الاختراعات المذهلة ليوم الحرب
كيف مكّنت الابتكارات الجريئة الحلفاء من الهبوط على شواطئ نورماندي في عام 1944
بقلم: إيلسا هارفي
مضت 80 سنة على يوم الإنزال D-Day، وهو اليوم الذي غزت فيه قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية شواطئ نورماندي Normandy الفرنسية، كجزء من عملية أوفرلورد Operation Overlord. في 6 يونيو 1944، حارب أكثر من 156,000 جندي من الحلفاء النازيين الذين كانوا يحتلون المنطقة، مما وضع نهاية للاحتلال الألماني لفرنسا ومهد الطريق لانتصار الحلفاء في أوروبا.
”أسهمت التقنيات المبتكرة بشكل كبير في فعالية عمليات الإنزال“
أسهمت التقنيات المبتكرة التي اختُرعت خلال فترة الإعداد ليوم الإنزال بشكل كبير في فعالية عمليات الإنزال. ومن الآلات الرياضية التي وفرت معلومات حاسمة قبل الهجوم إلى الوصول الصامت للقوات والمركبات التي استطاعت تحييد الدفاعات الألمانية، خُطّط لعمليات يوم الإنزال بشكل استراتيجي جداً.
اعتمدت المركبات المتخصصة إضافات تكنولوجية جديدة، مثل دبابة تفرش نوعاً من السجاد. فقد نشرت هذه المركبة أولاً على الشواطئ الرملية لوضع فرش معزز على الرمال الناعمة، مما أنشأ سطحاً يمكن للمركبات الأخرى التحرك عبره بسهولة.
بدأ التخطيط ليوم الإنزال في ديسمبر 1941، حيث دُرّب الملايين من الرجال والنساء وأنتجت معدات جديدة. كانت النتيجة خطة نفّذت بشكل جيد، مدعومة بتقنيات جديدة، والتي باغتت الجيش الألماني.
آلة التنبؤ بالمد والجزر
ساعد هذا الجهاز الحلفاء في التخطيط للغزو عند انخفاض المد، عند انكشاف العوائق الدفاعية الألمانية
غطّى الألمان شواطئ نورماندي بالعوائق المتفجرة. فقد ظنوا أن الحلفاء سيهاجمون عند ارتفاع المد، عندما يمكنهم الإبحار بطول الطريق إلى اليابسة، مع وجود شواطئ أقل لاجتيازها أثناء تعرضهم لإطلاق النار. ولكن الحلفاء رصدوا الفخاخ تحت الماء من الجو أثناء انخفاض المد وخططوا للغزو عند انكشافها. لبدء غزوهم بأكبر قدر ممكن من الفعالية، احتاجت قوات الحلفاء إلى معرفة التوقيت الدقيق للمد والجزر، بما في ذلك التوقيت الدقيق لانخفاض المد في يوم الهجوم وكذلك السرعة التي سيرتفع بها المد.
لحساب المد والجزر، استخدم عالم الرياضيات البريطاني آرثر توماس دودسون Arthur Thomas Doodson آلتين للتنبؤ بالمد والجزر قبل أن يخترع آلته الخاصة. الآلتان اللتان استخدمهما هما آلة كلفن Kelvin machine، التي صمّمها السير وليام تومسون William Thomson، والآلة التي صممها إدوارد روبرتس Edward Roberts. استخدمت آلات التنبؤ بالمد والجزر تروساً مترابطة، يمثل كل منها القوى الثقالية المختلفة للقمر والشمس والمحيطات، فكانت تتحرك بمعدلات مختلفة بناءً على البيانات المُدخلة. وبتدوير المقابض لضبط الإعدادات على الأوقات المختلفة، تُحسب مواقع الشمس والقمر وتُعرف ارتفاعات المد والجزر. وكانت هذه الآلات الحاسبة الميكانيكية أدوات حيوية في التخطيط للهبوط في يوم الإنزال أثناء انخفاض المد، كما توقع دودسون.
دبابات هوبارتس فانيز
دبابات سابحة ودبابات نافثة للنار
كان لدبابات تشرشل كروكودايل Churchill Crocodile التي أطلقتها قوات الحلفاء مظهرٌ غير عادي تماماً. فقد استبدلت دبابات كروكودايل أسلحتها الرئيسية بقاذفات اللهب، مما مكّن من تدمير العوائق بشكل أكثر فعالية وبث الذعر في نفوس قوات العدو واستسلامها. وصنعت هذه المركبات خصيصاً لعمليات الإنزال في نورماندي وصممها المهندس البريطاني اللواء بيرسي هوبارت Percy Hobart، والذي اشتهر بأفكاره الحربية المبتكرة. روّج هوبارت لفكرة استخدام الدبابات كقوة مهاجمة، وليس كمركبات دفاعية بطيئة، فجمع بين التقنيات الجديدة والحالية المناسبة لمهاجمة العوائق الدفاعية المنتشرة على الشاطئ. شملت الأصناف السابحة الأخرى دبابات دوبلكس درايف Duplex Drive (DD) ودبابة كراب الكاسحة للألغام Crab tanks.
أمكن لدبابات دوبلكس درايف أن تطفو على الماء بفضل القماش المقاوم للماء والمراوح التي تعمل بالمحركات. وفي الوقت نفسه، زوّدت دبابات شيرمان كراب Sherman Crab tanks بأسطوانة دوارة في مقدمتها مع سلاسل متصلة بها. وعندما تدور الأسطوانة، تضرب السلاسل الأرض، فتفجر أي ألغام في طريقها وتمهد الطريق للقوات من خلفها. مثّل يوم الإنزال المرة الأولى التي استُخدمت فيها هذه الدبابات في الهجوم.
المساعدة الجوية
الهبوط شراعياً إلى ساحة المعركة
الطائرات الشراعية Gliders هي طائرات يمكنها التحليق في الهواء من دون محرك، وكانت مفيدة جداً في نقل القوات والإمدادات إلى نورماندي أثناء عمليات الإنزال. أطلق على تلك التي اختُرعت للاستخدام في الحرب العالمية الثانية اسم أيرسبيد هورسا Airspeed Horsa وكانت من أضخم الطائرات الشراعية التي استخدمت خلال الحرب، حيث بلغ طولها أكثر من 20 متراً وباع جناحيها 27 متراً. كان بوسع كل منها أن تحمل 28 جندياً أو سيارة جيب واحدة وعدداً أقل من القوات. استُخدمت 6 طائرات أيرسبيد هورسا في عمليات الإنزال في نورماندي، وكانت مصنوعة في معظمها من الخشب والقماش. وكان تخفيف وزن الهيكل يعني إمكانية ملئها بالإمدادات دون إعاقة قدرتها على الطيران.
قواطع كولين
زوّدت هذه الدبابات بأنياب لشق طريقها عبر العوائق
بعد وقت قصير من الإنزال، واجهت الدبابات في يوم الإنزال عقبات جديدة كانت طبيعية في معظمها. جعلت أسيجة الأشجار Hedgerows الكثيفة من الصعب على المركبات التقدم فوق الأرض في نورماندي. أما تلك التي يمكنها عبور السياج، فكثيراً ما كانت تميل للأعلى، مما يكشف للعدو جانبها السفلي الأقل تدريعاً. بعد أن لاحظ هذه الصعوبة، أضاف كورتيس ج. كولين Curtis G. Culin، من الجيش الأمريكي، للدبابات قواطع للأسيجة. أخذ كولين المسامير الفولاذية من العوائق الدفاعية الألمانية المفككة، والمعروفة بـ”القنافذ“ Hedgehogs، ولحمها معاً ثم ربط القطع بمقدمة الدبابات، كالأسنان أو الأنياب، بحيث تتمكن من قطع الأسيجة وتحطيمها.
رسم خريطة للأنابيب
اتبع مسار وقود يوم الإنزال عبر القنال وبطول خطوط الأنابيب في البر الرئيسي الفرنسي
1 شانكلين تشاين، إنجلترا Shanklin Chine, England
هذا الموقع على جزيرة وايت Isle of Wightأقرب إلى فرنسا من البر الرئيسي للمملكة المتحدة، كما أنه أكثر انعزالاً، مما زاد من سرية العملية.
2 شيربورغ، فرنسا Cherbourg, France
احتوت شيربورغ على ميناء عميق المياه، والذي يمكن أن توصّل به خطوط أنابيب بلوتو.
3 دانجنس، إنجلترا Dungeness, England
أخفي مركز بلوتو في دانجنس على هيئة موقع صناعي ساحلي عادي. كما استُخدمت شباك ذات ألوان طبيعية لتمويه المباني.
4 أمبليتيوز، فرنسا Ambleteuse, France
تُعد أمبليتيوز، القريبة من كاليه Calais، واحدة من أقرب نقاط الساحل الفرنسي إلى إنجلترا.
5 ستانلو وميسترتون Stanlow And Misterton
موقعا إنتاج المطاط المحتوي على الرصاص وتجميع أجزاء خطوط الأنابيب.
6 أفونماوث، إنجلترا Avonmouth, England
استُخدم المزيد من المواقع الجنوبية لتجهيز خطوط الأنابيب لتجميعها تحت مياه المحيط ومن ثم تحميلها على السفن.
7 إمريش وماينز، ألمانيا Emmerich And Mainz, Germany
نُقل الوقود إلى هذين الموقعين بطول الحدود الألمانية كطرق مباشرة لعبور الحلفاء نهر الراين إلى ألمانيا.
8 خطوط الأنابيب الأرضية Land-Based Pipelines
صُنع بعض خطوط الأنابيب ذات التصميم المشابه لنقل الوقود برياً إلى مناطق الهجوم الحاسمة.
عملية بلوتو
لماذا بنى المهندسون البريطانيون خطوط الأنابيب تحت القنال الإنجليزي؟
تمثّل الغرض الرئيسي من عملية بلوتو Operation Pluto، وهي اختصار ”خط الأنابيب تحت المحيط“ PipeLine Under The Ocean، في توفير الوقود سراً للطائرات والمركبات البرية لقوات الحلفاء في نورماندي. لولا هذه الشبكة من الأنابيب تحت المحيط؛ لفقدت القوات الزخم في هجومها كلما نفد الوقود. بالحفاظ على تشغيل الدبابات باستمرار، توفّر لدى الجنود الألمان وقت أقل لإعادة تجميع صفوفهم والتخطيط لدفاعات جديدة. وصُنعت خطوط الأنابيب نفسها بحيث تكون مرنة وقوية، فتألفت من مطاط يحتوي على الرصاص، وكانت قوية بما يكفي لتحمل الضغوط العالية والقوى التي تواجهها في قاع المحيط. وكذلك غلّفت بالمعادن لحمايتها من هجمات العدو والمخلوقات البحرية.
بدأت الاستعدادات لعملية بلوتو قبل عامين من الهجوم، في عام 1942. أخفيت محطات الضخ التي استخدمت لنقل الوقود عبر خطوط الأنابيب في هيئة مبان عادية، مثل الأكواخ ومحلات الآيس كريم (البوظة) والكراجات. نجح خط بلوتو في توصيل أربعة ملايين لتر من الوقود إلى فرنسا يومياً ونحو 700 مليون لتر إجمالاً. كانت هذه مهمة هندسية فذة، وقد اعتبرها العديد من المؤرخين عاملاً حاسماً في نجاح غزو يوم الإنزال.
الموانئ المتنقلة
حافظت الموانئ المؤقتة على سلامة السفن
بعد نجاح غزو يوم الإنزال، سارع المهندسون البريطانيون إلى تجميع مرافئ مؤقتة قبالة نورماندي لحماية أي سفن راسية من الطقس القاسي، فشيّدوا مرفأين يتألفان من 73 كتلة خرسانية مجوفة. في نهايات هذه الكتل العائمة، وضعت منحدرات عائمة لتسهيل الوصول المباشر إلى الأرض. بلغ ارتفاع الموانئ عن مستوى سطح البحر نحو 9 أمتار عند انخفاض المد، و3 أمتار عند ارتفاع المد، وبلغ طولها نحو ميل واحد. وخلف هذين الميناءين، أغرق الحلفاء خطوطاً من السفن كحواجز وقائية إضافية. دُفنت هياكل ضخمة مانعة للماء تسمى القيسونات Caissons في قاع البحر لتعمل كأساسات، مما حافظ على استقرار الموانئ العائمة. نقلت جميع القطع المشيدة مسبقاً عبر القنال الإنجليزي بواسطة زوارق القَطْر، وشيّدت الموانئ وشغلت في غضون 12 يوماً. نجح أحد الميناءين في نقل أكثر من 2.5 مليون جندي إلى فرنسا خلال الأشهر العشرة التي تلت يوم الإنزال، فيما دمّر الآخر بسبب عاصفة بعد وقت قصير من تشييده.