أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

الصعود إلى متن الــمختبر الـعــائــم

جويدس رزلوشن JOIDES Resolution هي سفينة علمية تحفر ثقوباً في قاع المحيط لاستكشاف قصة الأرض

بقلم: لورا ميرز

تاريخ الأرض مكتوب في الصخور الموجودة تحت محيطاتنا. ما عليك سوى الحفر في طبقاتها وستجد سجلاً لكوكبنا ومناخه يمتد عبر ملايين السنين. يمكن لكتاب التاريخ الجيولوجي هذا أن يساعدنا على التنبؤ بمستقبلنا، لكن استخراج هذا المورد الرائع ليس بالمهمة السهلة. وهنا يأتي دور السفينة جويدس (المؤسسات الأوقيانوغرافية المشتركة لأخذ عينات من باطن الأرض) Joint Oceanographic Institutions for Deep Earth Sampling رزلوشن.
هذه السفينة الهائلة هي مختبر عائم، إذ يبلغ طولها 143م من مقدمة السفينة إلى المؤخرة وتزن 16,000 طن. يبلغ عدد أفراد طاقمها 125 شخصاً وتحمل برجاً، يُدعى برج الحفر Derrick، يرتفع بقدر 62م فوق الماء، ويتعلّق بأسفلها حفار قوي لقاع المحيطات. تتمثل مهمة السفينة في حفر قاع البحر، لجلب أسطوانات الرواسب المعروفة باسم العينات الأسطوانية Cores. يمثل كل منها شريحة عمودية من تاريخ الأرض، فتوجد أحدث الرواسب في الأعلى وأقدمها في القاع.
يعمل الحفار بمحرك مثبت على برج الحفر، ويمكنه تمشيط أكثر من 1,600م من قاع البحر. وهو يصل إلى قاع المحيط عبر خط مؤلف من أنابيب مجوفة طولها 9م، ومتصلة من طرف إلى طرف، ويزن كل منها طناً واحداً تقريباً. أثناء دوران الحفار، تمر طبقات من رواسب المحيطات في أنابيب بلاستيكية، تسمى براميل العينات Core Barrels، بداخل خط أنابيب الحفر Drill string.
في كل مرة تنطلق جويدس رزلوشن في رحلة استكشافية، يكون لها هدف علمي محدد لتحقيقه، كثيراً ما يتضمن الحفر للوصول إلى الرواسب من نقطة معينة في تاريخ الأرض. على سطح السفينة، هناك فريق من العلماء مستعدون للتأكد من أن السفينة ماضية في تحقيق هدفها، ولديهم مجموعة كاملة من المختبرات العائمة لمساعدتهم.
تتحرك براميل العينات لأعلى عبر خط أنابيب الحفر وصولا إلى المعبر الضيق، الواقع خارج مختبر العينات. هنا ينظف الفنيون البراميل البلاستيكية ومن ثم يقطعونها إلى قطع طولها 1.5م. وبعد ذلك توضع هذه القطع على رفوف داخل المختبر حتى تصل إلى درجة حرارة الغرفة. وعندما تصير جاهزة، تُدخل في آلات تقيس كثافتها وخصائصها المغناطيسية وسرعتها الصوتية – أي سرعة انتقال الصوت بداخلها. وبهذا يحصل العلماء على فكرة عامة عما بداخلها. وبعد ذلك، يقسّم الفريق العينات طولياً: يبقى نصف العينة كاملاً حتى يكون لدى العلماء سجل بالمكان الذي جاءت منه جميع الأجزاء، فيما يقطع النصف الآخر لإجراء مزيد من الاختبارات. يجب أن يعمل الفريق بسرعة؛ فبمجرد أن تتعرض الرواسب للهواء ستبدأ في التغير. يفحص خبراء الصخور، الذين يُطَلق عليهم علماء الرواسب Sedimentologists، النصف السليم بالتفصيل ويصفون كل ما يمكنهم رؤيته. ثم يعمل علماء وصف طبقات الأرض Stratigraphers وعلماء الأحافير المجهرية Micropalaeontologists على العينات. يتخصص علماء الأحافير هؤلاء في العوالق القديمة Ancient Plankton، ويمكن للأنواع التي يرونها تحت مجاهرهم أن تخبرهم بعمر الرواسب.
يفحص الكيميائيون العينات بدورهم، فيبحثون عن تغيرات في كربونات الكالسيوم المستخرجة من أصداف الحفريات والكربون المستخرج من الكائنات الحية. يمكن أن يخبرهم هذا بما حدث للرواسب منذ أن ترسبت لأول مرة، كما إنهم يجرون اختبارات السلامة لمنع فريق الحفر من ضرب رواسب النفط والغاز الخطرة. إنهم يبحثون عن مركبات كيميائية تسمى الهيدروكربونات – وهي علامة على أن الحفار ربما كان قريباً من مصدر للوقود الأحفوري.
وعلى سطح السفينة، عندما ينتهي تجميع العينات، يرسل الفريق أدواتهم أسفل ثقب الحفر، وهي تقنية تسمى «سجل الحفر». في بعض الأحيان، قد تُفقد أجزاء من العينات. يساعدنا النظر إلى الوراء في الثقب على رصّ الشظايا، للتأكد من حفظ السجل بالترتيب الصحيح.
عندما تنتهي إحدى البعثات، تصبح البيانات التي جُمعت، والعينات نفسها، متاحة للعلماء في جميع أنحاء العالم. تُحفظ هذه العينات الثمينة بأمان في ثلاجات عملاقة، وتساعد على الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بتاريخ الأرض والتنبؤ بمستقبلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى