يطير البشر إلى الفضاء منذ عام 1961. ففي ذلك الوقت أُطلق رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين Yuri Gagarin في رحلة قصيرة إلى الفضاء استغرقت 108 دقيقة فقط في مركبة فضائية مؤتمتة هي فوستوك 1 Vostok. ولأنهم كانوا غير واثقين من كيفية تكيف البشر على قسوة رحلات الفضاء، فقد صمّم المهندسون المركبة الفضائية بحيث لا تحتاج إلى أي تدخل بشري- كان غاغارين مجرد راكب فيها، من الإطلاق إلى الهبوط.
لكن في السنوات اللاحقة بدأت الأمور تتغير. فالمناورات المعقدة في المدار، مثل محاولة إرساء مركبتين فضائيتين ببعضهما البعض، تتطلب تدخلات بشرية مباشرة. وبالمثل، تطلبت البعثات إلى القمر مدخلات في الزمن الحقيقي من رواد الفضاء البشريين للهبوط فعلياً على السطح. وكان علينا الانتظار حتى عام 1981، مع تشغيل مكوك الفضاء Space Shuttle التابع لوكالة ناسا، لكي يعايش رواد الفضاء تجربة حقيقية لما يعنيه قيادة مركبة فضائية بالكامل من مرحلة ما بعد الإطلاق إلى الهبوط.
يتسم الطيران الفضائي بصعوبته لأنه في غياب الجاذبية، هناك عدة عوامل يجب أخذها بالاعتبار. وتعتمد الطائرات على ثلاثة محاور: التقلب [العُطوف] Roll (من الأمام إلى الخلف)، والخَطَران Pitch (من جانب إلى جانب) والانعراج Yaw (المحور الرأسي). ولكن في الفضاء، في غياب غلاف جوي أو جاذبية للسيطرة أيضاً على المركبة، يجب على الطيارين أيضاً التعامل مع دوران المركبة الفضائية وتوجيهها.
تزود المركبات الفضائية بدفاعات للمناورة في الفضاء. ولكن بمجرد وصولها إلى المدار، لا يقتصر الأمر على مجرد الإشارة إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه والتحليق صوبه. وبدلا من ذلك، يتعلق الأمر كله بميكانيكا المدارات. وإذا أردت اللحاق بشيء يسبقك، فستحتاج إلى خفض ارتفاع مدارك. وهذا يجعل مدارك حول الأرض أصغر، ومن ثم يمكنك اللحاق به. وإذا حاولت المضي قدماً، فسيزداد مدارك وستتجاوز الهدف.
اعتمدت مركبات مثل مكوك الفضاء الذي خرج من الخدمة في عام 2011، بشكل كبير على المدخلات البشرية. وباستخدام قمرة القيادة التي لا تبدو مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في الطائرة، استخدم الطيارون عصا التحكم للمناورة بالمركبة الفضائية في الفضاء. وقد أتاح إطلاق محركات دافعة مختلفة تغيير اتجاه المكوك، مما مكنه من أداء عدد من المهام في المدار مثل تثبيت تلسكوب هابل الفضائي أو نشر الأقمار الاصطناعية.
وبعد انتهاء مهمته يعود المكوك إلى الغلاف الجوي للأرض. فقد تعاملت معظم المركبات الفضائية الأخرى مع نهاية المهمة بالعودة إلى الأرض بواسطة مظلة، أو الهبوط إما على الأرض أو في البحر، ولكن ليس مكوك الفضاء. وصمم مكوك الفضاء ليطير عبر سماء الأرض مثل طائرة شراعية ثقيلة جدا، بحيث يمكن توجيهه – بصعوبة- إلى مدرج للهبوط على الأرض، جاهزاً لرحلة أخرى.
هناك الكثير من مشاهير رواد الفضاء الذين قادوا مركبات فضائية مختلفة. بالطبع، اشتهر نيل أرمسترونغ Neil Armstrong بقيادة مركبة الهبوط القمرية أبوللو 11 بسبب هبوطها التاريخي على سطح القمر في يوليو 1969. ومع انخفاض الوقود وبحثه بشكل محموم عن موقع مناسب للهبوط، اعتمد أرمسترونغ على خبرته لإعداد نفسه وباز ألدرين Buzz Aldrin لهبوط آمن، في وجود ما يكفي لثوانٍ فقط من الوقود.
وفي الوقت نفسه، فقد عُهد إلى رائد الفضاء روبرت كريبن Robert Crippen بقيادة أول بعثة مأهولة لمكوك الفضاء في أبريل 1981، فاستقل مكوك الفضاء كولومبيا هو وقائده جون يونغ John Young وحدهما.
حاليا، تعتمد العديد من المركبات الفضائية على الأتمتة بدلاً من التدخل البشري. وتعتمد مركبة الفضاء الروسية سويوز Soyuz على نظام آلي للالتحام بمحطة الفضاء الدولية (ISS). وصممت كبسولة كرو دراغون Crew Dragon لشركة سبيس إكس SpaceX، بحيث تكون مستقلة تماماً، مع قليل من مدخلات رواد الفضاء على متنها. وبالمثل، تستخدم مركبة ستارلاينر Starliner الفضائية لشركة بوينغ Boeing الأتمتة بدورها، ولكن مع إمكانية تولي رواد الفضاء زمام القيادة عند الحاجة.