساعدتنا على حل تلك المسائل، لأن بعضها يبلغ من التعقيد أحياناً درجة لا يمكن معها للإنسان حرفيًّا أن يلتف حول المشكلة. خذ مثال حلول التغير المناخي، وتحركات السكان، كيف نستخدم الموارد، والمياه والإمدادات الغذائية المتناقصة. وتعد تلك مسائل رياضياتية كبرى ومعقدة تتطلب الكثير من البيانات، وقد يتمكن الذكاء الاصطناعي من فهمها بشكل أفضل مما نستطيع. وهنا تأتي قوة الذكاء الاصطناعي، وتلك هي تطبيقاته المثيرة حقًّا.