أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
هل كنت تعلم؟

هل يمكن أن نبني… في حياة واقعية؟

التأريض والحواسيب الكمية والحياة الاصطناعية – مرحباً بك في المنتزه الترفيهي المستقبلي

بقلم: جيمس هورتون

تخيل أنك تترجل من قطار في ضواحي بلدة مغبرة. الشوارع مليئة بالحياة: ينشغل الباعة بالمقايضة، ونواب المأمور بالدوريات. وبمسدس سداسي الطلقات مثبت بحزام الى جانبك وقبعة راعي البقر لإبعاد الشمس عن عينيك، تمر على مجموعة من ملصقات المطلوبين للعدالة وتمر عبر باب متأرجح. في داخل المقصف يجتذب انتباهك لص مسن ويقدم لك عرضاً. وخارج البلدة توجد عربة ممتلئة بالكنوز لكنها تحت الحراسة، فإذا ساعدته على سرقتها عنوة؛ فستحصل على نصف الغنيمة. وعلى الرغم من أنك تقف في منتزه ترفيهي مصمم على نمط الغرب الأمريكي القديم، فإنك ستفاجأ بكون اللص مؤمناً بكل كلمة أخبرك بها – لأنها الواقع بالنسبة إليه. وتلك هي القصة الوحيدة والعالم الوحيد الذي عرفه اللص على الإطلاق، وفي تلك اللحظة، يتعين عليك أن تؤدي دورك فيه. مرحباً بك في «ويست وورلد».

عند بث أول حلقة من مسلسل «ويست وورلد» في أكتوبر 2016، عرضت عالَماً مثيراً من الغرائب، لكنه عالم بعيد المنال. وكان العديد من التقنيات المستخدمة في البرنامج مألوفا لنا، كما كانت موضوعاً لكثير من الدراسات. ويشكّل الذكاء الاصطناعي والهندسة الطبية والروبوتات محور عالم الخيال العلمي هذا، وهي مجالات ظلت في صدارة البحث العلمي لعقود عدة. ويحمل علماء عصرنا كثيراً من الأحلام بخصوص عملهم، لكن «ويست وورلد» يتمحور حول الذروة القصوى لهذه التقنيات- خلق حياة اصطناعية واعية. يتحدانا البرنامج أن نسأل عما إذا كان بمقدورنا خلق الوعي، وما العواقب التي ستحدث إذا تمكنّا من عمل ذلك. وقد يسخر القارئ المتشكك من هذه الفكرة، لكننا قد نكون أقرب مما تتخيل من تحقيق ذلك. إن اللص الذي سبق ذكره، مثل جميع المضيفين الآخرين من سكان «ويست وورلد»، هم هذه الابتكارات الاصطناعية، المستوحاة من البشر والمصممة لمحاكاتهم بدقة بالغة لدرجة يوشكون معها على أن يصبحوا بشراً، إلا أنهم هجين بين خلايانا العضوية والحواسيب غير العضوية التي صنعناها. ومن أجل تحقيق رؤية «ويست وورلد» المتمثلة بخلق حياة واعية، فنحن نقترب من تحقيق هذا الطموح كل يوم. فكثيراً ما تطغى على أخبار العلوم والتكنولوجيا تقارير عن تحقيق إنجازات جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي «AI». وفي الوقت الحالي تتفوق الحواسيب على البشر في عدد كبير من الألعاب، بما في ذلك الشطرنج (وهي لعبة منطق)، وغو (وهي لعبة بداهة)، وجيوباردي (وهي لعبة للتلاعب بالألفاظ والمعلومات العامة). وفي العالم الأوسع تُعرف الخوارزميات المتقدمة بالشبكات العصبية (وهي مستوحاة من العقل البشري) وقد تعلمت قراءة أصواتنا والاستجابة لأوامرنا. وكذلك، فهي تتعلم قيادة المركبات، وهي مدمجة في أنظمة تشغيل هواتفنا وتعمل خلف الكواليس في مواقعنا المفضلة على الويب. وكثيراً ما نتحدث عن العصر الوشيك للذكاء الاصطناعي، لكنه في الحقيقة قائم بالفعل.

ومن حيث التقدم في تصميم الخوارزميات، لايزال قانون مور ينطبق حتى الآن. طوال أكثر من خمسة عقود كانت قاعدة أن الحواسيب تتضاعف قوتها مرتين كل سنتين صحيحة في الغالب، وقد تمكنا من تسخير هذه الحواسيب المتزايدة القوة دائما لتشغيل أحدث وأروع نظم الذكاء الاصطناعي.

وفي مجال الروبوتيات حققت مؤسسات منها بوستون ديناميكس ووكالة ناسا تقدماً مذهلاً في آليات أشباه البشر الاصطناعيين. وبينما نعتمد نحن – البشر – على شبكة معقدة ومتشابكة من العضلات لتحقيق التوازن والقوة والبراعة، فإن الروبوت الذي يسير على قدمين يحقق هذه الصفات باستخدام المئات، إن لم يكن الآلاف، من المشغلات الميكانيكية (المحركات الضئيلة) المحددة الموقع بعناية. ولكن إذا كان الهدف هو محاكاة الهيئة البشرية بكل دقة، فإن أفضل طريقة هي استخدام المادة نفسها- أي الأنسجة الحية. وكذلك ظل العلماء يعملون بجد لإحراز تقدم في هذا المجال، ويمكننا أن نتوقع المزيد من التقدم من خلال تعزيز قدرتنا على تعديل الخلايا البشرية.

مع تضافر عمل الذكاء الاصطناعي، وقوة الحوسبة والشكل الشبيه بالبشر، هل يلوح مضيفو «ويست وورلد» في الأفق؟ للأسف، ليس تماماً. هناك جدار قوي يمكننا أن نراه جميعاً، ويتعين علينا هدمه قبل أن يمكننا الاستمرار. ومن المحتم أن يبدأ قانون مور بالتصدع، ومن دون زيادة هائلة في قوة الحواسيب، ليس لدينا سوى أمل ضئيل في دمج الذكاء والوعي على المستوى الإنساني في آلة. ومع ذلك، فإن هذا الجدار الافتراضي القوي ليس بناء ثابتاً، ونحن نعكف على تطوير الأدوات اللازمة لتدميره. اسم التكنولوجيا المنقذة؟ الحوسبة الكمية.

سيفشل قانون مور لأنه لا يمكن تصغير حجم الترانزستور المنفرد إلا إلى حد معين. ولكي تصير الحواسيب أكثر قوة وفعالية، يجب أن يتقلص حجم وحدات المعالجة. وعلى أصغر المقاييس تبدأ الجسيمات الأساسية مثل الإلكترونات بالتصرف بعصبية إلى حد ما. على نحو مستغرب، لا يمكننا التأكد تماماً من مكان وجودها عندما نبحث ضمن مساحة صغيرة. تخيّل حاسوباً يوجّه سلسلة من الإلكترونات عبر سلسلة من الأنفاق التي تفصل بينها جدران رقيقة. وتخبرنا نظرية الكمّ بأنه إذا أصبح النفق ضيقاً جدا، فقد «تقفز» الإلكترونات إلى الجانب الآخر من الجدار. وتعني الخاصية الكونية هذه أننا مقيدون بمدى قوة الحوسبة التقليدية، لكن الحواسيب الكمّية تهدف إلى تحويل هذه الخصائص غير التقليدية إلى مميزات لتحقيق سرعات فائقة السرعة للحوسبة.

فضلاً عن الموضع غير المؤكد للجسيم في الفضاء على النطاقات الضئيلة، فإن ماهيته أيضاً تكون غير مؤكدة. ويمكن للجسيمات توجيه نفسها ضمن مجموعة متنوعة من «الحالات»، ولكن قبل أن تتخذ إحداها، من الممكن أن تكون في حالة «تراكب» Superposition، أي إنها توجد في جميع الحالات في وقت واحد. فإذا ظننت أن هذا أمر غريب، فلست وحدك، فالعديد من علماء الفيزياء يشاركونك الرأي! ولكن بإمكاننا الاستفادة من هذه الخاصية الغريبة في الحوسبة. وتتبدّل قيمة البت Bit التقليدية في الحاسوب بين 1 و 0 عند المعالجة، لكن البتّ الكمي، أو الكيوبت Qubit، يمكن أن يمثل كلتا القيمتين في الوقت نفسه؛ مما يؤدي إلى زيادة هائلة في قوة المعالجة مع كل كيوبت جديد تضيفه.

وربما لا تكون قوة المعالجة التي توفرها الحوسبة الكمّية السبب الوحيد الذي يجعلها مكوناً أساسياً. وقد يكون التراكب، كما تبين، هو أساس الوعي البشري. وقد يبدو هذا معقداً، لكنه يتلخص أساساً في الصيغ العديدة من نقاط الاشتباك العصبي (أي الاتصالات الكيميائية في أدمغتنا، التي تؤدي إلى قراراتنا) التي تحدث جميعها في الوقت نفسها. والواقع الذي نعيشه هو ذلك الذي يتضمن وعينا. فهذا أمر محيّر قليلاً، ولكن يكفي أن نقول إننا إذا كنا بحاجة إلى تأثيرات كمّية من أجل تحقيق الوعي على المستوى البشري، فقد يحتاج إليها الحاسوب أيضاً.

ولحسن الحظ، فبحلول الوقت الذي نتمكن فيه من صنع حياة اصطناعية، فمن المؤكد أننا سنتقن العناصر الأخرى التي تجعل «ويست وورلد» تجربة غامرة. فإذا تجولت في الأنحاء كمقاتل مسلح بمسدس، وواجهتك مجموعة من المضيفين المُسلحين بالمثل والذين يودون قتلك، مثلاً، فستحتاج إلى التأكد من أن مالكي المنتزه سيحافظون على سلامتك. وفي المسلسل لا يمكن للمضيف أن يسبب ضرراً جسمياً شديداً للضيف، كما أن رصاصاته، على الرغم من قدرتها على قتل المضيفين الآخرين، فلا تسبب سوى بعض الكدمات للبشر. وقد ابتكرت شركة «ألترناتيف باليستكس» بالفعل «حقيبة هوائية» لإبطاء سرعة الرصاصة إلى %20 من سرعتها. ويمكن لمبتكري المنتزه تضمين غشاء داخلي اختياري يحقق تأثيراً مشابهاً. وإلى جانب تقنية التعرف على المضيفين، ستتباطأ القذيفة ما لم تكن موجهة إلى مضيف.

وفي نهاية المطاف، فإن النقطة الشائكة الرئيسية التي تحول دون تحقيق أكثر المنتزهات الترفيهية جرأة في العالم هي إيجاد سكانه. ولكننا متأكدين من أنهم عندما يصلون إلى تلك النقطة، سيكون كل شيء آخر جاهزاً لاستخدامهم. فهل ستكون مستعداً للعب؟ إذا كان الأمر كذلك؛ فالتقط قبعتك السوداء، والتقِ بنا هناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى