أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

إعادة الزمن إلـى الـوراء

اكتشف الكيفية التي تساعدنا بها التقنيات الرقمية الحديثة على استعادة واستكشاف أطلال التاريخ البشري

بقلم: جيمس هورتون

عالمُنا غارقٌ في التاريخ. ففي كل مدينة بكل قارة تقريباً، هناك مشاهد تذكرنا عند رؤيتها بأن جيلنا لم يكن الأول. وهي تبين لنا أن من جاؤوا قبلنا كانت لديهم ثقافات ثرية وأظهروا براعة مذهلة؛ مما يحفزنا على المشاركة في قصصهم. وليس هناك شيء يغمرك أكثر من مراقبة الأطلال القديمة، وهي هياكل صمدت على مدى قرون وتقف كشهادة على المجتمع الذي شيدها. ولكن هذه المواقع البالغة الأهمية، المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي المعالم الأساسية للحضارة، تتعرض للتهديد.
لقد دمّرت هذه التهديدات بالفعل كثيراً من الآثار الرائعة. ربما حفظ بركان ثائر على انطباعات الحياة الرومانية القديمة في مدينة بومبي Pompeii وبلدة هيركولانيوم Herculaneum المجاورة، لكن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة. تسببت الكوارث الطبيعية المدمرة، مثل ثورات البراكين والزلازل وموجات التسونامي، في محو مدن قديمة بكاملها – من أهمها مدينة الإسكندرية Alexandria المصرية ذات الطوابق- ولا تزال تشكل خطراً مدمراً حاليا. ولكن الطبيعة ليست وحدها التي تشكل خطراً على آثارنا القديمة؛ فقد هدمت الجماعات المتصارعة في الشرق الأوسط التماثيل البوذية في أفغانستان والمباني الأثرية في تدمر Palmyra السورية. والسياح الذين يتوافدون أسراباً إلى المواقع الشهيرة بأفضل النوايا، قد أحدثوا أضرارا يتعذر إصلاحها في آثار مثل أهرامات الجيزة من خلال التعامل غير المناسب خلال استكشافاتهم.
ولحسن الحظ، فإن المواطنين المهتمين ليسوا وحدهم في دوافعهم للحفاظ على المواقع القديمة وحمايتها. وتتدخل منظمات مرموقة مثل اليونسكو UNESCO لحماية مواقع التراث العالمي، كما ظهرت مجموعة من الجمعيات الخيرية لإنعاش أو حتى إحياء الهياكل التالفة أو المدمرة. ولكن مع التكنولوجيا الحديثة ظهرت فرصة للمضي قدماً: توثيق المواقع رقميّاً. وتلك هي مهمة شركة ساي آرك CyArk الأمريكية، التي تَمّ نقل مؤسسيها للعمل بعد سماعهم عن التدمير الذي لا معنى له للآثار القديمة من قبل الجماعات المسلحة.
باستخدام مزيج من تقنية اكتشاف الضوء وتحديد النطاق (LiDAR) والتصوير الضوئي، لا توثق شركة ساي آرك تفاصيل المواقع القديمة فحسب، بل تلتقطها بكاملها، لبناء نموذج شبه واقعي ثلاثي الأبعاد. الليدار هي التقنية الأساسية المستخدمة لوضع مخطط ثلاثي الأبعاد للهيكل، وهي تعتمد على إطلاق نبضات من الضوء بحيث ترتد من سطح الهيكل لالتقاط العمق والتفاصيل. ويمكن حمل وحدات الليدار يدويّاً أو تركيبها على درون أو طائرة لتوثيق المساحات الكبيرة التي يتعذر الوصول إليها بدقة هائلة. والمسح الجوي التصويري Photogrammetry هو تقنية مساعدة تتضمن استخدام الصور الرقمية للحصول على معلومات القياس وتفاصيل الملمس، التي تُدمج لاحقاً في بيانات الليدار لإعادة بناء رقمية دقيقة لموقع قديم.
لا تمكننا هذه التكنولوجيا من تخزين سجل رقمي لموقع قديم وحمايته من الطبيعة والبشر فحسب، بل تساعدنا أيضاً على ضمان مستقبله. في عام 2016 ضرب زلزال دولة ميانمار ودمر مئات المعابد القديمة في باغان، حيث سقطت الجداريات السريعة العطب وانهارت القمم المخروطية للمعابد، ولكن بمساعدة النماذج المفصلة لشركة ساي آرك، توفّر للمرممين القالب الذي يحتاجون إليه لإعادتها إلى حالتها الأصلية. وإضافة إلى إعادة تحويل الصور الرقمية إلى حقيقة واقعة، سعت شركة ساي آرك جاهدة إلى إشراك الناس مباشرة في الفضاء الافتراضي. وبفضل سهولة الحصول على أجهزة الواقع الافتراضي، ومع اقتراب عمليات إعادة البناء الرقمية من الدقة الحقيقية، يمكننا الآن معايشة العجائب القديمة في أي مكان. وبفضل تلك النماذج يمكننا استكشاف هيكل قديم والاستمتاع بمشاهده بطريقة ثلاثية الأبعاد. لذلك، فإضافة إلى سعينا إلى بذل المزيد من أجل حماية الماضي، فنحن نشرك في ذلك عدداً أكبر من الناس من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى