استكشاف حافة الكون
أقوى تلسكوب JWST الفضائي التابع لوكالة ناسا هو الأقوى في التاريخ، مما سيمنحنا أعمق رؤية للفضاء على الإطلاق
استخدَم نحو 48 غم من الذهب في مرآة تلسكوب JWST، وهو ما يقارب كتلة كرة الغولف.
تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope هو إنجاز تصعب مجاراته. في العقود الثلاثة التي انقضت منذ إطلاقه في العام ،1990 أظهر لنا عجائب الكون بتفاصيل غير مسبوقة. استُخدِم التلسكوب لدراسة موضوعات متقدمة مثل الطاقة المعتمة والكواكب النجمية التي لم يكن يُحلم بها كثيراً عندما بدأ تشغيله. كما ألهب خيال الجمهور إلى درجة أنه أصبح حاليّاً اسماً مألوفاً، وهذه هي السمعة التي يجب أن يرتقي إليها خليفة تلسكوب هابل.
يسمَّى هذا الخليفة تلسكوب جيمس ويب الفضائي the James Webb Space Telescope (اختصاراً: التلسكوب ،(JWST أو” ويب“ اختصاراً .مثل تلسكوب هابل، فالمشغل الأساسي للتلسكوب هو وكالة ناسا، التي توفر معظم التمويل، مع وكالة الفضاء الأوروبية (اختصاراً: الوكالة (ESA كشريك ثانوي. سُمّي التلسكوب على اسم أحد المسؤولين الأوائل لوكالة ناسا، جيمس إي. ويب ،James E. Webb الذي أشرف على إنشاء برنامج أبوللو في ستينات القرن العشرين. في العام -2002 أي منذ نحو 20 سنة- طُبِّق اسم ويب أول مرة على ما عُرف سابقاً باسم تلسكوب الفضاء من الجيل التالي .Next Generation Space Telescope كان من المقرر في الأصل أن يتكلف التلسكوب نصف بليون دولار، وأن يكون جاهزاً للإطلاق في العام .2007 لكن تبين أن هذه التقديرات كانت مفرطة في التفاؤل، نظراً إلى التصميم المعقد والمبتكر جداً لتلك المركبة الفضائية. بحلول وقت إطلاقه أخيراً، قبيل نهاية العام ،2021 كان قد كلّف نحو 10 بلايين دولار.
ومع ذلك يعتقد العلماء المشاركون في المشروع أن النتائج ستعوض الوقت والمال المستثمرين فيه. تحرص وكالة ناسا على تأكيد أن تلسكوب JWST ليس مجرد بديل أكبر وأقوى لتلسكوب هابل. فعلى الرغم من أنه كذلك بالفعل- بقطر يزيد مرتين ونصف المرة وحساسية تزيد بـ 100 ضعف- فهو في جوهره نوع مختلف تماماً من الآلات. ترصد التلسكوبات البصرية العادية الجزء نفسه من الطيف الذي تراه أعيننا، وتغطي نطاقاً من الأطوال الموجية يتراوح بين 380 و740 نانومتراً تقريباً. يغطي تلسكوب هابل كل هذا، إضافةً إلى مسافة قصيرة في الأشعة فوق البنفسجية ذات أطوال موجية أقصر وفي الأشعة تحت الحمراء ذات أطوال موجية أطول. لكن تلسكوب JWST في الأساس هو تلسكوب يعمل بالأشعة تحت الحمراء، والذي يعمل مثالياً ضمن نطاق 600 إلى 28,000 نانومتر. لا يمكنه رؤية الضوء الأخضر أو الأزرق، بل البرتقالي والأحمر فقط، إضافةً إلى نطاق واسع من الأطوال الموجية الأطول فيما وراءهما.
تلسكوب JWST هو أكبر تلسكوب وُضع في الفضاء على الإطلاق
بالنسبة إلى عديد من الأجرام الفلكية، تفيد هذه الأطوال الموجية الطويلة جداً علماء الفلك أكثر من الطيف المرئي. لكن الأشعة تحت الحمراء تسبب مشكلات للمراقبين الأرضيين، لأن معظمها يحجبه الغلاف الجوي لكوكبنا. إضافةً إلى ذلك ينتج كوكب الأرض انبعاثاته من الأشعة تحت الحمراء عبر الإشعاع الحراري، والذي يميل إلى غمر المصادر الفلكية الخافتة. لذا فإن أفضل مكان لنشر تلسكوب الأشعة تحت الحمراء هو في الفضاء، بعيداً بقدر الإمكان عن الأرض وجميع مصادر الحرارة غير المرغوب فيها.
على خطى مرصد هيرشل للأشعة تحت الحمراء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، يقع تلسكوب JWST على بعد نحو 932,000 ميل من الأرض عند نقطة لاغرانج .(Lagrange point L2) L2 سيمنحه هذا رؤية أوضح للكون من رؤية تلسكوب هابل في مداره الأرضي المنخفض، لكن لذلك جانباً سلبياً. على عكس سابقه، لن يكون إرسال رواد فضاء لإصلاحه في حالة تعطله أمراً سهلا نسبياً. كان يجب أن يعمل كل شيء بنحو مثالي في المحاولة الأولى، وهذا أحد الأسباب التي جعلت وكالة ناسا تستغرق نحو عقدين من الزمن لتجهيزه للإطلاق.